حروب المسلمين لم تكن جهادية.

هنالك شبهة يثيرها البعض حول غزوات المسلمين بأنّها لم تكن في سبيل اعلاء كلمة لا إله إلاّ الله والقضاء على الشرك، وإدخال الناس في الدين الإسلامي، بل كانت أشبه ما تكون بالكسب اليومي الذي اعتاده المسلمون لتامين قوتهم اليومي عن طريق الغزو.

: اللجنة العلمية

إنّنا تارة نتحدث عن حالة فردية خاصة، واخرى عن حالة كليّة عامة، ففي الحالة الفردية لا حديث لنا فيها؛ لأنّنا نُسلّم أنّ هنالك الكثير من ضعاف النفوس في عامة الناس، بل حتّى الذين كانوا مع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) حيث كانوا يخرجون معه في غزوات للحصول على الغنائم، ولعمري هذا واضح والتاريخ حافل بالكثير من الشواهد على ذلك.

وأمّا إذا تحدثنا عن الحالة العامة, فجوابنا مختلف تماماً, فالخط العام والسائد عند المسلمين وخصوصاً المخلصين منهم لم يكن خروجهم وجهادهم إلاّ بداعي امتثال أمر الله تعالى - وهذا ما هو ظاهر حال المسلمين عند خروجهم  في الغزوات، أما نيّة كل واحد منهم لماذا هو خرج للجهاد، فهذا لا يعلمه إلا الله – والذي يذكر في بعض الآيات القرآنية كره المسلمين للجهاد بسبب العناء والتعب الذي يصيبهم في الجهاد، بل بعضهم يتثاقل منه حتّى سمّاه القرآن بطريق ذات الشوكة.

قال تعالى:( وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ)(1).

قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا)(2)، وهذا الذي ذكر في الآيتين لم يكن خروج المسلمين للجهاد لأجل الغنيمة والحصول على الغنائم، بل لأنه فيه عناء وتعب.

وأما الآيات الّتي يذكر فيها الاطار العام من الجهاد الذي هو في سبيل الله وليس لأجل الحصول على الغنيمة.

قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ...)(3) 

وأيضاً قال تعالى:( ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ جَاهَدُواْ وَصَبَرُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ )(4)

أضف إلى ذلك، أنّ الاسلام في بداياته كان ضعيفاً، وكانت الصولة والجولة للعدو، فهذا التاريخ يحدثنا عن معركة الخندق حينما خرج (عمرو بن عبد ودّ)، وهو مقنع بالحديد، فنادى: من يبارز؟

فقام عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) فقال: أنا له يا نبي الله. فقال: إنّه عمرو، اجلس.

ثم نادى عمرو: ألا رجل يبرز؟ فجعل يؤنبهم ويقول: اين جنَّتكم الّتي تزعمون أنَّه من قتل منكم دخلها أفلا تبرزون إليَّ رجلا؟

فقام علي(عليه السلام) فقال: أنا يا رسول الله؟ فقال: اجلس. ثم نادى الثالثة، فقال:

ولقد بُحِحتُ من النداء *** بجمعكم هلْ من مُبارز

ووقفتُ إذ جَبُنَ المشيَّعُ *** موقفَ القِرنِ المناجز

ولذاك إني لم أزلْ *** متسرِّعاً قَبْلَ الهَزائز

إنَّ الشجاعةَ في الفتى *** والجود من خَيرِ الغرائز

فقام عليّ(عليه السلام) قائلا : يا رسول الله أنا. فقال: إنّه عمرو، فقال وإن كان عمراً. فأذِن له رسول الله (صلى الله عليه وآله) فمشى إليه، حتّى أتى وهو يقول:

لا تَعْجَلنَّ فقد أتاك *** مجيبُ صوتِك غيرُ عاجِز

في نيَّة وبصيرة *** والصدقُ مَنجَى كل فائز

إني لأرجو أن أقيمَ *** عليكَ نائحةَ الجنائز

من ضربة نجلاءَ *** يبقى ذكرها عندَ الهزائز(5).

 هذه واحدة من شواهد التاريخ التي ذكرها والذي يريد أن يطلع أكثر عليه أن يراجع غزوات الرسول من غزوة أحد وحنين وخيبر وغيرها من الشواهد التاريخية على جهاد المسلمين مع الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) كان جهاداً في سبيل الله واعلاء كلمته وتوحيده، وأما الحصول على الغنائم هذا امر طبيعي نجده في جميع حروب العالم, وما ذكره القرآن والتاريخ لا يعدّ مؤيداً لكلام مثير الشبهة، بل ذكره كقضية طبيعية تحصل في كل الحروب.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) سورة الأنفال، آية7.

(2) سورة التوبة، آية38.

(3)سورة التوبة، آية111.

(4) سورة النحل، آية110.

(5) الصحيح من سيرة النبي الاعظم للشيخ العلامة جعفر مرتضى العاملي ج 1 / ص 64