الرَّدُّ على مَن يُنكِرُ الفِطرَةَ والبَديهِيَّاتِ واسْتِحَالةُ إثبَاتِ وُجُودِ اللهِ. 

أحمَد المُوالِي/: السَّلامُ علَيكم.. ما هو الرَّدُّ على مَن يُنكِرُ وُجُودَ الأشيَاءِ والفِطرَةِ والأنا واسْتِحَالَةُ المَعرِفَةِ لِلهِ سُبحانَه وتعَالى؟

: اللجنة العلمية

     الأخُ أحمدُ المحتَرمُ.. السَّلامُ علَيكم ورَحمةُ اللهِ وبرَكاتُه. 

     لو أنكَرَ الإنسَانُ كلَّ شَيءٍ فهُو لا يُمكِنُ إنكَارَ وُجُودِه وما يَحُسُّ به هو، فهَذا مُخالِفٌ للوُجدَانِ، والإنسَانُ لا يُمكِنُ له أنْ يُخالِفَ وُجدَانَه فيدَّعِيَ أنَّه لا يَشعُرُ بالجُوعِ أبداً ولا يَتنَاوَلُ الطَّعامَ، أو لا يَشعُرُ بالعَطشِ أبداً ولا يَتنَاوَلُ المَاءَ، فهَذا الإحسَاسُ الوُجدَانيُّ بأنَاه وما يَنتَابُه مِن حسِّيَاتٍ وَاقِعيَّةٍ كالجُوعِ والعَطشِ والألَمِ والرَّغبَةِ ونَحوِها ممَّا لا يُمكِنُ له إنكَارُه حتى لو كَابَرَ في ذلِك أشدَّ المُكابَرَةِ، وتُوجَدُ هاهُنا كَلِماتٌ لَطِيفةٌ للعُلمَاءِ في الرَّدِّ على أمثَالِ هؤلاءِ المُنكرِينَ نَنقُلُ بَعضَهَا:

     يَقُولُ الشَّيخُ الرَّئِيسُ ابنُ سِينَا في الرَّدِّ على أهلِ السَّفسَطَةِ الَّذينَ يُنكِرُونَ كلَّ شَيءٍ: 

     «يَسألُونَ: هل أنَّكُم تَعلَمُونَ أنَّ إنكَارَكم حقٌّ أو بَاطِلٌ، أو تَشكُّونَ؟ فإنْ حَكمُوا بعِلمِهِم بشَيءٍ مِن هذِهِ الأمُورِ فقَد اعْترَفُوا بحَقيَّةِ اعْتِقَادٍ ما، سَواءٌ أكانَ ذلِك الإعتِقَادُ اعْتِقَادَ الحَقيَّةِ في قَولِهِم بإنكَارِ القَولِ الحَقِّ، أم اعْتِقَادَ البُطلَانِ، أو الشَّكَ فيه. فسَقطَ إنكَارُهُم الحَق مُطلَقاً وإنْ قَالُوا: إنَّا شَككْنَا، فيُقَالُ لهم: هل تَعلَمُونَ أنَّكم شَككْتُم أو أنَّكم أنكَرتُم، وهل تَعلَمُونَ منَ الأقَاوِيلِ شَيئاً مُعيَّناً؟ فإنْ اعْتَرفُوا بأنَّهم شَاكُّونَ أو مُنكِرُونَ، وأنَّهم يَعلَمُونَ شَيئاً مُعيَّناً منَ الأشيَاءِ، فقَد اعْترَفُوا بعِلمٍ ما وحَقٍّ ما. وإنْ قَالُوا: إنَّا لا نَفهَمُ شَيئاً أبداً، ونُنكِرُ الأشيَاءَ جَمِيعاً حتّى إنكَارِنَا لها أيْضاً، ولعلَّ هذا ما يَتلَفَّظُ به لسَانُهُم مُعانِدِينَ; فسَقطَ الإحتِجَاجُ مَعَهم، ولا يُرجَى مِنْهم الإستِرشَادُ، فلَيس عِلاجُهُم إلاّ أنْ يُكلَّفُوا بدُخُولِ النَّارِ، إذ النَّارُ واللَّا نَارَ وَاحِدٌ; ويُضرَبُوا، فإنَّ الألمَ واللَّا ألمَ وَاحِدٌ». انتَهى [إلهيَّاتُ الشِّفاءِ: 11].

     وجاءَ عن الفَخرِ الرَّازِي قَولُه: «اتَّفقَ أهلُ التَّحقِيقِ على أنَّ المُنازِعَ للأوَائلِ (البَديهِيَّات) في التَّصدِيقَاتِ لا يَستحِقُّ المُكالَمةَ والمُناظَرةَ، إذ لا يُمكِنُ إقامَةُ البُرهَانِ على حَقِيقَةِ هذِهِ القَضيَّةِ، والَّذي يُنازِعُ فيْها إمَّا يُنازِعُ لأنَّه لم يَحصَلْ له تَصوُّرُ أجزَاءِ هذِهِ القَضيَّةِ، وإمَّا لكَوْنِه مُعَانِداً، وإمَّا لأجلِ أنَّه تَعادَلتْ عِندَه الأقيِسَةُ المُنتِجةُ للنَّتائِجِ المُتنَاقِضةِ المُتقَابِلةِ ولم يَقدِرْ على تَرجِيحِ بَعضِهَا على بَعضٍ.

     فإنْ كانَ المُنازِعُ منَ القِسمِ الأوَّلِ، فعِلاجُهُ تَفهِيمُ مَاهيَّاتِ تلِك القَضيَّةِ.

     وإنْ كانَ منَ القِسمِ الثَّاني، فعِلاجُهُ الضَّربُ والحَرقُ، وأنْ يُقَالَ له: الضَّربُ واللَّا ضَربَ، والحَرقُ واللَّا حَرقَ وَاحِدٌ.

     وإنْ كانَ منَ القِسمِ الثَالِثِ، فعِلاجُهُ حلُّ شُكُوكِه». انتَهى [المَباحِثُ المَشرِقيَّةُ، الرَّازِي: 1 : 349 ـ 350].

     أمَّا دَعوَى اسْتِحَالةِ إثبَاتِ وُجُودِ اللهِ تعَالى فهَذا مِن أتْفهِ ما نَسمَعُهُ وَاقِعاً، لأنَّ الطُّرُقَ إلى اللهِ - كمَا قِيلَ - هي بعَددِ أنفَاسِ الخَلائِقِ وليس أدلُّ على سُهُولَةِ طَرِيقِ المَعرِفَةِ هذا ممَّا تَكلَّمَ به ذلِك الأعرَابِيُّ ببَيَانٍ سَلِسٍ ودَلِيلٍ ظَاهِرٍ يُدرِكُه كلُّ عَاقلٍ حينَ قَالَ: 

     (البَعْرةُ تَدلُّ على البَعِيرِ، وأثَرُ الأقدَامِ يَدلُّ على المَسِيرِ، فسَمَاءٌ ذاتُ أبرَاجٍ، وأرْضٌ ذاتُ فِجَاجٍ، أمَا يَدُلَّانِ على اللَّطِيفِ الخَبِيرِ).

     ودُمتُم سَالِمينَ.