ان نبي الله نوح يدعوا على قومه بالضلال.

تقرير الشبهة: تنحل الشبهة الى أمرين: الأمر الاول: كيف يمكن لنبي أن يدعو على قومه وعلى ذراريهم بالضلالة، وهو مرسل لهدايتهم لا ضلالتهم؟ الأمر الثاني: كيف يمكن لله تعالى أن يستجيب لهكذا دعاء لا ينسجم مع العدل الإلهي؟

: اللجنة العلمية

إنّنا إذا أجبنا عن الأمر الأول، و(أنّ النبي يجوز له أن يدعو على قومه)، بل قد يجب عليه، _كما في موردنا على ما سأبيّن ذلك_، عندها سيكون الجواب عن االأمر الثاني أوضح، باعتبار إن جاز للنبي أن يدعو عليهم، جاز على الله تبارك وتعالى أن يستجيب له من باب الوعد بنصره للمؤمنين وتأييده لرسله وانبيائه(عليهم السلام). 

وقبل الجواب، لابد من التعرض الى الآية بالكامل قال تعالى :  (وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلاَّ ضَلالاً (24) مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَنصَارًا (25) وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلاَّ فَاجِرًا كَفَّارًا (27) رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلاَّ تَبَارًا (28) ) 

أولاً: إنّ الدعاء عليهم انّما جاء بعد اليأس من هدايتهم، فقد صبر على ضلالة قومه قرابة ألف سنة قال تعالى (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (14)) 

ثانياً: إنّ اليأس من هدايتهم، والدعاء عليهم، وعلى ذريتهم، لم يكن وليد الانفعالات النفسية، بل إنّه قد أوحي إليه أنّهم لن يهتدوا قال تعالى (وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ (36))  .

ثالثاً: إنّ قومه الذين دعا عليهم قد أصابهم اليأس من الاهتداء قال تعالى: (قَالُواْ يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (32) قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُم بِهِ اللَّهُ إِن شَاء وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ (33) وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (34)) .

رابعاً: ماذا كان على نوح أن يفعل؟ حينما دعاهم ألف سنة إلا خمسين عاماً من الجهد والمثابرة والتبليغ، ومع كل هذا لم يؤمنوا له(عليه السلام)، إلا من قد آمن من قبل، فماذا كان عليه أن يفعل، بعد أن كان وجودهم مانعاً من هداية الآخرين من الأجيال التي تأتي، باعتبار تسلّطهم وثرائهم وعنادهم؟ فهو بين أمرين لا ثالث لهما:

 إمّا ألاّ يدعو عليهم، حتى يستمر هؤلاء الظلمة بالوجود والتسلّط، ويستمر اضلالهم للأجيال القادمة المستضعفة، والواقعة تحت تأثير أفكار هؤلاء، وهو ضروري البطلان.

وإمّا أن يدعو عليهم بالهلاك، حتى تتحرر الأجيال القادمة، وتتخلص من سلطنة الظالمين على أفكار المستضعفين، وهو ضروري الوقوع، وقد فعلَ (عليه السلام) ذلك.