عقيدةُ التّثليث" بِدعةٌ عظيمةٌ أَحدثَها النّصارى".

آرام/: الرّب ليس مركب وأن الآب والابن والرّوح القدس تعني الوحدة الجامعة لصفات الرب الذاتية أو الاقانيم المقدسة الجامعة ونحن نؤمن بأن الرب واحد ، ونختم بآية من العهد الجديد تؤكد نفس المعنى من يوحنا الأولى 5 : 77 فَإِنَّ  الَّذِينَ يَشْهَدُونَ فِي السَّمَاءِ هُمْ ثَلاَثَةٌ: الآبُ، وَالْكَلِمَةُ، وَالرُّوحُ الْقُدُسُ. وَهؤُلاَءِ الثَّلاَثَةُ هُمْ وَاحِدٌ . هنا نحنُ بصدد اتحاد وليس تركيب ، فهناك فرقٌ شاسع جدًا بين الاتحاد وبين التركيب ، فمثلًا مَن يستطيع في مثل كالنار أن يفصل بين النور وبين الحرارة واللهب في النار لا يستطيع أحد على الإطلاق لأن هناك اتحاد تام وكامل ومطلق بين النور والحرارة واللّهب التي في النار لا يوجد نور بلا حرارة وبلا لهب ، النور والحرارة واللهب في اتحاد تام وكامل لا يمكن أن تفصل فصل مكاني بين النور والحرارة واللهب ، إذًا نحن لا نتكلّم عن تركيب ، فلا يوجد هناك تركيب في الإله فيوجد اتحاد .

: اللجنة العلمية

الأخُ ارام تحيةً طيبةً، يَتمُّ الجَوابُ على سُؤالكَ مِنْ خِلالِ مِحوَرين:

المِحوَرُ الأوّل - إنّ نَفسَ السُّؤالِ فيهِ تَناقضٌ واضحٌ!  أنتُم تَقولونَ إنّ الرّبَ ليسَ مُركَّباً وإنّ الأبَ والإبنَ وروحَ القُدسِ تَعني الوِحدَةَ الجامِعةَ لصِفاتِ الرَّبّ

فإنّنا نَقولُ إنْ كُنتُم تَعتقدونَ أنَّ الرَّبَّ واحدٌ وليسَ مُركَّباً وإنّ الأبَ والإبنَ وروحَ القُدسِ هيَ صِفاتُهُ الّتي لا تَنفَكُّ عنهُ ؟ فهذا يَلزَمُ مِنهُ ما لا تَلتزمونَ به:

1- هذا الكَلامُ يُكذِّبهُ نفسُ قولِ إنجيل يوحنّا الّذي ذَكرتَهُ في سُؤالكَ (5 :77فَإِنَّ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ فِي السَّمَاءِ هُمْ ثَلاَثَةٌ: الآبُ، وَالْكَلِمَةُ، وَالرُّوحُ الْقُدُسُ. وَهؤُلاَءِ الثَّلاَثَةُ هُمْ وَاحِدٌ .) فقد نَصَّ الإنجيلُ هُنا أنّها ليستْ صِفاتٍ وإنّما هيَ ذواتٌ تَشهد، أمّا قَولُ إنجيلِ يُوحنّا بأنّ (هؤلاءِ الثَّلاثةِ هم واحد) فهذا ما سَنُجيبُكَ عليهِ فلا تَستعجلْ.

2- إنَّ قَولَكُم أنَّ الأبَ والإبنَ وروحَ القُدُسِ صفاتٌ للرَّبِّ الواحدِ فهذا يَعني أنّ عيسى ليسَ ذاتاً مُتشخّصةً في الخارجِ وإنّما هوَ صِفةٌ مِنْ صِفاتِ الرَّبِّ الواحدِ فكيفَ تَقولونَ كانَ يَتكلَّمُ ويُعطي التّعاليمَ وعلى يَديهِ جَرَتْ مُعجِزاتٌ وأنّهُ صُلِبَ والحالُ هوَ صِفةٌ وليسَ عَيناً خارجيّةً.                                                                                                                                                             

وإنْ كُنتُم تَعتقدونَ أنّ الأبَ والإبنَ وروحَ القُدُسِ ليسَ صفاتٍ للرَّبِّ الواحدِ وإنّما هذهِ الثّلاثةُ ذواتٌ خارجيّةٌ مُتشخّصَةٌ إتّحدَتْ وحَصلَ مِنْ إتّحادِها حقيقةُ الرَّبِّ الواحدِ ! فهذا هوَ التّركيبُ بِعينهِ لأنَّ الرَّبَ الواحدَ إنْ كانَ رَبّاً واحداً قبلَ الإتّحادِ فلا مَعنى للإتّحادِ حتّى تَتحقّقَ هذهِ الحَقيقةُ فإنّها مُتحقِّقَةٌ وإنْ كانَ رَبّاً واحداً بعدَ الإتّحادِ فهذا هوَ التّركيبُ لا غير فإنّ نَفسَ مفهومَ الإتّحادِ يَقتضي التَّركيبَ.  

هذا فَضلاً عن أنّ الإبنَ وروحَ القُدُسِ هيَ مَخلوقاتٌ خَلقَها الرَّبُّ فكيفَ يَتّحدُ بها فليزمُ مِنْ ذلكَ إتّحادُ الخالقِ والمَخلوق.

المِحوَرُ الثّاني - إنّ فِكرةَ الأقانيمِ الثّلاثةِ ( الأب- الإبن- روحُ القُدُس ) هيَ فِكرةٌ مُستحدَثةٌ فكلمةُ (أقنوم) لم تُذْكَر في عَهدَي الكِتابِ المقدَّسِ (القَديم أو الجَديد)، ما يَعني أنّها أُضيفَتْ لاحقًا بهيئَةِ تَفسيراتٍ رافَقتْ ظُهورَ هذهِ العَقيدةِ، فقد جاءَ في دائرةِ المَعارفِ الأوروبيّةِ باللُّغةِ الفَرنسيّةِ عن عَقيدةِ التّثليث: (أنّها ليستْ موجودةً في كُتبِ العَهدِ الجَديد ولا في أعمالِ الآباءِ الرَّسوليّين ولا عندَ تَلاميذِهم الأقربينَ إلاّ أنّ الكَنيسةَ الكاثوليكيّةَ والمذهبَ البروتستانتيّ التّقليديّ يَدَّعيانِ أنَّ عقيدةَ التّثليثَ كانتْ مَقبولةً عندَ المَسيحييّن في كُلِّ زَمان). وجاءَ في دائرةِ المعارفِ لبطرس البستاني وهو نَصراني: (لفظةُ ثالوث لا توجدْ في الكِتابِ المُقدَّس).

والشّاهدُ على أنّها فِكرةٌ مُستحدَثةٌ ما وردَ في (دائرةِ المعارفِ الكتابيّة ج2ص439) و(قاموس الكتابِ المقدّس ص انه 232) أنّه كانَ أوّلُ إستخدامٍ لعبارة “الثّالوث” في مُنتصفِ القَرنِ الثّاني تَقريباً كما وردَ في دائرةِ المعارفِ الكتابيّة ج2ص439، وقاموس الكتاب المقدس ص232.

وبَقِيَ الحالُ مُتردِّدًا بينَ القَبولِ والرّفضِ عندَ النّاسِ واللاّهوتييّنَ إلى أنْ أُقِرَّ في إجتماعٍ كنسيّ عالميّ تحتَ عينِ سُلطَةِ الإمبراطوريّة البيزنطيّة في مَجمَع نيقيّة المُنعقِدِ عام 325م والّذي قُرِّر فيه نَصُّ قانونِ الإيمانِ المسيحيّ وهو: “نؤمنُ بإلهٍ واحدٍ، اللُه الأبُ، ضابطُ الكُلّ، خالقُ السّماءِ والأرضِ، ما يُرى وما لا يُرى، نؤمنُ برَبٍّ واحدٍ يسوعِ المسيح، المولودِ مِنَ الأب قبلَ كُلّ الدّهورِ نورٌ مِنْ نور، إلهٌ حقٌّ من إلهٍ حقٍّ، مولودٍ غير مخلوق، مساوٍ للأب فى الجَوهر، الّذي كلُّ شيءٍ بهِ كان، هذا الّذي من أَجلنا نحنُ البَشرُ، ومِنْ أجلِ خَلاصِنا، نَزلَ مِنَ السّماءِ وتَجسّدَ مِنَ الرُّوحِ القُدسِ ومِنْ مريمَ العذراء تأنَّس، وصُلِب على عهدِ بيلاطس البنطي، تألَّمَ وَقُبِر وقامَ مِنْ بَينِ الأمواتِ في اليَومِ الثّالثِ كما في الكتبِ، وصَعدَ إلى السّمواتِ وجَلسَ عن يَمينِ أبيهِ، الذي ليسَ لمُلكهِ إنقِضاء.

وقد ذكرَ الكاتبُ عرابي عبد الحيّ أنّه وعلى الرُّغمِ منْ هذا القرارِ فقد ظلَّتِ الكنيسةُ تُعاني مِنْ أقوالِ آريوس وإنتشارِ أتباعهِ؛ ممَّا أدَّى إلى عقدِ مَجمَعِ القسطنطينيّة الأوّل عام 381م، والذي انتهى بإصدارِ قرارِ تَأليهِ الرُّوحِ القُدُسِ وجَعلهِ أقنوماً ثالثاً ضِمنَ منظومةِ أقانيم الثّالوث وكانَ نَصُّ القَرارِ فيه مُماثِلاً للقَرارِ آنفِ الذّكرِ مع إضافةِ الآتي: “وبالرّوحِ القُدسِ الرَّبِّ المُحيّي المُنبثقِ مِنَ الأبّ الذي هوَ مع الأبِ والإبنِ مَسجودٌ لهُ ومُمَجَّد، النّاطقِ بالأنبياء”

فمِنَ البَديهيّ أنْ نَفهمَ مِنْ كُلِّ هذا أنَّ الإيمانَ التّثليثيّ إحتاجَ قرابةَ أربعةِ قرونٍ ليكونَ عقيدةً رَسميَّةً يُؤمنُ بِها عُمومُ النّصارى.

أمّا ما يَحتجّونَ بهِ مِنَ الإنجيلِ قول المسيح (عليه السّلام): "عَمّدوا النّاسَ بإسمِ الأب والإبنِ والرّوح القُدُس". متّى إصحاح (28/ 19). فيُرَدُّ عليهِ:

1- لا يوجدْ شاهدٌ على أنّ المسيحَ قالَ هذا الكَلام فهوَ ليسَ موجوداً في جَميعِ الأناجيلِ وإنّما موجود فقط في إنجيلِ متّى حيثُ أنّ متّى كتبَ إنجيلهُ بالآراميّة وهوَ مفقودٌ والموجودُ باليونانيّة بإعترافِ النّصارى. فما هوَ دَليلُكم على أنّ هذا الكَلامَ مَذكورٌ في إنجيلِ متّى المفقودِ والحالُ أنّهُ مفقودٌ بإعتقادِكم. 

2- لو سَلَّمنا أنّهُ حقّاً هذا النّصُّ مذكورٌ في إنجيلِ متّى المفقود فمعَ ذلكَ لا يَتمُّ كلامكُم أنّ هذهِ الثّلاثةِ هيَ الٰهٌ واحدٌ لأنُّه لمْ يُشِرْ النّصُّ المَذكورُ في إنجيلِ متّى الى أنّ هذهِ الثّلاثةُ هيَ الهٌ واحدٌ وإنّما يَدعو النَصُّ للتّبرّكِ والتّيمُّنِ بهذهِ الثّلاثةِ.

النّتيجةُ - عقيدةُ التّثليث" بِدعةٌ عظيمةٌ أَحدثَها النّصارى ولا يوجدْ لها عَينٌ ولا أثرٌ في أيّ دينٍ سَماويّ فلمْ نسمعْ بها مِنْ أنبياءَ كنوح وإبراهيمَ ولوطٍ واسحاقَ ويعقوبَ (عليهمُ السّلام)، بل ولا أنبياءُ بني إسرائيلَ الّتي وصلتْ إليهم أخبارُهم كيعقوبَ ويوسفَ وموسى وهارونَ وداودَ وسليمانَ (عليهمُ السّلام). فلا يوجدْ في أسفارِ العَهدِ القَديمِ الّذي يؤمنُ بهِ النّصارى والّذي ساقَ أخبارَ هؤلاءِ الأنبياءِ ودَعوتُهم أنّ هؤلاءِ الأنبياءِ دَعَوا إلى عبادةِ إلهٍ مُثلّثِ الأقانيمِ أو تَلفَّظوا بِلفظِ التّثليثِ وما شابهَ ذلك، بلِ الّذي تواترَ عنهُم أنّهم دَعَوا إلى عبادةِ إلهٍ واحدٍ لا شريكَ لهُ وهذا أيضاً مَوجودٌ في أسفارِ العهدِ القَديمِ عندَ اليَهودِ والنَّصارى.

ودُمتُم سالمين.