كُلُّ مَوْجُودٍ مُفْتَقِرٌ إِلَى الْآخَرِ فَهَلْ وُجُودُ اللهِ يَفْتَقِرُ إِلَى الْآخَرِ؟

بما أنّ الموجودات كلها تفتقر في وجودها الى علة موجدة، وأنتم تقولون: إنّ الله موجود، إذن هو يفتقر الى علة في وجوده. وبقول آخر: أنتم تسلّمون بقانون العلية، فهو إمّا أن يسري على الكل، فيلزم منه معلولية الخالق، وإمّا الاّ يسري على الكل، فيلزم منه بطلان قانون العلية.

: اللجنة العلمية

الجواب: 

إنّ الله تعالى موجد فهو لا يحتاج الى عله، وقانون العلية صحيح وسليم مائة بالمائة، وأنّ كل موجود يحتاج الى علة في وجوده.

ولكي نوفق بين القولين ونرفع ما ظاهرة التناقض

 أقول: لنا أن نسأل عن سرّ احتياج الموجودات إلى عله موجدة.

ونقول: هل أنّ كل الموجودات تحتاج الى علة، أم أنّ هنالك صفة في الموجودات هي التي تجعل الموجودات بحاجة الى عله؟ 

الجواب: إنّ هناك صفة اسمها (الإمكان)، هي التي تجعل الموجود بحاجة الى عله في وجوده، بمعنى أنّ كل موجود يتمتع بصفة الإمكان لا يمكن أن يوجد بلا علة موجده له، أمّا الموجود الذي لا يتمتع بصفة الامكان الوجودي، فهو غني عن العلة وليس بحاجة اليها.

وهذا ساري في كل الموجودات الممكنة، وهي ما سوى الله تعالى، لعدم اتصافه بصفة الإمكان الوجودي.

وأوضح ذلك بمثال: خذ زيد من الناس مثلا، الذي لم يتكون ولم يخلق بعد، فهو ممكن أن يخلق بعد حين وممكن ألاّ يخلق، أي يمكن أن يكون موجود بعد حين، ويمكن أن يكون معدوم.

إذن هو من جهة الوجود والعدم في حياد، أي يقبل الوجود ويقبل العدم، فالوجود بالنسبة إليه ممكن وكذا العدم، هذه الصفة نسميها صفة (الإمكان)، وهي سر احتياج الموجودات الى علة موجدة، وهنا في مثالنا ما لم تتحقق العلة الموجدة لزيد لا يمكن أن يوجد وعلى هذا فقس كل ما سوى الله تعالى.

أمّا بالنسبة لله تبارك وتعالى، فصفة الإمكان منتفية، عنه، إذ هو واجب الوجود وليس ممكن.

وعلى هذا فقانون العلّية، إنّما يكون في ممكن الوجود، أمّا الواجب فلا يسري عليه قانون العلّية، لأنّه سيد العلل وموجد الوجود. 

وإلا، فلو قلنا بأن الله تعالى يحتاج الى علّة في وجوده، أي أننا لو أسرينا قانون العلّية على واجب الوجود، للزم إمّا التسلسل، وإمّا الدور، وكلاهما باطل بالضرورة، وما يلزم منه البطلان باطل بالضرورة.

وبيان ذلك: إن قلنا أنّ لله سبحانه خالق، وهذا الخالق هو العلّة التي أوجدت الله تعالى ولنسمه الخالق رقم واحد، عندها ننقل السؤال الى الخالق رقم واحد، هل هو الذي أوجد نفسه، أم أنّ هنالك خالق رقم اثنين هو الذي أوجده؟ إن قلتم هو الذي أوجد نفسه لزم الدور.

وإن قلتم هنالك خالق رقم ثلاثة هو الذي أوجد الخالق رقم اثنين، عندها ننقل الكلام الى الخالق رقم ثلاثة، ونقول: هو من أوجد نفسه، أم هنالك خالق أوجده؟، إن كان الاول لزم الدور، وإن كان الثاني لزم التسلسل، لانّ سلسة الاسئلة سوف لا تنقطع.