عَدمُ تَحرِيفِ القُرآنِ لا نُثبِتُه مِن نَفسِ القُرآنِ.

إنَّ طَرِيقةَ إثباتِ المُسلِمينَ لعَدمِ تَحرِيفِ كِتَابِهم لا يُمكنُ أنْ تَكُونَ مِن عندِ القُرآنِ نَفسِه وذلك لأنَّه يُؤدِّي إلى الدَّورِ وهو بَاطلٌ، فإذا افْترَضْنا وُقوعَ زِيادَةٍ في القُرآنِ جازَ أنْ يَكُونَ قولُه (إنَّا نَحنُ نَزلَّنا الذِّكرَ وإنَّا له لحَافِظُونَ) مِن جُملةِ النُّصوصِ المُضافةِ إلى القُرآنِ، وهذا أمرٌ وَاضِحٌ تَدخلُ فيه كلُّ النُّصوصِ القُرآنِيةِ التي يَرى البَعضُ أنَّها تُفِيدُ حِفظَ القُرآنِ منَ التَّبدِيلِ.      كذلِك لا يُمكنُ ادِّعاءُ أنَّ القُرآنَ واتر إلى نَبيِّ الاسْلامِ عن طَرِيقِ الكِتَابةِ لضَياعِ المَصاحِفِ العُثمَانيةِ المَزعُومةِ وبِدَائيةِ كِتَابةِ المَصاحفِ القَدِيمةِ حيثُ لا وُجودَ لنقط ولا شِكلٍ، لذا ليس منَ الغَرِيبِ أنَّ جُمهُورَ الأصُوليِّينَ قد زَعمُوا التَّواتُرَ لكَثيرٍ منَ القِراءَاتِ القُرآنِيةِ حيثُ لا وُجودَ إلَّا كَلِماتٌ لا يُدرَى كيفَ تُـقرأُ، وهم يَعتمِدونَ بالتَّالِي في مُحاوَلاتِهم إثباتَ عَدمِ تَحرِيفِ القُرآنِ على تَواتُرِ تلك القِراءَاتِ، وبذلِك فإنَّ سُقوطَ ادِّعاءِ تَواتُرِ القِراءَاتِ القُرآنِيةِ يَعنِي سُقوطَ ادِّعاءِ صِيَانةِ القُرآنِ منَ التَّحرِيفِ، ووُجودُ القِراءَاتِ السَّبعةِ أو العَشرةِ بزِيَادَاتٍ ونَواقُصَ يُنبِئُ عن عَدمِ التَّواتُرِ، والتَّواتُرُ لا يَتحقَّقُ أصلاً لا بسَبعةٍ ولا عَشرةٍ، ولو تَنزَّلنَا وقُلنا بتَواتُرِ بَعضِه فلا شكَّ أنَّ ما رُوِيَ عن طَرِيقِ آحادٍ ليس بمُتواتُرٍ باعْترَافِ عُلماءِ المُسلِمينَ.

: اللجنة العلمية

     الأخُ المحتَرمُ.. السَّلامُ علَيكم ورَحمةُ اللهِ وبرَكاتُه.

     ومَن قَال: إنَّنا نُثبِتُ عَدمَ تَحرِيفِ القُرآنِ منَ القُرآنِ نَفسِه، بل نُثبِتُه بأدلَّةٍ مِن خَارجِه، وتلك الأدلَّةُ على أنمَاطٍ مُتعدِّدةٍ، منْها: إثبَاتُ ضَعفِ الرِّوايَاتِ التي قَالتْ بالنَّقِيصةِ فيه، ويُمكِنُكم مُراجَعةُ كِتَابِ الشَّيخِ مُحمَّد هادي مَعرِفَة (صِيانَةُ القُرآنِ منَ التَّحرِيفِ) لِتَقفُوا عليْها بالتَّفصِيلِ وَاحِدةٍ وَاحِدةٍ.

     ومنها: الإسْتدلَالُ برِوايَاتِ العَرضِ على الكِتَابِ الوَارِدةِ عن أئمَّتِنا (عليهم السلام) بِشكْلٍ مُتظَافرٍ، فهذِه الرِّوايَاتُ التي قَالتْ: "أعرِضُوا كَلَامَنا على كِتَابِ ربِّنا، فما خَالفَ كَلامَ ربِّنا هو زُخرفٌ، أو بَاطلٌ، أو لم نَقُلْه".

تُفِيدُ في مَضمُونِها تَمامِيةَ القُرآنِ الكَريمِ، وعَدمِ طُروِّ النَّقِصيةِ والزِّيادةِ عليْه مُطلقاً؛ وإلا كانَ مَوضُوعُ العَرضِ ليس تَاماً.

     وأما مَوضُوعُ القِراءَاتِ فقد أجَبْنا عنه في مُناسَبةٍ سَابِقةٍ وقُلنا بأنَّ الشَّيعةَ لا يَذهبُونَ إلى تَواتُرِ هذِه القِراءَاتِ، ويَحمِلُها المُحقِّقونَ منْهم على أنَّها اجْتهَادَاتٌ للقُرَّاءِ، وليستْ رِوَايَاتٍ مأخُوذةً عن النَّبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم). (راجِعْ ما أفادَه السَّيدُ الخُوئيُّ (قُدِّس سرُّه) في كِتَابِه "البيانُ في تَفسِيرِ القُرآنِ" في الفَصلِ الخاصِّ بهذِه القِراءَاتِ ص 165).

     أما كَونُها تُفِيدُ التَّحرِيفَ بالمَعنى المُصطَلحِ عليْه منَ الزِّيَادةِ والنُّقصَانِ فليستْ كذلِك، وإنَّما هي اخْتلَافاتٌ نَحوِيةٌ وصَرفِيةٌ لا تُغيِّرُ منَ المَعنى المُرادِ كَثيراً.

     مِثالٌ لذلِك: في قَولِه تعالى: (ويومَ نُسيِّرُ الجِبالَ وتَرى الأرضَ بَارِزةً وحَشرْناهُم فلم نُغادِرْ منْهم أحداً) الكهف 47، فالبَعضُ يَقرأُها ببِناءِ الفِعلِ "نُسَيِّرُ" للمَعلُومِ، والبَعضُ يَقرأُها "تُسَيَّرُ" المَبنِي للمَجهُولِ، والمَعنى وَاحدٌ سَواءٌ قُلنا:" نُسَيِّرُ الجِبالَ " أم " تُسَيَّرُ الجِبالُ "، وهكذا.

     ودُمتُم سَالِمينَ.