الفرق بين منطق العادة والمنطق العلمي.

عندي سؤال مهم وملح عن الفرق بين منطق "العادة" الشائع في الحياة اليومية والمتعلق بفهم المسببات الأولى للأشياء، وبين المنطق العلمي المجرد في هذا الخصوص، فهل يستوي الاثنان بحسب منطق البعض حين يتحدثون عن المسبب الإلهي الشخصاني الأول للوجود؟

: اللجنة العلمية

حاول صاحب السؤال تمرير مغالطة واضحة، وذلك من خلال ترتيب نتيجة من مقدمة لا تتناسب معها، وعندما يتعمد صاحب السؤال استخدام طريقة التعمية والقفز على العقول نفهم عدم جديته في البحث عن الإجابة، فقد خلط صاحب السؤال بين منطق العادة والمنطق العلمي، وقدم تعريفات خاطئة للمنطقين، ثم أراد أن يصرف ذهن المجيب عن التفكير في هذه الأخطاء من خلال حصر اهتمامه في الإجابة بحسب السياق الذي رسمه مسبقاً.

عرّف صاحب السؤال منطق العادة بقوله (منطق "العادة" الشائع في الحياة اليومية والمتعلق بفهم المسببات الأولى للأشياء)، ما المقصود من الشائع في الحياة؟ فكثيرة هي الأشياء الشائعة في الحياة ولها علاقة بالتفكير، مثل البرهان، الجدل، المغالطات، الظنون والأوهام وغير ذلك، فالاكتفاء بأنها شائعة ليس كافياً لمعرفة ما يقصده. ثم ماذا يقصد من قوله: (فهم المسببات الأولى للأشياء؟) فنحن لا نجد أي نوع من الربط بين منطق العادة وبين فهم المسببات الأولى للأشياء؛ لأن البحث عن السبب الأول ليس من اهتمامات منطق العادة بل بالعكس تماماً، حيث نجد أن منطق العادة يبحث عن المسببات القريبة حتى لو لم تكن منطقية. أما كلامه عن المنطق العلمي فقد كان أكثر غموضاً حيث لم نفهم ما يقصده من المنطق العلمي، ثم يطرح سؤالاً متهافتاً في نفسه، حيث إنك لا تفهم هل هو يسأل عن الفرق بين المنطقين؟ أو هو يرتب أثراً على الفرق بينهما في موضوع الإيمان بالله؟ ويبدو أنه يقصد الثاني. ولكنّ سؤاله يفتقد لأهم أركان السؤال الاستنكاري بل حتى السؤال الاستفهامي، فإذا كان يقصد من منطق العادة أنه عبارة عن تريب نتيجة على مقدمات غير ضرورية، فهذا لا علاقة له بفهم المسببات الأولى للأشياء حتى يصلح أن يكون أساساً للسؤال الاستنكاري.

ولو تجاوزنا هذه الفنيات، وحاولنا الإجابة عليه فلا بد أولاً من التمييز بين منطق العادة والمنطق العلمي.

 أولاً: منطق العادة هو الربط بين ظاهرتين ليس بينهما أي رابط ضروري، إلا أنهما قد تترافقان في الظهور سوياً بحكم العادة، فمثلاً هناك ربط بين حضور الأستاذ إلى الفصل وبين وقوف التلاميذ، وقد ثبت ذلك بحكم العادة مع أنه لا وجود لأي رابط ضروري بين الظاهرتين، أي ليس وقوف التلاميذ للأستاذ حتمياً ، فقد يحضر الأستاذ ولا يقف التلاميذ، ولن يغيّر ذلك معادلة كونية.

ثانياً: المنطق العلمي هو الذي يقوم على وجود رابط منطقي بين الظواهر، مثل الرابط بين تمدد الحديد والحرارة، فإذا تعرض الحديد للحرارة فلا بد أن يرافق ذلك ظاهرة ثانية وهي تمدد الحديد، وقد قامت العلوم والتجارب على هذا المنطق.

والنوعان من المنطق ـ كما هو واضح ـ ليس لهما علاقة بسؤاله وما يبحث عنه، ولكنه غفل شيءٍ، وهو أن المنطق بكلا قسميه يرتكز على مسلَّمة عقلية تمثل أساس الفكر الإنساني، وهي أن الشيء لا يأتي من العدم، وأن كل فعل لا بد أن يكون له فاعل، فالحديد لا يتمدد بدون علة، والتلاميذ لا يقومون للأستاذ بدون سبب، فكلا المنطقين يرجعان إلى هذا المستند العقلي، ومن دونه لا يستقيم منطق، سواء كان بحكم العادة أو كان بحكم الضرورة، وهذه المسلَّمة هي التي تحرض الإنسان على التفكير من أجل فهم الظواهر أو تفسير أسبابها، وعليه يصبح السؤال الأول الذي يطرأ على العقل الإنساني، قبل أن يطرأ عليه أي سؤال آخر هو: من أين أتى الإنسان؟ ومن الذي أوجد هذا الوجود؟. وعليه يصبح المنطق الطبيعي وضرورات التفكير المنطقي هي التي تبحث عن خالق لهذا الكون؛ لأن كل ما بالعرض لا بد أن يعود إلى ما بالذات كما يحكم بذلك جميع العقلاء. 

فقوله هل يستوي الاثنان؟ .. قول غير مؤسَّس على تفكير محكم؛ لأن منطق العادة والمنطق العلمي يستويان عند نقطة واحدة وهي أن الوجود لم يأتِ من العدم، وأن المصنوع لا بد له من صانع؟