هل يوجد إله ؟

راجح/ايران/: كثر الكلام في الآونة الاخيرة ودار حول سؤال ” هل يوجد إله ؟ “، وبصراحة أنا لم أعد اؤمن بوجود إله يخلق البشر، يجعلهم يتقاتلون فيما بينهم، يسلط فرقة على اخرى و يستخدم القتل و السبي وطرق بدائية اخرى.

: اللجنة العلمية

 نقول: حتى لو سلّمنا أنّ الدّين يدعو إلى القتل والسّبي وغير ذلك، فهذا لا يؤدّي إلى الإلحاد وهو إنكارُ وجود إلهٍ وخالقٍ للكون، وإنّما يكشف عن بطلان هذا الدّين، هذا أولاً.

ثانياً -نتساءل: هل الدّين منشأُ الصّراعات البشريّة وفاتحُ بابِ الحروبِ والاختلافات أم أنّ هناك عوامل للحروب وهيَ خارجةٌ عن إطار الدين؟

وجوابه:

نحنُ نعتقدُ أنّ الدّين ليسَ منشأ الصراعات، ولا الحروب؛ وذلك لعدّة أمور وأُسس: 

الأساس الأول: ما هو الأصلُ في الدين؟ هل هو التميّيز بينَ النّاس بحسب أديانهم ومعتقداتهم، أم الأصلُ هو المساواةُ بينَ بني البشريّة من حيث الكرامة والحقوق؟

وجوابهُ : إنّ الأصل في الدّين هو المساواة من حيث الكرامة والحقوق؛ وذلك لأنّ الأصل الذي قرّره القرآن الكريم هو الكرامة لكلّ إنسان، ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ ولم يقل: المسلمين، ولم يقل: المؤمنين، ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾.

فالأصلُ هو الكرامة لكلّ إنسان، والكرامةُ تشملُ الكرامةَ التكوينيّة، وهيَ أنّ كلّ إنسان أعطيَ عقلًا وإرادةً، وتشملُ الكرامةَ التشريعيّة، لكلّ إنسان حقّ الحياة، لكلّ إنسان حرمةٌ في دمهِ وعرضهِ وماله، هذا هو معنى التكريم، فهذه الآية يستفاُد منها الكرامة التكوينية والكرامة التشريعية، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾، الهدفُ هو أن يتعارفَ أبناءُ البشر بعضهم على بعض، وليس الهدفُ هو الإقتتال، فهذه الآية تدلّنا على أنّ الأصلَ في الدّين هو المساواةُ بين أبناء البشريّة في الكرامة والحرمة، لأنّ الغرضَ والهدفَ من وجود البشريّة هو التعارفُ والتّلاقي وتلاقح الأفكار والطاقات، وليس الهدفُ هو الإقتتال أو الحروب.

وهذا ما قرّرهُ الإمام أمير المؤمنين علي - عليه السلام -  في عهده لمالك الأشتر، عندما قال له: ”وأَشعِرْ قلبك الرحمةَ للرّعية واللُطف بهم، ولا تكوننّ عليهم سَبُعاً ضارياً تغتنمُ أكلهم؛ فإنّ النّاس صِنفان: إمّا أخٌ لك في الدّين، أو نظيرٌ لك في الخلق“، إذن الأصل هو المساواة.

 الأساسُ الثاني: هل القتالُ في الدّين أصلٌ نبني عليه؟ الجواب: كلّا؛ لأنّ الدّين لم يُشرّع القتالَ إلّا بهدف الدّفاع .عندنا قتالٌ دفاعي، وليس عندنا قتال ابتدائي .ليس القتالُ أصلًا في الدّين، وليس قاعدةً أساسيّةً ننطلقُ منها، فهو لم يشرّع في الدفاع، ولم يشرّع في الهجوم والغزو وإحتلال الأراضي وسبيّ النساء وقتلِ الرّجال وذبحِ الأطفال.

القتلُ في الدّين ليس أساساً؛ فالقرآنُ الكريم يقول: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾، القتالُ إذا قوتلتَ، وقال تعالى: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ﴾ أوّلًا هم قوتلوا، ثم هم يدافعون عن أنفسهم، ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾، المهاجِم يقاتَل، أما المسالم فيبقى على الأصل ألا وهو الكرامة البشرية.

الإنسانُ المسالم له حقّ الكرامة وحقّ الحرمة، الإنسانُ المهاجم المعتدي هو الذي يقاتَل سواء كان كافرًا أم مسلمًا، حتى المسلم يقاتَل، نحن لا نقاتل الكافر لأنه كافر، بل نقاتلُ الكافر إذا كان معتديًا؛ لذلك نقاتل المسلمَ أيضًا إذا كان معتديًا، المهم، هو الاعتداءُ، المعتدي يُقاتَل مسلمًا كان أم كافرًا، المسالم يُحترَم مسلمًا كان أم كافرًا، ليست المسألة مسألةَ كفر وإسلام، بل مسألةَ المسلم والمعتدي.

لذلك القرآن الكريم يقول: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ﴾، الفئة الباغية تقاتل وإن كانت مسلمة، حتى ترجع إلى صوابها.

ولذلك يقول: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾، لا يوجدُ مانعٌ من أن تنشئ علاقة مع إنسان غير مسلم حتى لو كان لا يعتقدُ بأيّ دين، ﴿إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾، لا تتولَّ الإنسان المعتدي، لا تتولَّ الإنسان الهجومي، تولَّ الإنسان المسالم.

إذن، لغة القرآن: هي لغة الإنسانية، لغة الكرامة الإنسانية، لغة المساواة بين أبناء البشر.

وإن قلتَ: فكيف تجيبون عن مثل ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ﴾، ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ﴾ أليست هذه الآيات تحثّ على القتال إبتداءاً، فلماذا تتمسّكون ببعض الآيات وتتركون مثل هذه الآيات؟

 الجواب: هذه الآيات لا تدعو إلى القتال إبتداءاً؛ لأنّ هذه الآيات شرعت عندما كان المسلمون في موقع الدّفاع عن أنفسهم، وعندما كانوا يصدّون الهجوم الوارد عليهم من الجهات الأخرى.

فإذن، الأصل في الدّين ليس هو القتال، القتال مسألةٌ إستثنائية، وليست هي الأصل.

 الأساس الثالث: هل الدّين يدعو إلى التفرقة والقتال بين أبناء المجتمع أم يدعو إلى عقد السلم الاجتماعي؟

 الجواب: القرآن يدعو إلى السلم: ﴿وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ﴾، يقول القرآن الكريم: ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ﴾، شخصٌ مشركٌ لا يؤمن بدين، إستجارك، قال أنا بذمّتك، أجرهُ وأعطهِ الذمّة، وأعطه الأمان، عقدُ السّلم الاجتماعي عقدٌ محترَمٌ في الإسلام، إذا عندنا مجتمعٌ متنوّع الأديان، متنوّع المذاهب، هذا المجتمع يحتاجُ إلى عقد اجتماعي، وهو عقدُ السّلم والأمان بين فئاتهِ وأديانه ومذاهبه، ومتى وجدَ هذا العقد الاجتماعيّ - وهو عقدُ الّسلم والأمان - فهو عقدٌ مُحترَمٌ لا يجوزُ لأحدٍ نقضَه، ولا يجوزُ لأحدٍ التمرّد والخروج عليه.

خلاصة الجواب:

أوّلاً: لا علاقةَ بين المقدّمة والنتيجة؛ إذ لا علاقة بين دعوى عدمِ الإيمان بدين (لأنه يدعو إلى القتل والسلب) وبين الإلحاد؛ وذلك لأنّ الإلحادَ هو إنكارُ وجود خالقٍ للكون، ووجودُ الخالق أصلاً لا علاقة له بوجود الدين أو عدم وجوده!!  

ثانياً: الدّين لا يدعو إلى القتال؛ لأنّ الأصلَ في الدّين هو المساواةُ في الكرامة والإنسانيّة، ولأنّ الدّين يحترمُ السّلم والأمانَ الاجتماعيّ ويبني عليه.