هَلِ المُتديِّنُ إنسانٌ مُتغطرِس؟

يَقولُ المُلحدُونَ: إنَّ لَدى المُتديِّنينَ غَطرسَةٌ دِينيَّةٌ، حَيثُ إنَّ المُتديِّنينَ وبدونِ أيِّ دليلٍ يَعرفونَ أنَّ الإيمانَ الَّذي وُلِدُوا عليهِ هُوَ الإيمانُ الوحيدُ الحقُّ، وكُلُّ شيءٍ آخرٍ هوَ انحِرافاتٌ، أو بِكلِّ بساطةٍ هوَ زَيف.

: اللجنة العلمية

البَعضُ يَسعَى للتخلُّصِ منَ الدُّونيَّةِ والإحساسِ بالنَّقصِ الَّذي يُعانِي مِنهُ مِنْ خِلالِ إتّهامِ الآخرينَ بِما فِيهِ، فصاحِبُ العَاهَةِ النَّفسيَّةِ يُحبُّ أنْ يَرى عَاهتَهُ عندَ الآخرينَ، فالكذَّابُ مَثلاً تَجدُهُ يَسعَى لإشاعةِ الكذبِ فِي المُجتمعِ فَيتَّهمُ خُصومَهُ بالكذِبِ حَتَّى لو كانُوا صَادقينَ، ويَبدُو أنَّ مُحاولةَ تشويهِ المُتديِّنينَ وإلصاقِ مَا لَيسَ فِيهِمْ منَ الصِّفاتِ السَّيئةِ يَرجِعُ بِشكلٍ كبيرٍ إلى هذهِ الحَالةِ المَرضيَّةِ، وللتَّدليلِ عَلى ذلكَ يكفينَا الاستِشهَادُ بِمَا قالَهُ هَذا المُلحدُ فِي حقِّ المُتديننينَ بقولهِ: (إنَّ لدى المُتدينينَ غطرسةٌ دينية) وبمَا أنَّ هذا الكلامَ مُجرَّدُ إتهامٍ لا يَستندُ على أيِّ دليلٍ علميٍّ جَازَ لنَا حينَهَا أنْ نَبحثَ عنِ الدَّوافِعِ النَّفسيَّةِ لمثلِ هَذا الكلامِ طالمَا إنتفَى الدَّافِعُ العلميُّ، ومَعَ أنَّ الإلحَادَ يَقودُ حَربَاً عَلى الإيمانِ وبوسائلَ غيرَ شريفةٍ إلَّا أنَّنَا لا نَستجيبُ لمثلِ هذهِ الأساليبِ ونَكتفِي دائمَاً بتبيينِ المُغالطاتِ والأخطاءِ العِلميَّةِ، فلَو سَلّمنَا بوجودِ غطرسةٍ عندَ بعضِ المُتدينينَ لا يُمكنِ تَعميمُهَا على الجَميعِ، ويَبدُو أنَّ الإلحادَ العربيَّ قائمٌ على خِطابٍ شَعبويٍّ لا يَكترثُ كثيرَاً للضَّوابطِ المَنهجيَّةِ، فمَنْ يُصدِرُ حُكمَاً عَامَّاً لمجرَّدِ مُلاحظةٍ جُزئيَّةٍ لَا يُعدُّ صَاحِبَ تَوجُّهٍ علميٍّ أو مشروعٍ فكريٍّ.

 والإنسانُ المؤمنُ والمتديِّنُ حَقاً هوَ الَّذي يَتعامَلُ معَ الآخرينَ بروحٍ شفافةٍ ونفسيَّةٍ مُتواضعةٍ، بلْ حَتَّى مَعْ فِرعونَ الَّذي تَكبَّرَ وتجبَّرَ نجدُ أنَّ اللهَ أمرَ النَّبيَّ مُوسى (عليهِ السَّلام) أنْ يقولَ لهُ قَولاً ليِّنَاً حِرصَاً عَلى هِدايتِهِ، قَالَ تَعاالى: (فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ) (44 طه). أمَّا الإنسانُ الكافرُ الَّذي لا يُؤمنُ باللهِ ولا يَقتدِي برسُلِهِ وَلا يَعترفُ بكتبِهِ هُوَ المُتغطرِسُ حقَّاً، فإعتِرافُ الإنسانِ بنقصِهِ وحاجتِهِ هُوَ الَّذي يَقودُهُ إلى الإيمانِ باللهِ، والَّذِي لا يَعترفُ بحقيقةِ النَّقصِ الظَّاهِرِ فِي كلِّ كيانِهِ لا يُمكنُ أنْ يَعترفَ بمَنْ هُوَ أفضلُ مِنهُ، ومِنْ هُنَا كانَ التَّغطرُسُ مِنَ الصِّفاتِ المُلازمَةِ للكفرِ، فكلَّمَا إزدادَ الإنسانُ كُفراً كُلَّمَا إزدادَ إعتدادَاً بالنَّفسِ وتَحقيرَاً للآخرينَ، وكُلَّمَا إزدادَ الإنسانُ إيمانَاً باللهِ كُلَّمَا إزدادَ تواضُعَاً وإحتِرَامَاً للآخرينَ.

أمَّا إتّهامُهُ الآخرُ للمتديِّنينَ بأنَّهُمْ يُؤمنونَ باللهِ بِحُكمِ الوراثَةِ ولا يَمتلِكُونَ دَليلَاً على إيمَانِهِمْ، فَهُوَ إتّهامٌ شَبيهٌ بالإتّهامِ السَّابقِ تُحرِّكُهُ نَفسيَّةٌ عدائيِّةٌ لا تَهمُّهَا الحقيقةُ ولا يَعنيهَا التَّحقيقُ فِي الإدِّعَاءِ، فحَتَّى لو تَمكَّنَ مِنْ جَمعِ بعضِ الشَّواهدِ لا يَصحُّ لهُ التَّعميمُ والحُكمُ عَلى الجَميعِ، فالبَحثُ عنْ حُججِ الأديانِ لا يَكونُ مِنْ خِلالِ البَحثِ بَينَ البُسطاءِ وإنَّمَا بالبَحثِ عَنهَا عندَ أهلِ الاِختصَاصِ، وَكَمَا يُقالُ العِلمُ يُطلبُ فِي مَظانِّهِ، وَقَدْ سَطَّرَ عُلماءُ الإسلامِ آلافَ الكُتبِ والمَوسوعاتِ ذَاتِ الطَّابَعِ العَقائديِّ وَالفَلسفيِّ وَقَدْ رَصدُوا فِيهَا كُلَّ الأدلَّةِ المُقنِعَةِ بضرورَةِ الإيمانِ باللهِ وأحقيَّةِ الإسلامِ، كمَا قَدَّمَ الإيمانُ نماذجَ وقِمَمَاً عاليةً مِنَ العلمِ والإيمانِ وعظيمِ الأخلاقِ، وَلَمْ يَمرَّ علَى تاريخِ الإنسانِ أفضلُ منَ الأنبياءِ والأوصياءِ والأئمَّةِ والصَّالحينَ ثُمَّ يأتِي مثلُ هَذا المُتنطِّعِ ليُصادِرَ كُلَّ ذلكَ بِقولِهِ إنَّ المُتديِّنَ مُتغطرس!.

وفِي الخِتامِ نُؤكِّدُ لهُ مَا أرادَ أنْ يَجعلهُ تُهمةً فِي حقِّ المُؤمنينَ ونَقولُ وبِبِكلِّ وُضوحٍ إنَّ الإيمانَ باللهِ والسَّيرَ عَلى خَطِّ الأنبياءِ هُوَ الحقُّ ومَا دُونَهُ زَيفٌ فِي زَيف.