مصطلح الإسقاط

: اللجنة العلمية

 

    الإسقاط لغة :

     سقط : السين والقاف والطاء أصلٌ واحد يدل على الوقوع ، وهو مطّرد . من ذلك سقَط الشيءُ يسقُط سقوطاً ، والسَّقَط : رديء المتاع ؛ والسَّقاط والسَّقَط : الخطأ من القول والفعل...وهذا الفعل مَسقَطة للرجل من عيون الناس(1) .

     الإسقاط اصطلاحاً:

     إسقاط: (Projection) الأصل اللاتيني للفظ الإفرنجي projectio من الفعل projicere أي يرمي إلى الأمام ، ويقصد به فعل العقل الذي يتصور الإحساسات على أن لها وجوداً مستقلاً . وهذا المعنى هو أساس المذهب الحسي(2) .

      إسقاط : هو ميل الشخص إلى أن يعزو إلى العالم الخارجي العمليات النفسية المكبوتة جهلاً منه بأنها خاصة به ، أو تهرباً من الإعتراف بها ، أو تخفيضاً لما يشعر به من الإدانة الذاتية (مدرسة التحليل النفسي) . والإسقاط في هذه الحالة من أساليب التبرير والدفاع عن الذات .

      فالإسقاط : حيلة لا شعورية تتلخص في أن يَنسب الإنسان عيوبه ونقائضه ، ورغباته المستكرهة ، ومخاوفه المكبوتة التي لا يعترف بها ، إلى غيره من الناس ، أو الأشياء ، أو الأقدار ، أو سوء الطالع... وذلك تنزيهاً لنفسه ، وتخففاً مما يشعر به من القلق أو الخجل أو النقص أو الذنب (3) .

      والإسقاط: هو العملية النفسية التي نخلع بها تصوراتنا ورغائبنا وعواطفنا على الآخرين ، أو على موضوع من الموضوعات (4) .

      وعند كار يونج فإن الإسقاط على نوعين : إسقاط سلبي حيث يسكب الإنسان أحاسيسه على مشاهد الطبيعة ، وإسقاط إيجابي حيث يسكب الإنسان أحاسيسه في شيء ما ، أي يموضعها . في الحالة الأولى توجد هوية بين الذات والموضوع ، وفي الحالة الثانية تنفصل الذات عن الموضوع (5) .

      الإسقاط ومصطلحات مشابهة :

1ـ إسقاط ، إضفاء : 

      الإسقاط في علم النفس الحديث هو تفسير الأوضاع والمواقف والأحداث بتسليط خبراتنا ومشاعرنا عليها والنظر إليها من خلال عملية انعكاس لما يدور في داخل نفوسنا . وفي مفهوم علماء التحليل النفسي يُعتبر الإسقاط بمثابة حيلة نفسية يلجأ إليها الشخص كوسيلة للدفاع عن نفسه ضد مشاعر غير سارة في داخله ، مثل الشعور بالذنب أو الشعور بالنقص ، فيعمد على غير وعي منه إلى أن ينسب للآخرين أفكاراً ومشاعر وأفعالاً حيالة ، ثم يقوم من خلالها بتبرير نفسه أمام ناظريه (6) .

2ـ إسقاط ، إلصاق ، انسلال :

      جاء في كتاب الأمثال لابن سلام ، باب (تعيير  الإنسان صاحبه بعيب هو فيه) ، قال الأصمعي : من أمثالهم في هذا : (رمتني بدائها وانسلت) . ويحكى عن المفضل أنه كان يقول : هذا المثل قيل لرهم بنت الخزرج ، وكانت امرأة سعد بن زيد مناة بن تميم ، وكان لها ضرائر ، فسبتها إحداهن يوماً ، فرمتها رهم بعيب هو فيها ، فقالت ضَرَّتها: رمتني بدائها وانسلت ، فذهب مثلاً (7).

     المنهج الإسقاطي :

      المنهج الإسقاطي : إسقاط الواقع المعيش على الحوادث والوقائع التاريخية ، إنه تصور الذات في الحدث ، أو الواقعة التاريخية (8) .

      دوافع الإسقاط : 

      يمكن ذكر جملة من الدوافع للإسقاط هي :

1ـ أن الدافع إلى الإسقاط هو الشعور بالنقص والدونية لدى القائم به .

2ـ أن الغاية من عملية الإسقاط هي الدفاع عن عيوب أو نقص في القائم بها .

3ـ أن إجراء عملية الإسقاط يتم لا شعورياً .

4ـ أن الهدف الذي يتم توقع الإسقاط عليه ـ غالباً ـ يكون منزهاً عن ما يوجه إليه من خلال عملية الإسقاط .

      فبالنسبة للدافع إلى عملية الإسقاط ، فالمقصود به المثيرات النفسية التي تثير الرغبة في قرارة القائم بالإسقاط ، وتدفعه لممارسة هذا السلوك تجاه هدفٍ معينٍ ، وهذه المثيرات يجب أن تكون ـ في نظر القائم بالإسقاط ـ أموراً لا يحبها ، ولا يحب أن تكون فيه على الرغم من علمه بوجودها فيه ـ وعلى أقل تقدير ـ لا يحب أن يكتشف الآخرون وجودها فيه ، إذن فليس من الضروري أن تكون هذه المثيرات أموراً سلبية دائماً ، بل المهم أن تكون سلبية في نظر القائم بالإسقاط . إذن فالإحساس بالنقص أو الدونية أو الذنب لا يعني تحقق ذلك في المرء دائماً ، بل إن هذا الإحساس قد يكون وليد ظروف أخرى محيطة بالمرء ، ولولا هذا الإحتمال لكان هذا الإحساس نفسه يعد أمراً إيجابياً في القائم بالإسقاط لتمتعه بإحساس يدله على سيئاته ، ولأصبح من النفس اللوامة التي رفع الله تعالى من شأنها ، ولكن القائم بالإسقاط ليس كذلك . وبالنسبة للغاية من عملية الإسقاط ، فالمقصود بها النتيجة التي ينشد إحرازها القائم بالإسقاط ، وهذه النتيجة واحدة في جميع الحالات وهي : صرف نظر الآخرين عن ذلك العيب الذي يعاني منه في نفسه ، ويكره أن يعلم به الآخرون أو يذكرونه أمامه ، فيسلك القائم بالإسقاط من أجل صرف النظر طريقةً نفسية هي المبادرة بالهجوم بقصد الدفاع متمثلاً المقولة القائلة : (الهجوم خير وسيلة للدفاع) . أما قولهم بأن الإسقاط عملية لا شعورية ، فيقصدون به أن القائم بالإسقاط ـ وقد أحس بما فيه من نقص أو ذنب وأراد أن يصرف الأنظار عن وقوعها فيما علم في نفسه ـ يقدم على رمي غيره بما وجد في نفسه عن غير قصد الرمي وإلصاق التهمة ، بل إن ذلك يتم على نحو غير شعوري دون سابق تخطيط أو علم أثناء القيام بالإسقاط .         ولكن الإطلاق بأن جميع عمليات الإسقاط لا شعورية أمرٌ لا يعتمده الباحث ولا يقرره ، فهو يرى أن هناك عمليات إسقاط مقصودة ، فقد أرشدنا القرآن الحكيم إلى أسلوب إسقاطي وذمه وتوعد القائم به بالعقاب ، وذلك في قوله تعالى: (وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) (النساء: 112)، ولولا أن القائم به يقصد ويتعمد الفعل لما توعده الله الرحيم بالعقاب وشنع بعمله ؛ لأن الشارع الحكيم تجاوز عن الأمة حالة الخطأ والنسيان ، والمقدم على عمل ما على نحو غير شعوري يُعد مخطئاً ، فـ(اللاشعور) مصطلح يرادف كلمة (على غير وعي)... ويقابل (التعمد) أو (عن قصد). وأخيراً فبالنسبة لتنزه ضحية الإسقاط ـ غالباً ـ مما يوجه إليه ، فذلك لأنه لو لم يكن الأمر كذلك لما كانت العملية إسقاطاً من أصلها ، ولكانت وصفاً أو تشهيراً... إلخ ، فالإسقاط يُشترط فيه براءة المسقط عليه من الصفات أو السلوكيات التي أُسقطت عليه براءةً كُلية أو جزئية . (9) .

      رمتني بدائها وانسلت :

      لعل المثل العربي القديم القائل : (رمتني بدائها وانسلت) ، أقدم تعبير عن هذا المنهج في كلام المرء في التراث العربي ، كما أن الأدب الإنجليزي يحتوي على مثَل يشير إلى هذا الأسلوب، وهو قولهم: (Those who live in glass houses should not throw stones )، ويعني : (ساكنوا البيوت الزجاجية يجب أن لا يرشقوا أحداً بالحجارة). وهكذا فإن من المتوقع ألا يخلو تراث أي أمة من الأمثال التي تشير إلى هذا الأسلوب في الكلام والتعامل ، كما يتوقع أيضاً أن تكون جميع هذه الأمثال تتضمن مؤشرات الاستنكار وعدم الإعجاب بهذا الأسلوب ، وأن جميع الأمم تعد مثل هذه التصرفات تصرفات لا أخلاقية غير مرغوب فيها ، كما هو واضحٌ من فحوى المثلين المذكورين في التراثين العربي والإنجليزي . (10) .

     يقول الشيخ أحمد الوائلي: (إن خصوم الشيعة ومن تبعهم من المستشرقين وكلٌ يضرب على وتر يستهدفه ، جعلوا هذه القضية من الأمور المسلمة ، وضلع تلامذتهم في ركابهم وحشدوا كل وسائلهم لترسيخها في الأذهان ، فما تركوا وسيلة لإثبات أن التشيع فارسي شكلاً ومضموناً إلا وأخذوا بها ، ومن تفاهة هذا المدعى كما سنرى ، ومع أنه من قبيل (رمتني بدائها وانسلت) ، والغريب أن هذه الفرية تعيش للآن مع وضوح الرؤية وانتشار المعارف وانكشاف الحقائق) (11) .

ـــــــــــــــــــــــــــــ

(1) معجم مقاييس اللغة، ابن فارس، ص463ـ464.

(2) المعجم الفلسفي، مراد وهبة، ص 62 ـ 63

(3) أصول علم النفس، أحمد عزت راجح، ص55.

(4) الإسقاط في مناهج المستشرقين، شوقي أبو خليل، ص 15.

(5) المعجم الفلسفي، مراد وهبة، ص 62 ـ 63

(6) موسوعة علم النفس، اسعد رزق، ص 41.

(7) الأمثال، ابو عبيد القاسم بن سلام، تحقيق: عبد المجيد قطامش، ج2، ص 67، ومجمع الأمثال، الميداني، ج1، ص 456ـ 457، المثل رقم :1521.

(8) مناهج المستشرقين البحثية في دراسة القرآن، حسن عزوزي، ص 33.

(9) منهج الإسقاط في الدراسات القرآنية عند المستشرقين: دراسة تحليلية منهجية، محمد عامر عبد الحميد مظاهري، ص 5 ـ 9.

(10) منهج الإسقاط في الدراسات القرآنية عند المستشرقين، ص 1 ـ 2.

(11) هوية التشيع، الشيخ أحمد الوائلي، ص 51.