خَاتِمِيَّةُ النُّبُوَّةِ.

رَائِدٌ / اليَمَنُ: مَا هِيَ الأَشْيَاءُ الَّتِي مَيَّزَتْ (مُحَمَّدًا) بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ تَكْرَارُهَا لِكَيْ يَكُونَ خَاتَمًا لِلرُّسُلِ لِلإنْسِ وَالْجِنِّ؟

: اللجنة العلمية

     تَحِيَّةً طَيِّبَةً.

     يَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ أَنَّ اخْتِيَارَ الأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ (عَلَيْهِمْ السَّلَامُ) لَيْسَ أَمْرًا مَنُوطًا بِالإِنْسَانِ وَعِلْمِهِ بِصِفَاتِ الرُّسُلِ، فَالخَالِقُ تَعَالَى شَأْنُهُ هُوَ مَنْ يَخْتَارُ رُسُلَهُ، سَوَاءٌ عَلِمْنَا سَبَبَ ذَلِكَ الإخْتِيَارِ أَمْ جَهِلْنَاهُ.

     فَلِذَا قَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا}.

     أَمَّا المُمَيِّزَاتُ فَنَذْكُرُ مِنْهَا اثْنَيْنِ: الأُولَى تَتَعَلَّقُ بِالإِسْلَامِ، وَالأُخْرَى بِنَبِيِّ الإِسْلَامِ.

     الأُولَى: أَنَّ شَرِيعَتَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَكْمَلُ الشَّرَائِعِ، فَإِنَّ الشَّرِيعَةَ الإِسْلَامِيَّةَ تَشْتَمِلُ أَحْكَامُهَا عَلَى قَوَانِينَ عَامَّةٍ يُمْكِنُ مِنْ خِلَالِهَا تَغْطِيَةُ جَمِيعِ الأَحْدَاثِ وَالوَقَائِعِ الَّتِي تَعْرِضُ الإِنْسَانَ، فَلَا تَخْتَصُّ أَحْكَامُهُ بِفِئَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَلَا بِزَمَانٍ خَاصٍّ.

     قَالَ الإِمَامُ الصَّادِقُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ): (عَلَيْنَا إِلْقَاءُ الأُصُولِ).

     وَهَذَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ مِنْ خِلَالِ الإِطِّلَاعِ عَلَى القَوَاعِدِ العَامَّةِ فِي عِلْمِ الكَلَامِ، وَالفِقْهِ وَأُصُولِهِ، وَالتَّفْسِيرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَكَمِثَالٍ عَلَى ذَلِكَ:

     قَالَ تَبَارَكَ اسْمُهُ وَتَعَالَى شَأْنُهُ: (لِلهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا).

     فَهَذَا بَيَانٌ لِقَاعِدَةٍ عَامَّةٍ وَهِيَ أَنَّ وُجُوبَ الحَجِّ مَشْرُوطٌ بِحُصُولِ الإسْتِطَاعَةِ، فَكُلُّ إِنْسَانٍ وَفِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ اسْتَطَاعَ لِلحَجِّ وَجَبَ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا.

     قَالَ النَّبِيُّ: (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ): (رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي......) فَأَسَّسَ بِهَذَا حُكْمًا عَامًا يُمْكِنُ تَطْبِيقُهُ عَلَى مَوَارِدِهِ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ.

     وَمِثْلُهُ: أَوْفُوا بِالعُقُودِ / لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ / المُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ / أَحَلَّ اللهُ البَيْعَ / وَعَشَرَاتُ القَوَانِينِ العَامَّةِ الَّتِي تَمْنَحُ الشَّرِيعَةَ الإِسْلَامِيَّةَ قَابِلِيَّةَ التَّفَاعُلِ مَعَ جَمِيعِ الأَحْدَاثِ وَالوَقَائِعِ بِلَا اسْتِثْنَاءٍ.

     الثَّانِيَةُ: المَزَايَا النَّفْسِيَّةُ وَالخلقية الَّتِي كَانَ نَبِيُّ الإِسْلَامِ يَتَّصِفُ بِهَا، مِنْ الحُلُمِ وَالكَرَمِ وَالشَّجَاعَةِ الَّتِي لَمْ تَكُنْ بِهَذِهِ الدَّرَجَةِ العَالِيَةِ لَدَى غَيْرِهِ مِنْ النَّاسِ.

     وَالحَوَادِثُ التَّارِيخِيَّةُ تُثْبِتُ ذَلِكَ، نَنْقُلُ حَادِثَةً مِنْهَا:

     جَاءَ أعْرَابِيٌّ لِلنَّبِيِّ الأَكْرَمِ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَآلِهِ) فَجَذَبَهُ جِذْبَةً شَدِيدَةً، حَتَّى أَثَّرَتْ تِلْكَ الجِذْبَةُ فِي عَاتِقِهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) ثُمَّ قَالَ: مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللهِ الَّذِي عِنْدَكَ، فإِنَّكَ لَا تُعْطِي مِنْ مَالِكَ وَلَا مِنْ مَالِ أَبِيكَ، فَسَأَلَهُ (صَلَّى اللهَ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ): وَهَلْ هَذَا يَسْمَحُ لَكَ بِأَنْ تَفْعَلَ بِي مِثْلَ هَذَا؟ قَالَ الأعْرَابِيُّ: لَا. فَسَأَلَهُ (صَلَّى اللهَ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ): فَلِمَ فَعَلْتَ ذَلِكَ؟ قَالَ الأعْرَابِيُّ: عَلِمْتُ أنَّكَ تُجَازِي الإِسَاءَةَ بِالإِحْسَانِ. فَضَحِكَ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ.

     فَعَلَ ذَلِكَ بِالنَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) وَهُوَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ وَعَشِيرَتِهِ وَهُوَ يَمْلِكُ جَيْشًا عَظِيمًا، فَهَلْ يُوجَدُ مَنْ يَحْمِلُ هَكَذَا خُلُقٍ؟

     وَمِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّ آلَةَ الرِّئَاسَةِ سَعَةُ الصَّدْرِ.