نقد نظريات نشوء الاديان (3)

: اللجنة العلمية

النظرية الثالثة: الدين عبارة عن منظومة معتقدات، وممارسات اجتماعية منسوبة لشيء مقدّس لا وجود حقيقي له.

لقد مرّ بنا نظرية عالم الاجتماع، والفيلسوف الفرنسي (ايميل دوركايم), بأنّ الدين عبارة عن منظومة معتقدات، وممارسات اجتماعية منسوبة لشيء مقدّس, وهذا الاّخير لا وجود حقيقي له، بل وجوده يرمز إلى تلك الحقائق، والممارسات الاجتماعية السائدة في ذلك المجتمع, ولولا تلك المعتقدات والممارسات الاجتماعية السائدة لأصبح الدين فاقداً لمعناه.

نقد النظرية: إنّ هذه النظرية تفسّر الدين على أنّه خرافة لا  واقع له، وأنّه ناتج عن عادات، وممارسات اجتماعية أخذت طابع القداسة من الممارسة العملية. لنا عليها جملة من الاشكالات.

الاشكال الأول: إنّ المتتبع للأديان السماوية يجد أنّها مخالفة لجلّ العادات، والتقاليد الاجتماعية السائدة في زمانها، بل نجد أنّ الثقافة والمفاهيم، والحقائق العلمية، والاجتماعية الّتي جاءت بها تلك الاديان مغايرة في الأعم الأغلب لثقافات مجتمعاتها, فلو كان ما يقوله (دوركايم) حقاً لوجدنا الاديان موافقه للعادات والتقاليد السائدة في ذلك الزمان.

الاشكال الثاني: إنّ عادات المجتمعات تتغيّر على مر الزمان، وقد تتحول العادة في مجتمع إلى ضدها في نفس ذلك المجتمع, وهذا يعني عدم ثبات العادات الاجتماعية في حين أنّنا نرى ثباتاً للأديان وبقاء لا يبدل إلاّ بدين جديد, فلو كان ما يقوله (دوركايم) حقاً لوجدنا ديناً مُتغيّراً بتغيّر العادات والتقاليد, لكنّنا لم نجد ذلك.

الاشكال الثالث: إنّ الدين وخصوصاً المرتبط بالرسالات العامة، هو دين عام لكلّ المجتمعات على وجه الأرض, فلو كان نابعاً عن عادات، وتقاليد اجتماعية, فمن أيّ تقاليد سينبع, ومن أيّ مجتمع تؤخذ هذه العادات, فقد تكون هذه العادة مقدسة عند مجتمع منجسة وممقوتة عند آخر, وهذا يعني تناقض العادات والتقاليد الاجتماعية, فكيف يمكن للدين أن ينبع عن عادات متناقضة؟

 الاشكال الرابع: نجد أنّ العادات والتقاليد الاجتماعية كثيرة جداً فقد يكون للمجتمع الواحد أكثر من عادة في مسالة واحدة, الأمر الذي يعني لا بديّة أن يكون لذلك المجتمع أكثر من دين واحد, في حين أنّنا نرى أنّ هناك مجتمعات ليس لها اديان تخصّها أي (ليس لها نبي), بل هي تتبع في دينها دين المجتمعات الأخرى الّتي قد لا تلتقي معها في أكثر عاداتها وتقاليدها الاجتماعية.