الإيمانُ قضيّةٌ فطريّة

المُلحِدُ: مِنَ الواضحِ جداً: إنّ العلمَ لم يتوصلْ لكل شيء، والغريب أنّ المؤمن عندما يسأل الملحد (من خلق الكون؟) فيجيبهُ الملحد: العلم لم يتوصل حتى الآن لحل هذه المسألة, فسرعانَ ما يجيبه ُالمؤمن: إذن، إن الله هو خالق ُالكون .. والأكثرُ غرابةً أنّ حجة َالمسلمين - في الجدال - في إثبات وجود الله: هيَ أنّ الناس منذ فجر التاريخ يؤمنون بوجود إله بغض النظر عن عقائدهم. وهكذا تراهم يستدلونَ بأناس عاشت عصور مظلمة؟

: اللجنة العلمية

الجواب:

السؤالُ فيهِ مغالَطةٌ مِن قِبَلِ المُلحِد؛ وذلكَ لِأنّ المسلمينَ عِندَهُم أدِلّةٌ وحُجَجٌ كثيرةٌ على إثباتِ وجودِ إلهٍ - واجبِ الوجودِ -. فحُجّتُهم بينَ يديهِ وبينَ يَدَي كُلّ طالبٍ وراغبٍ للحقيقةِ، يَجِدُها في كتابِ الله، وأحاديثِ النّبي، وأهلِ بيتهِ صلواتُ اللهِ عليهم. وإنْ لم يقتنعْ بذلكَ، فهذهِ أقوالُ الفلاسفةِ والعلماء، وآثارُ أهلِ الفنِّ والأدّبِ بينِ يَديكَ، مِن أبناءِ هذا العصر وكُلّ عصر، وفيهم مَْن يملكُ أرقى ما بلغتهُ الإنسانيةُ من معارفَ في كُلِّ مَيدان، حتّى في العلوم ِالطبيعيّة، وأدِّلَتُهم في غايةِ البساطةِ والوضوح... 

فإنّ هذا الافتراضَ - افتراضُ حُجّةِ المسلمين في الجِدال في إثباتِ وجودِ الله: هوَ أنّ النّاس منذُ فجرِ التاريخ يؤمنونَ بوجود إلهٍ معَ غضِّ النّظرِ عن عقائدهم، وهكذا تراهُم يستدِلّونَ بأُناسٍ عاشَتْ في عصورٍ مُظلمةٍ- هوَ دليلٌ نفسيٌّ ومُنَبِّهٌ وِجدانيٌ بأنّ قضيةَ الإيمان بوجودِ إلهٍ قضيةٌ فطريّةٌ وجدانيّةٌ؛ وما الاستشهادُ باتّفاقِ النّاسِ إلاّ مُؤشّرٌ على أنّ الإيمانَ غريزةٌ فطريّةٌ وحاجةٌ ضروريّةٌ يَعيشُها الإنسان... وهيَ ضروريّةٌ كحاجتهِ مثلاً إلى الطّعام ، فكما أنّ الإنسانَ يحتاجُ إلى الطّعام، فهوَ يحتاجُ إلى الإيمان بوجودِ إلهٍ يلجأُ إليه؛ ليسُدَّ النّقصَ والضَعفَ الذاتيَّ ويستَمِدَ القوّةَ منَ الاله، فهذا أمرٌ لا شكَّ ولا ريبَ فيه.

لكنّهم اختلفوا في المصداق، فتراهُم يعبدونَ الشّمسَ والقمرَ والأصنامَ وغيرَها... وهذا حالُ الإنسانِ إلى يومِنا هذا... والملحدُ كذلك يفعل، يعني يَشعرُ بحاجتهِ الذاتيّةِ للإيمان، إلاّ أنّهُ يؤمنُ بالعَلمَنةِ والعلمانية ديناً يدينُ به. وهذا خيرُ دليلٍ وشاهدٍ على أنّ قضيّةَ الإيمان مسألةٌ فطريّةٌ وِجدانيّةٌ ضروريّة.  إذَن أينَ هي الغرابةُ في ذلك؟!!

وفي الحقيقةِ أنّ فكرةَ الإلحادِ ليسَتْ بالمشكلةِ الّتي ترتقي إلى مستوى النقاشِ الحادِّ والإسهابِ في الجدالِ بين العلماءِ والمنصفينَ؛ لأنّها لا تقومُ على أساسٍ من الواقع. ولا الشواهدُ على وجودِ الله عزيزةُ المنالِ وفوقَ العقولِ والأفهام، كيفَ وفي كلّ شيء لهُ آية...تدلُّ على أنّهُ واحد!!!! كما قالَ الشاعر، وإنّما الإلحادُ عقدةٌ نفسيّةٌ لدى بعضِ المتفلسفينَ والمتحذلقين...  

وذلكَ لعدمِ وجودِ منهجيّةٍ واضحةٍ لدى الملحدِ أدّتْ بهِ إلى عدمِ الحاجةِ إلى الإيمانِ بوجودِ الاله، بل إنكارُ وجودِهِ، وبالتالي الإيمانُ بالعلمنةِ، مع أنّهُ يقولُ(وهذا أكثرُ غرابةً): العلمُ لم يتوصلْ لكلِّ شيءٍ. فكيفَ نفيتَ ما لم تتوصلْ إليهِ ووصفْتَهُ بالغرابة؟!! ففي الحقيقةِ مشكلةُ الملحدِ والإلحادِ مشكلةٌ منهجيّة.