مصطلح المعاد

: اللجنة العلمية

المعاد في اللغة:

العود: الرجوع إلى الشيء بعد الانصراف عنه إمّا انصرافاً بالذات، أو بالقول والعزيمة... والمعاد يقال للعود وللزمان الذي يعود فيه، وقد يكون للمكان الذي يعود إليه(1).

المعاد في الاصطلاح:

إنّ المعاد بفتح الميم في الاصطلاح هو زمان عود الروح إلى بدنه الذي تعلق به في الحياة الدنيا، فالمراد به هو يوم القيامة أو هو مكان عود الروح إلى بدنه المذكور، فالمراد به حينئذٍ هو الآخرة، وقد يستعمل المعاد بمعناه المصدر من عاد يعود عوداً ومعاداً، فالمراد به عودة الأرواح إلى أبدانها، هذا كله بناءً على بقاء الروح وانفكاكه عن البدن بالموت كما هو المختار، وأمّا بناءً على اتحاده مع البدن وفنائه بالموت، فالمراد من المعاد حينئذٍ هو الوجود الثاني للأجسام والأبدان وإعادتها بعد موتها وتفرّقها(2).

يقول الشيخ المظفر: (نعتقد أنّ الله تعالى يبعث الناس بعد الموت في خلق جديد في اليوم الموعود به عباده، فيثيب المطيعين ويعذب العاصين وهذا أمر على جملته ما عليه من البساطة في العقيدة اتفقت عليه الشرائع السماوية والفلاسفة، ولا محيص للمسلم من الاعتراف به عقيدة قرآنية جاء بها نبينا الأكرم (صلى الله عليه وآله)، فإنّ من يعتقد بالله اعتقاداً قاطعاً ويعتقد كذلك بمحمد رسولاً منه أرسله بالهدى ودين الحق لا بد أن يؤمن بما أخبر به القرآن الكريم من البعث والثواب والعقاب والجنة والنعيم والنار والجحيم وقد صرّح القرآن بذلك ولمّح إليه بما يقرب من ألف آية كريمة. وإذا تطرّق الشك في ذلك إلى شخص فليس إلا لشك يخالجه في صاحب الرسالة أو وجود خالق الكائنات أو قدرته، بل ليس إلا لشك يعتريه في أصل الأديان كلها وفي صحة الشرائع جميعها)(3).

الآخرة:

لقد اثبتت أبحاث علماء الإثنوغرافيا والأنثروبولوجيا والآثار أنّ كل شعوب الأرض تؤمن بالآخرة، أو حياة ما بعد الموت، فالإنسان بعد موته تتجه روحه إلى عالم آخر لتواصل وجودها هناك، ولقد اختلفت نظرة الكثير من الشعوب البدائية، عن نظرتنا حول الآخرة، وهذا ما أكده (جيمس فريزر) عن ظاهرة الموت لدى الإنسان البدائي في كتابه (الغصن الذهبي) بحيث أشار إلى غياب الاعتقاد بالعذاب والعقاب بعد الموت. 

كما أنّ الالتحاق بالجنة أو الجحيم لدى شعوب أخرى ليس مرتبطاً بالفعل الأخلاقي، بل بشروط أخرى كالمكانة في المجتمع، والنجاح في المشاريع المرتبطة بالحياة الأرضية، والمراسيم الجنائزية، والقرابين ايضاً(4). هنا جملة من التصورات:

1ـ في زمن الفيدا اعتقد الهنود بأنّ الأقوياء وحدهم يجدون الحظوة عند ياما.

2ـ في الفلبين وجد اعتقاد يربط بين ثروة المتوفى ومصيره في العالم الآخر، فكل البشر يذهبون إلى مملكة الظلمات لكن الفقراء وحدهم يبقون هناك إذ لا أحد يقدّم من أجلهم القرابين.

3ـ عند الهنود الحمر في أمريكا فهناك اعتقاد بأنّ النبلاء يتحولون إلى نجوم وطيور عجيبة، والآخرين إلى حشرات وأشياء كريهة.

4ـ عند شعوب داراتونغا إحدى جزر المحيط فإنّ الأشخاص الذين دفنوا بالطريقة اللائقة هم الذين يقبلون في دار الشكر الخالدة (مونغايا) وهذا المكان محرّم على الذين لم تقم لهم طقوس جنائزية عظيمة.

5ـ عند بعض القبائل الاسترالية هناك تفريق بين مصير المؤمنين ومصير الأشرار، فالمؤمنون بعد الموت يذهبون إلى الله (بيامي) وبلده المزدهر والهادئ، والأشرار يذهبون إلى مكان آخر.

6ـ لدى النوير في السودان اعتقاد بالعقاب والأجر الإلهيين، فالذي يقوم بالأعمال الطيبة لا يخشى شيئاً بعد الموت، والذي يقوم بالأعمال الشريرة يعاقبه الإله.

ما هو الموت؟

إنّ أكبر تحدٍ واجه الإنسان منذ وجوده حتى اليوم هو الموت، هذه الظاهرة التي فرضت نفسها كحتمية لا مفر منها، وكقانون طبيعي عام لا استثناء فيه ولا شذوذ، وموقف الإنسان أمام الموت، هو موقف من لا يستطيع فعل أي شيء سوى الاستسلام أمام إرادة القدر.

وإذا كان الموت هو الحقيقة الوحيدة التي لم تختلف حولها أراء البشر منذ القديم حتى يومنا هذا، فالسؤال الذي يطرح نفسه علينا، ما هو سر الموت؟ هل هو نهاية للإنسان، وحين نقول نهايته، فهل يعني هذا الفناء التام؟ أم أنّ الموت هو نهاية بمفهوم آخر؟ ونعني بهذا نهاية الإنسان في العالم الأرضي، وميلاده في عالم آخر، كما نعني به نهاية الجسم وزواله وبقاء الروح التي تواصل رحلتها عبر عوالم أخرى.

إنّ ربط الموت بالنهاية فكرة خاطئة، فمن الناحية اللغوية إنّ لفظة النهاية لا علاقة لها بلفظة الموت، فكلا الكلمتين تشتقان في معظم اللغات من جذور مختلفة، إنّ اللفظة التي تدل على الموت في الكثير من اللغات تشتق من جذور لا تحمل دلالة النهاية أو الفناء.

أسماء المعاد في القرآن الكريم:

ورد ذكر المعاد في القرآن المجيد في مئات من الآيات وبتعابير متنوعة، وأهم العبارات القرآنية هي:

1ـ قيام الساعة.

2ـ القيامة.

3ـ الحشر.

4ـ النشر.

5ـ المعاد.

6ـ اليوم الآخر.

7ـ يوم الحساب.

8ـ الصاخة.

9ـ يوم الدين.

10ـ اليوم العظيم.

المعاد في القرآن الكريم:

يمكن تقسيم الآيات القرآنية التي تدور حول اثبات المعاد والاحتجاج مع منكريه إلى خمسة مجموعات(5):

1ـ الآيات التي تؤكد هذه الملاحظة، وهي أنّه لا يوجد برهان على نفي المعاد، وتعتبر هذه الآيات من قبيل نزع سلاح المنكرين.

2ـ الآيات التي تشير إلى ظواهر مشابهة للمعاد، وبذلك تمنع استبعاده.

3ـ الآيات التي ترد شبهات المنكرين للمعاد وتناقشها، وتثبت امكان وقوعه.

4ـ الآيات التي تؤكد أنّ المعاد وعد محتوم لا يقبل التخلف، وفي الواقع أنّها تثبت وقوع المعاد عن طريق إخبار المخبر الصادق.

5ـ الآيات التي تشير إلى البرهان العقلي على ضرورة المعاد.

أدلة وبراهين وقوع المعاد:

1ـ برهان الفطرة:

وهو إنّ الإنسان يرى في أعماقه عقيدة وايماناً بحقيقة ما، ويشعر من خلال الإيمان بوجود عالم الآخرة والقيامة والعدالة الإلهية.

2ـ برهان الحكمة:

وذلك لو ألقينا نظرة اجمالية على عالم الوجود لرأينا أنّ كل المخلوقات لم تخلق إلا لغرضٍ معين موافق للحكمة وخاضع لقوانين ومسارات محددة.

3ـ برهان العدالة:

إذ بمقتضى العدالة الحاكمة على هذا العالم والتي تعتبر جزءاً من عدالة الله تعالى يجب أن يكون هناك يوم لمحاسبة أعمال جميع البشر بدقة متناهية ومن دون أي استثناء، وذلك اليوم هو الذي نطلق عليه اسم (القيامة).

4ـ برهان الغاية والحركة:

إنّ الإنسان قد خلق لهدف معين، خلافاً لما يتصوره الماديّون، فالرؤية الكونية للإلهيين ترى وجود هدف من خلق الإنسان وأنّه خلال سعيه وحركته التكاملية يسير نحو هذا الهدف.

5ـ برهان الرحمة:

إنّ (الرحمة) من صفات الله تعالى الواضحة والمعروفة، ومن البديهي أنّ الرحمة تعني اعطاء الفيض والنعم لمن له القابلية والاستعداد لاستيعابها. وبما أنّ الإنسان له كيان خاص وله روح ولجت بدنه ببركة النفخة الإلهية فهو يمتلك الاستعداد للخلود وبلوغ الكمالات الرفيعة، لذا فإنّ الله تعالى الموصوف بصفات الرحمن والرحيم لا يمكن أن يمنع الإنسان من هذا الفيض وهذه الرحمة، ولن يقطع عنه فيضه ورحمته بسبب موته.

6ـ برهان الوحدة:

إنّ الذي خلق الإنسان من أجل التكامل والهداية سوف لن يحرمه من نيل هذه الأماني بمقتضى مقام ربوبيته، وبما أنّ هذا الهدف لم يتحقق في هذه الدنيا، فإنّ الاختلافات والوصول إلى الوحدة سوف يتحقق في الدار الآخرة، والقرآن الكريم قد أكد كثيراً على هذا الأمر.

7ـ برهان خلود الروح:

إنّ الاعتقاد ببقاء الروح يعبّد لنا طريق الوصول إلى إثبات المعاد والحياة الآخرة، ولكن هذا لا يعني أنّ من لا يعتقد بخلود الروح لا يمكنه الإيمان بالمعاد، بل يمكن إثبات المعاد من دون أن يكون لمسألة بقاء الروح أي أثر في ذلك. 

أهمية بحث المعاد في القرآن الكريم:

لو ألقينا نظرة إجمالية على آيات القرآن المجيد لما وجدنا بحثاً يتصدر جميع البحوث العقائدية للدين الإسلامي بعد بحث التوحيد مثل بحث المعاد والحياة الآخرة وجزاء الأعمال والثواب والعقاب وإجراء العدالة(6).

إنّ وجود ما يقارب (1200) آية من مجموع آيات القرآن المجيد تهتم ببحث المعاد وهو ما يساوي ثلث القرآن تقريباً، فالقرآن المجيد يتحدث عن عالم الآخرة في كل مقطع تطرق فيه لموضوع الإيمان بالله تعالى، وقد اقترن ذكر الموضوعين معاً في (30) آية تقريباً: ((ويؤمنون بالله واليوم الآخر)) أو بتعبيرات مشابهة، وأشار لليوم الآخر في أكثر من (100) موضع ولم لا يكون كذلك؟ في حين أنّ:

1ـ كمال الإيمان بالله تعالى وحكمته وعدالته وقدرته لا يتم بدون الإيمان بالمعاد.

2ـ الإيمان بالمعاد يعطي لحياة الإنسان قيمة، ويخرج الحياة الدنيا عن اللغو والعبثية.

3ـ الإيمان بالمعاد يخط طريقاً واضحاً لتكامل الحياة الإنسانية.

4ـ الإيمان بالمعاد يضمن تطبيق كل السنن الإلهية، وهو الدافع الرئيسي لتهذيب النفوس واحترام الحقوق والعمل بالواجبات وإيثار الشهداء وتضحية المضحّين، وهو الذي يدفع الإنسان لمحاسبة نفسه.

5ـ الإيمان بالمعاد يضعف حب الدنيا التي هي رأس كل خطيئة، ويخرج الدنيا عن كونها (هدفاً نهائياً) ويجعل منها (وسيلة) لنيل السعادة الأبدية، وكم الفارق شاسع بين هذين المنظارين!

6ـ الإيمان بالمعاد يعطي للإنسان القوة لمواجهة الشدائد، ويحيل صورة الموت المرعبة ـ التي تخطر على فكر الإنسان على هيئة كابوس ثقيل وتسلبه راحته ـ من مفهوم الفناء والعدم إلى نافذة نحو عالم الخلود.

7ـ الكلام الفصل هو أنّ الإيمان بالمعاد ـ إضافة إلى الإيمان بمبدأ عالم الوجود ـ يعدّ الخط الفاصل بين الإلهيين والماديين.

أسس مهمة في مسألة المعاد:

أولاً: إنّ الإنسان الحي ليس بدناً محضاً ولا روحاً محضاً، بل هو مركب من الروح والبدن، والروح وإن لم يعلم حقيقته، ولكن أنّه غير البدن وقابل للارتباط مع ما وراء الطبيعة وللإرسال والإحضار وباقٍ بعد موت البدن.

ثانياً: إنّ بين الحياة الدنيوية والحياة الأخروية حياة أخرى، وهي الحياة البرزخية.

ثالثاً: إنّ حقيقة الموت ليست هي الانعدام والفناء، بل هي انقطاع ارتباط الأرواح مع الأبدان، والانتقال من الحياة الدنيوية إلى الحياة البرزخية.

رابعاً: إنّ إعادة الأرواح إلى الأبدان في القيامة لا تكون إعادة المعدوم، لأنّ المفروض هو بقاء الأرواح في البرزخ، فالأرواح لا تكون معدومة حتى تكون إعادتها إعادة المعدوم، كما لا يكون ايضاً إعادة أجزاء البدن إعادة المعدوم، لأنّ الأجزاء المتفرقة موجودة معلومة عند الله تعالى، ولا يعزب شيء منها عن علمه تعالى مهما تبدلت وتغيّرت.

خامساً: لا يخفى أنّ عود الأرواح إلى أبدانها ممكن ذاتاً ولا استحالة فيه، لأنّ عود الأرواح إلى أبدانها ليس إعادة المعدوم، حتى يقال باستحالتها؛ لأنّ المعدوم لا شيئية له حتى يعاد.

سادساً: لا يخفى أنّه لا حاجة إلى الاستدلال بالأدلة العقلية على وقوع المعاد بعد قيام الأدلة السمعية القطعية وضرورة الإسلام، بل ضرورة الدين، على اثبات المعاد.

سابعاً: إنّ القرآن الكريم قد أخبر عن وقوع القيامة والمعاد اخباراً جزمياً قطعياً مع التأكيدات المختلفة. وتعرّض لخصوصياته في ضمن آيات كثيرة.

أدلة إمكان المعاد:

لقد وردت طرق كثيرة لإثبات المعاد في القرآن الكريم، ويمكن تلخيصها في خمسة مواضيع هي:

1ـ الخلق الأول:

قال تعالى: ((وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ ۖ قَالَ مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ)) سورة يس (78 ـ79).

وقال تعالى: ((أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ)) سورة ق (15).

2ـ القدر الإلهية المطلقة:

ذلك إنّ بحث المعاد يأتي بعد إثبات أصل التوحيد وقبوله والتصديق بالصفات الثبوتية والأخرى السلبية للحق تعالى.

قال تعالى: ((أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَىٰ وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ)) سورة يس (81).

3ـ آيات إحياء الأرض:

قال تعالى: ((وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُّبَارَكًا فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ * رِّزْقًا لِّلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا كَذَٰلِكَ الْخُرُوجُ)) سورة ق (9ـ11).

4ـ التطورات الجنينية:

قال تعالى: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا)) سورة الحج (5).

5ـ المعاد في عالم الطاقة:

قال تعالى: ((قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ * الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ)) سورة يس (79ـ80).

وقال تعالى: ((أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ * أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِئُونَ * نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِّلْمُقْوِينَ)) سورة الواقعة (71ـ73).

نماذج تاريخية إنسانية للمعاد:

يصوّر لنا القرآن الكريم نماذج إنسانية حقيقية لوقوع المعاد، قد أوردها في آياته المباركة، وهي:

1ـ قصة النبي عزير (ع) الذي وُهب الحياة بعد موته بمائة عام:

قال تعالى: ((أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آَيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )) سورة البقرة (259).

2ـ قصة نبي الله إبراهيم (ع) واحياء الطيور الأربعة:

قال تعالى: ((وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)) سورة البقرة (260).

3ـ قصة أصحاب الكهف:

قال تعالى: ((أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آَيَاتِنَا عَجَبًا * إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آَتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا * فَضَرَبْنَا عَلَى آَذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا * ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا)) سورة الكهف، (9ـ12). 

4ـ قصة قتيل بني اسرائيل وقصة البقرة:

قال تعالى: ((وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ * فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)) سورة البقرة (72 ـ 73).

5ـ قصة هزيمة بني اسرائيل:

قال تعالى: ((أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ)) سورة البقرة (243).

لماذا يكرهون الموت ويخافون منه؟:

لماذا تخاف الأغلبية الغالبة من الناس من الموت؟ وتخاف من أعراضه؟ بل تخاف حتى من أسمه؟

سنذكر بنقاط موجزة أسباب الخوف من الموت، وهي:

1ـ عدم الإيمان بوجود الله تعالى، أو عدم الإيمان بوجود إله خالق مسيطر.

2ـ عدم الإيمان بوجود حياة ما بعد الموت:

3ـ التعلق بالدنيا أكثر من اللازم:

4ـ كثرة السيئات وكثرة الموبقات والانشغال بالملذات المحرمة:

5ـ عدم الإيمان بوجود محاسبة أو حساب بعد الموت:

6ـ الإيمان بالماديات والحسيات فقط:

حالات الموت:

إذا نظرنا إلى حالات الموت الحاصلة، يمكننا تقسيم الموت إلى الأقسام الآتية:

1ـ الموت الطبيعي:

فإذا قضى الإنسان حياته الطبيعية، وفي آخر عمره الاعتيادي أصبح شيخاً وتحللت خلايا بدنه، وفي النهاية مات بتوقف أعضاء بدنه الأصلية كالقلب والدماغ، عندئذٍ يقال كان موته طبيعياً.

2ـ الموت المخروم أو الاخترامي:

القسم الآخر من أقسام الموت هو موت الصدفة عن علة خاصة وفجائية كالموت في حادث سير أو حرب ومواجهة وإطلاق رصاص أو قصف. في هذا النوع من الموت يعتقد الإنسان أنّ النفس لم تكمل مراحل سيرها وتكاملها، لذلك فإنّ خروج النفس من البدن يكون بسبب الضرر اللاحق بالبدن.

3ـ الموت الإرادي:

يقال: أنّه يستطيع بعض من الإنسان الكامل أن يفصل نفسه عن بدنه، فيتحقق الموت بسبب تلك الحالة. ويستطيع هؤلاء أن يعيدوا أرواحهم إلى أبدانهم. هذا الموت يعبر عنه في اصطلاح الفلاسفة بـ(نضو الجلباب)، وفي اصطلاح العرفاء بـ(انسلاخ البدن). وهناك كلام كثير حول هذا القسم أو الحالة من حالات الموت.

نظريات مختلفة في تفسير المعاد:

سنتكلم عن بعض النظريات التي فسّرت المراد بالمعاد ومنها:

1ـ إعادة المعدوم:

يظنّ فريق أنّ المعاد يعني إعادة المعدوم، وما أكثر ما بحث المتكلمون القدامى في عدم استحالة إعادة المعدوم، ظنّاً منهم أنّ المعاد والقيامة يعنيان ذلك؛ وذلك من الاشتباهات التي وقعوا بها.

2ـ عودة الأرواح إلى الأجساد:

يفسّر فريق آخر المعاد بعودة الأرواح إلى الأجساد، فعندما يموت الإنسان تفارق روحه بدنه وتصير الروح المنفصلة إلى عالم معين يقال له البرزخ إلى أنّ تحل القيامة، وعندما تقوم الساعة ترجع كل روح لبدنها.

3ـ عودة الأرواح إلى الله:

يدّعي المحدثون كالشيخ المجلسي بأنّ أهل الأديان كافة مجمعون على أنّ المعاد هو بمعنى عودة الأرواح إلى الأجساد، بيد أنّ بعضهم يقول: أجل هناك إجماع، ولكن لا على عودة الأرواح إلى الأجساد، وإنّما بمعنى العودة إلى الله.

4ـ عودة الأرواح إلى الله بكيفية جسمانية:

اختار هذا الفريق الجمع بين هذين الاثنين وانتهوا إلى نظرية مؤداها: إذا كان المعاد هو العود إلى الله، وليس عودة الأرواح إلى الأجسام، فإن لهذا العود كيفية جسمانية في الوقت عينه.

5ـ تجدد الحياة الدنيوية المادية بشكل آخر:

أراد هذا الفريق أن يفسر المعاد بأنّه شأن مادي طبيعي، مثلما حصل للمجموعة الأولى، ولكن من دون حاجة للقول بعودة الأرواح إلى الأجسام.

ــــــــــــــــــــــــ

(1) المفردات، ص 593 ـ594.

(2) بداية المعارف الإلهية، ج2، ص 241ـ242.

(3) عقائد الإمامية، ص132.

(4) حقيقة الموت في نظر الديانات، بوساحة أحمد، ص131.

(5) دروس في العقيدة الإسلامية، محمد تقي مصباح اليزدي، ص405.

(6) نفحات القرآن، ناصر مكارم الشيرازي، ج5، ص 7.