أبْنَاؤُنَا وَأصْدِقَاءُ السُّوءِ.. كَيْفَ نُبْعِدُهُمْ عَنْهُمْ؟

المَرْصَدُ /: كَيْفَ أحْمِي أوْلَادِي مِنْ تَأْثِيرِ أصْدِقَاءِ السُّوءِ، فَهُمْ غَالِبًا مَا يَقْضُونَ وَقْتَهُمْ مَعَ أصْدِقَائِهِمْ أكْثَرَ مِنْ أهْلِهِمْ بِاعْتِبَارِ وُجُودِهِمْ فِي المَدْرَسَةِ وَاهْتِمَامَاتِهِمْ المُشْتَرَكَةِ، لَكِنِّي أخَافُ عَلَيْهِمْ مِنْ مُرَافَقَةِ بَعْضِ الأشْخَاصِ السَّيِّئِينَ مِمَّا سَيُؤَثِّرُ سَلْبًا عَلَى أخْلَاقِهِمْ وَمُسْتَوَاهُمْ الدِّرَاسِيِّ، فَمَا هِيَ النَّصَائِحُ الَّتِي تُوَجِّهُونَهَا لِلأهْلِ لِلتَّعَامُلِ مَعَ هَذِهِ الحَالَةِ؟ ثُمَّ مَا هِيَ نَصَائِحُكُمْ لِلشَّبَابِ لِاخْتِيَارِ الصَّدِيقِ الصَّالِحِ؟

: اللجنة العلمية

   الجواب:

     السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.

     فِي مَرْحَلَةٍ مَا مِنْ مَرَاحِلِ الإِنْسَانِ، وَخَاصَّةً المَرْحَلَةُ العُمْرِيَّةُ مِنْ سِنِّ 13 إِلَى 23 تَشْتَدُّ حَاجَةُ الإِنْسَانِ إِلَى الأصْدِقَاءِ، وَيَكُونُ هَؤُلَاءِ الأصْدِقَاءُ هُمْ نَافِذَةَ الإِنْسَانِ إِلَى العَالَمِ، يَتَّخِذُ مِنْ أقْوَالِهِمْ وَأفْكَارِهِمْ وَأفْعَالِهِمْ مَرْجِعًا لَهُ فِي السُّلُوكِ وَالتَّفْكِيرِ، وَلِذَا تَجِدُ البِنْتَ أوْ الوَلَدَ فِي هَذِهِ المَرْحَلَةِ يُكْثِرُونَ الحَدِيثَ عَنْ أصْدِقَائِهِمْ وَتَصَرُّفَاتِهِمْ بِأنَّهُمْ قَالُوا كَذَا وَفَعَلُوا كَذَا، وَأحْيَانًا تَكُونُ مَادَّةُ الإحْتِجَاجِ عِنْدَهُمْ عَلَى الآخَرِينَ هِيَ فِعْلَ أصْدِقَائِهِمْ فَقَطْ.

     وَالأَسْبَابُ وَالدَّوَافِعُ وَرَاءَ هَذَا السُّلُوكِ هُوَ التَّغَيُّرُ الفَسْلَجِيُّ فِي الإِنْسَانِ وَطَبِيعَتِهِ التّكوينِيَّةِ الَّتِي تَنْتَقِلُ بِهِ مِنْ مَرْحَلَةِ الصِّبَا إِلَى مَرْحَلَةِ الشَّبَابِ الَّتِي يَشْعُرُ أنَّ مِنْ لَوَازِمِهَا الإسْتِقْلَالَ فِي اتِّخَاذِ الأصْدِقَاءِ، وَأنْ يَكُونَ هَذَا الشَّيْءُ مِنْ مُخْتَصَّاتِهِ الَّتِي لَا يَنْبَغِي لِأحَدٍ أنْ يُنَاقِشَهُ فِيهَا، وَهُنَا عَلَيْنَا الإلْتِفَاتُ إِلَى بَعْضِ الأُمُورِ فِي تَهْيِئَةِ أبْنَائِنَا لِهَذِهِ المَرْحَلَةِ الَّتِي تَشْتَدُّ فِيهَا حَاجَتُهُمْ لِلأصْدِقَاءِ، وَكَيْفَ نَحْفَظُهُمْ مِنْ الوُقُوعِ فِي شِرَاكِ أصْدِقَاءِ السُّوءِ الَّذِينَ قَدْ يَأْتُونَ عَلَى كُلِّ مَا أعْدَدْنَاهُ فِي أبْنَائِنَا لِلسَّنوَاتِ المَاضِيَةِ.

     مِنْ الأُمُورِ المُهِمَّةِ جِدًّا هِيَ إِعْدَادُ الأبْنَاءِ قَبْلَ هَذِهِ المَرْحَلَةِ إِعْدَادًا سَلِيمًا تَجْعَلُ الأخْلَاقَ مِنْ الثَّوَابِتِ عِنْدَهُمْ بِشَكْلٍ قَوِيٍّ، كَأنْ يَبْدَأَ هَذَا الإِعْدَادُ مِنْ سِنِّ السَّابِعَةِ أَوْ الثَّامِنَةِ، بِحَيْثُ يَسْتَطِيعُ الوَلَدُ أَوْ البِنْتُ بَعْدَ ذَلِكَ تَمْيِيزَ السُّلُوكِ السَّوِيِّ مِنْ السُّلُوكِ المُنْحَرِفِ إِذَا تَعَرَّضَ لَهُ مِنْ صَدِيقِ السُّوءِ، وَهَذِهِ مُهِمَّةٌ صَعْبَةٌ وَلَا نَقُولُ بِسُهُولَتِهَا، لَكِنَّهَا ضَرُورِيَّةٌ جِدًّا فِي إِعْدَادِ الأبْنَاءِ وَحِمَايَتِهِمْ، وَلَا بَأْسَ بِالإطِّلَاعِ عَلَى الأسَالِيبِ التَّرْبَوِيَّةِ النَّاجِحَةِ الَّتِي تُرَسِّخُ الأخْلَاقَ عِنْدَ الأبْنَاءِ فِي هَذِهِ المَرْحَلَةِ العُمْرِيَّةِ الحَسَّاسَةِ وَالمُهِمَّةِ، هَذَا أوَّلًا.

     وَثَانِيًا: عَلَى الآبَاءِ وَالأُمَّهَاتِ الإنْفِتَاحُ عَلَى أبْنَائِهِمْ بِشَكْلٍ كَبِيرٍ فِي هَذِهِ المَرْحَلَةِ، وَتَعْوِيضُهُمْ الحَاجَةَ المُطْلَقَةَ إِلَى الأصْدِقَاءِ، وَذَلِكَ بِالإسْتِمَاعِ إِلَى أفْكَارِهِمْ وَثَرْثَرَتِهِمْ وَنِكَاتِهِمْ وَعَدَمِ صَرْفِهِمْ أوْ الإسْتِهْزَاءِ بِأفْكَارِهِمْ، الأمْرُ الَّذِي يَجْعَلُهُمْ يَلْجَأُونَ إِلَى الأصْدِقَاءِ بِكُلِّ قِوَاهُمْ.

      ثَالِثًا: دَوَامُ المُرَاقَبَةِ مِنْ الآبَاءِ وَالأُمَّهَاتِ فِي هَذِهِ المَرْحَلَةِ، وَهُوَ أمْرٌ مُهِمٌّ جِدًّا، وَلِتَكُنْ هَذِهِ المُرَاقَبَةُ إِيجَابِيَّةً وَلَيْسَتْ سَلْبِيَّةً، أيْ المُرَاقَبَةُ التَّقْوِيمِيَّةُ لَا مُرَاقَبَةُ الزَّجْرِ وَالإِهَانَةِ وَالتَّقْرِيعِ.

      رَابِعًا: عَلِّمُوا أبْنَاءَكُمْ كَيْفَ يَكُونُونَ مُبْدِعِينَ وَنَاجِحِينَ فِي حَيَاتِهِمْ، مِنْ خِلَالِ تَرْسِيخِ الثِّقَةِ العَالِيَةِ بِأَنْفُسِهِمْ.. دَعُوهُمْ يُفَكِّرُونَ بِكِبْرِيَاءَ وَبِتَعَالِيَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمُسْتَقْبَلِهِمْ، وَلِتَكُنْ أهْدَافُهُمْ وَطُمُوحَاتُهُمْ عَلَى أعْلَى المُسْتَوَيَاتِ دَائِمًا.

     خَامِسًا: عَلِّمُوا أبْنَاءَكُمْ هَذِهِ القَاعِدَةَ الَّتِي تَقُولُ: شَبِيهُ الشَيْءِ مُنْجَذِبٌ إِلَيْهِ، فَإِذَا كَانَ صَدِيقُكَ سَيِّئًا فَأنْتَ سَيِّءٌ كَذَلِكَ، هَكَذَا سَيَحْكُمْ النَّاسُ عَلَيْكَ حَتَّى لَوْ كُنْتَ مِنْ أفْضَلِ الخَلْقِ أجْمَعِينَ، فَلْيَحْذَرُوا أصْدِقَاءَ السُّوءِ وَلَا يَقْتَرِبُوا مِنْهُمْ أبَدًا حَتَّى لَا تَتَلَوَّثَ سُمْعَتُهُمْ.

     نَسْأَلُ اللهَ أنْ يُوَفِّقَ أبْنَاءَنَا وَبَنَاتَنَا دَوْمًا لِمَا فِيهِ خَيْرُ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ إِنَّهُ سَمِيعٌ رَؤُوفٌ مُجِيبٌ.

     وَدُمْتُمْ سَالِمِينَ.