لماذا خلق الله الشرور كالزلازل والأمراض وما شابه؟

: اللجنة العلمية

إنطلاقاً من وجوب تنزيه فعله تعالى عن العبث وهو محال عليه، فكل ما يصدر منه خير محض. 

فلو نظرنا إلى هذه الحوادث والظواهر الكونيّة والزلازل والأمراض وما شاكلها، لعلمنا بأنّها خير برمتها، وتندرج كلها تحت النظام الأصلح الأكمل؛ لأنّ أفعاله تعالى معلّلة بالأغراض وهي المنافع، فلا يخلق ما هو ضرر محض؛ لأنّه يتنافى مع حكمته، فكلّ ما يصدر عنه تعالى خير محض.

أولاً: الخير والشر من الأمور الاعتباريّة النسبية. 

 إنّ الحاكم على الشيء بالخير أو الشّر هو الإنسان؛ لأنّه بطبيعته يلحظ كلّ ما فيه المصلحة أو المنفعة التي ترجع إليه يسميهِ خيراً، وما فيه مضرة يسميهِ شراً. 

يُعلم من ذلك أنّ الخير والشّر من الأمور الاعتباريّة، ضرورة أنّ العقلاء يختلفون في كلّ من الخير والشر، فبعض ما يعدّه زيد خيراً يراه عمرو شراً وهكذا.

وحتّى بالنسبة إلى الشخص نفسه (كزيد) مثلاً الذي أتعبه المرض يدعو على نفسه؛ لأنّه يرى الموت بالنسبة إليه خيراً، بينما بالنسبة لأهله وزوجته يعدّون الموت شراً (ومصيبة).

فالخير والشّر يختلف بالنسبة إلى الشخص نفسه باختلاف الحيثيات واللحاظ، فغِنى المال خير لصاحبه باعتبار نفعه ونفع اهله ومن يلوذ به، وشّر باعتبار آخر؛ لأنّه يجلب عليه الطامعين والسرّاق، وكذا القاضي إن حَكمَ بقضية لصالح زيد فإنّها خير بلحاظ زيد، وأمّا بلحاظ الآخر شّر 

فالشّر معنى نسبي اعتباري؛ لأنّه يُعّرف بضد الخير. 

ويتضح من ذلك:

إنّ الحاكم على الأشياء بأنّها خير أو شّر هو الإنسان بنظره الضيق، فما فيه المصلحة والمنفعة ظاهراً يعتبره خيراً، وما فيه المضّرة ظاهراً وعدم المنفعة يعتبره شّراً.

الوجود خير محض:

إنّ كل ما في الوجود هو خير، حتّى لو لم يعد على الإنسان بالخير، فكل شيء يرتبط بالإنسان يختلف خيره وشّره بلحاظ ماله من مصلحة أو مفسدة إلاّ الوجود فهو خير محض. 

فالعقرب وغيرها من الحيوانات السامّة بلحاظ سميّته كمال وخير له، وبلحاظ الإنسان شّر.  

يتحصل مما ذكرنا:

إنّ الخير والشر أمران اعتباريان نسبيان، يلحظ نفعهما وضررهما بالقياس إلى الإنسان، أمّا بالقياس إلى نفسيهما لا يكون إلاّ خيراً.

فكل ما يصيب الإنسان من المرض والموت والآلام والعواصف والسيول والحرائق والزلازل والبلايا والكوارث وغيرها تكون شراً بلحاظ أضرارها بالنسبة للإنسان، وبلحاظ آخر تعود إليه بمنافع وتعود على النظام الكوني الأكمل والأصلح وإن جهل منافعها قال تعالى (فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) وقال تعالى (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ)(1).

 فالحرائق التي تصيب بعض الغابات، لعلّه أصيبت بالأمراض، فهي تعود بفائدة. منها قتل الأمراض والحشرات وما شابه، والمطر بعد ذلك يحيها من جديد (وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ)(2)، وكذلك المطر، فإنّه لو نزل بغزارة، فهو شّر بالقياس إلى غرق المدن والشوارع لكنّه بالقياس إلى إحيائه الأرض بعد موتها خير 

وثمة كثير مما نعدّه شّراً ثم بعد فترة نتأكد أنّ هناك حكمة ومصلحة تعود على الإنسان، وهي نظرة نسبية فبعض الذي يعدّ شّراً بالنسبة لي هو خير بالنسبة لآخر، فمثلاً الشّر الذي في سم العقرب هو شّر بالنسبة لي لكنّه خير بالنسبة إليه؛ لأنّه كمال له ومقتضى كماله. 

فالزلازل تحدث بصورة طبيعية تعود بمنافع على النظام الأكمل الأصلح، ولولا ما نحسبه كوارث طبيعية من الزلازل والطوفان والحرائق والعواصف والسيول، وغيرها ما حييت الأرض ولا تغيّرت لمناسبة العيش فيها. 

والمشكلة في نظرة الإنسان الضيقة للحوادث؛ لأنّه بطبيعته يجهل أين يكمن الخير، وأين يكمن الشّر، فنظرته ضيّقة وغالباً ما ينظر إلى الأشياء بلحاظ نفسه.

قال الحكيم السبزواري: 

ما ليس موزونا لبعض من نغم         ففي نظام الكل كل منتظم(3) 

ثانياً: جهة تربوية

إنّ الحوادث والبلايا سبب لعودة الناس والعباد الى الحق تعالى، قال تعالى: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) فالآية الكريمة تشير إلى أنّ الخير والشّر مخلوقان له تعالى، فالشّر موجود كالخير؛ لأنّه بمقتضى وجوده لا يخلو من مصالح، ولو مصلحة الرجوع إلى الباري قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيّ إِلّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضّرّاءِ لَعَلّهُمْ يَضّرّعُونَ)(4). 

قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (إنّ الله يبتلي عباده عند الأعمال السيئة بنقص الثمرات وحبس البركات وإغلاق خزائن الخيرات، ليتوب تائب، ويُقلعَ مُقلِعٌ، ويتذكر متذكر، ويزدجر مزدجر)(5)

أسباب الابتلاء: 

الأول: الامتحان قال سبحانه: (وَنَبْلُوكُم بِالشّرّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً)(6) 

قال سبحانه وتعالى: (وَلَنَبْلُوَنّكُمْ بِشَيْ‏ءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالّثمَرَاتِ وَبَشّرِ الصّابِرِينَ)(7). 

الثاني: إزاحة الغفلة والغرور والطغيان والتكبر والتجبّر أمام عظمة الباري تعالى؛ لأنّ الإنسان بطبعه ينسى ويطغى إذا استغنى(كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى)(8)، وقال تعالى: وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا)(9).

قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): (إذا غضب الله على أمّة، لم ينزل العذاب عليها، غلت أسعارها، وقصرت أعمارها، ولم تربح تجارتها، ولم تنزل ثمارها، ولم تغزر أنهارها، وحبس عنها أمطارها، وسلّط عليها أشرارها)(10).

الثالث: البلايا هي بمقتضاها سبب لرفعة الإنسان إلى درجات الكمال؛ لأنّه بمقتضى نفسه قاصر عن الارتقاء إلاّ بالابتلاء والامتحان وهو من سنن الحياة.

وهو ما تشير إليه الآية الكريمة (خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا)(11).

والإنسان لو لم يمتحن بالمرض والموت والآلام لما أرتقى درجات الكمال، وهو ما اشارت إليه النصوص الشريفة قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (أشد الناس بلاءً في الدنيا النبيّون ثم الأماثل فالأماثل، ويبتلى المؤمن على قدر إيمانه وحسن عمله، فمن صح إيمانه وحسن عمله اشتد بلاؤه، ومَنْ سخف إيمانه وضعف عمله قل بلاؤه)(12).

وقال الإمام الكاظم (عليه السلام): (المؤمن مثل كفتي الميزان، كلّما زيد في إيمانه زيد في بلائه)(13)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) البقرة، 216. 

(2) النحل، 65.

(3) الإلهيات، الشيخ السبحاني، ص275.

(4) الأعراف، 94.

(5) نهج البلاغة، ج2، ص25.

(6) الأنبياء، 35.

(7) البقرة، 155.

(8) العلق، 6-7.

(9) القصص، 158.

(10) الكافي، الكليني، ج5، ص317.

(11) الملك، 2.

(12) الكافي، الكليني، ج2، ص252.

(13) بحار الأنوار، ج64، ص243.