مَنْ هِيَ مَرْيَمُ أُخْتُ هَارُونَ فِي القُرْآنِ، وَمَنْ هِيَ مَرْيَمُ أَمُّ المَسِيحِ؟

أمِينْ /: إِنَّ القُرْآنَ قَدْ أَخْطَأَ خَطَأً فَاحِشاً حِينَ خَلَطَ بَيْنَ مَرْيَمَ أُخْتِ هَارُونَ وَبَيْنَ مَرْيَمَ أُمِّ المَسِيحِ، بِالرُّغْمِ مِنْ أَنَّ المُدَّةَ الزَّمَنِيَّةَ الَّتِي تَفْصِلُ بَيْنَهُمَا تَفُوقُ أَلْفاً وَخَمْسَمِائَةِ سَنَةٍ.

: اللجنة العلمية

     الأَخُ أَمِينُ. تَحِيَّةً طَيِّبَةً.

     قَالَ اللهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ مَرْيَمَ (فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً (27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً (28)). 

      يَتُمُّ الجَوَابُ عَلَى مَا ذَكَرْتَ مِنْ خِلَالِ عِدَّةِ مَحَاوِرَ:

     المِحْوَرُ الأَوَّلُ: لَوْ تَأَمَّلْتَ السِّيَاقَ القُرآنِيَّ لَوَجَدْتَ أَنَّ وَصَفَ (أُخْتَ هَارُونَ) هُوَ وَصْفٌ حَكَاهُ القُرْآنُ عَلى لِسَانِ قَوْمِ مَرْيَمَ وَلَمْ يَكُنْ تَسْمِيَةً قُرْآنِيَّةً لِمَرْيَمَ، فَالقُرْآنُ لَمْ يَكُنْ بِصَدَدِ ذِكْرِ نَسَبِ مَرْيَمَ وَأَنَّهَا أُخْتُ هَارُونَ حَتَّى تَنْقَضَّ عَلَيْنَا وَتَقُولَ: هَذَا خَلْطٌ بَيْنَ مَرْيَمَ بِنْتِ عِمْرَانَ أُخْتِ مُوسَى وَهَارُونَ وَبَيْنَ مَرْيَمَ بِنْتِ عِمْرَانَ أُمِّ عِيسَى المَسِيحِ. فَالقُرْآنُ يَنُصُّ عَلَى أَنَّ مَرْيَمَ العَذْرَاءَ أُمَّ عِيسَى (عَلَيْهِ السَّلَامُ) حِينَمَا وَلَدَتْ عِيسَى وَأتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ اسْتَقْبَلَهَا القَوْمُ وَكَانُوا مُتَعجِّبِينَ مِمَّا فِي يَدِهَا فَوَصَفُوهَا بِهَذَا الوَصْفِ (يَا أُخْتَ هَارُونَ).

     المِحْوَرُ الثَّانِي: أنَّ وَصْفَ اليَهُودِ مَرْيَمَ أُمَّ عِيسَى (عَلَيْهِ السَّلَامُ) بِ (يَا أُخْتَ هَارُونَ) قَدْ ذُكِرَتْ فِيهِ عِدَّةُ احْتِمَالَاتٍ سَنَذْكُرُهَا تِبَاعاً:

     الإحْتِمَالُ الأَوَّلُ: أنَّ اليَهُودَ لَمْ يَقُولُوا لِمَرْيَمَ يَا أُخْتَ مُوسَى أَوْ يَا أُخْتَ مُوسَى وَهَارُونَ، وَإِنَّمَا قَالُوا لَهَا: يَا أُخْتَ هَارُونَ. فَهُمْ لَمْ يُطْلِقُوا عَلَيْهَا هَذَا الوَصْفَ اعْتِبَاطاً، وَإِنَّمَا نَسَبُوهَا إِلَى هَارُونَ لأَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ هَارُونَ جَلَبَ العَارَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ لأَنَّهُ صَنَعَ لَهُمْ عِجْلاً وَعَبَدُوهُ مِنْ دُونِ اللهِ، فَكَانَ هَذَا عَاراً يُلَاحِقُهُمْ وَبِسَبَبِهِ حَصَلَ لَهُمْ التَّيْهُ والمَذَمَّةُ وَالحِرْمَانُ، وَلأَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ مَرْيَمَ حَمَلَتْ سِفَاحاً فَكَذَلِكَ جَلَبَتْ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ العَارَ، لِهَذَا وَصَفْوُهَا بِهَذَا الوَصْفِ.

     الإحْتِمَالُ الثَّانِي: أنَّهُمْ أَشَارُوا إِلَيْهَا بِهَذَا الوَصْفِ لِيَقُولُوا لَهَا: لِمَاذَا جِئْتِ بِهَذِهِ المُصِيبَةِ وَأَنْتِ أُخْتُ هَارُونَ النَّبِيِّ الصَّالِحِ. وَمُرَادُهُمْ مِنْ (أُخْتَ هَارُونَ) أَي مُنْتَسِبَةٌ لِهَارُونَ، كَمَا نَقُولُ نَحْنُ اليَوْمَ لِشَخْصٍ عَرَبِيٍّ: يَا أَخَا العَرَبِ. وَلَوْ رَاجَعْنَا إنجِيلَ لُوقَا لَوَجَدْنَاهُ يُشِيرُ إِلَى أَنَّ لِمَرْيَمَ أُمِّ عِيسَى نَسَباً مَعَ النَّبِيِّ هَارُونَ أَخِي مُوسَى (عَلَيْهِمَا السَّلَامُ) عَنْ طَرِيقِ أُمِّهَا حَيْثُ أَشَارَ إنجِيلُ لُوقَا فِي الإِصْحَاحِ الأَوَّلِ (5  كَانَ فِي أَيَّامِ هِيرُودس مَلِكِ الْيَهُودِيَّةِ كَاهِنٌ اسْمُهُ زَكَرِيَّا مِنْ فِرْقَةِ أبيا، وَامْرَأَتُهُ مِنْ بَنَاتِ هَارُونَ وَاسْمُهَا أَلِيصَابَاتُ) ومِنَ الوَاضِحِ أَنَّ ألِيصَابَات زَوْجَةَ زَكَرِيَّا هِيَ خَالَةُ مَرْيَمَ فَيَكُونُ لِمَرْيَمَ (عَلَيْهَا السَّلَامُ) نَسَبٌ مَعَ النَّبِيِّ هَارُونَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَالإِنْجِيلُ وَصَفَ ألِيصَابَات بِأَنَّهَا مِنْ بَنَاتِ هَارُونَ مَعَ أَنَّ الفَاصِلَةَ الزَّمَنِيَّةَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ هَارُونَ كَبِيرَةٌ.

     الإحْتِمَالُ الثَّالِثُ: وَهَذَا الإحْتِمَالُ تُسَاعِدُ عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنَ النُّصُوصِ فِي الكِتَابِ المُقَدَّسِ، وَيَتَّضِحُ مِنْ خِلَالِ ذِكْرِ نَسَبِ هَارُونَ وَنَسَبِ مَرْيَمَ، فَقَدْ وَرَدَ فِي مَوْسُوعَةِ "البِدَايَةِ والنِّهايَةِ" لأَبِي الفِدَاءِ إِسْمَاعِيلَ بنِ كَثِيرٍ: أَنَّ هَارُونَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) (وَهُوَ أَخُو نَبِيِّ اللهِ مُوسَى) وَهُوَ هَارُونُ بنُ عِمْرَانَ بنِ قاهث بنِ عَازَر بنِ لاوِي بنِ يَعْقُوبَ بنِ إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيمَ الخَلِيلِ.

     أمَّا مَرْيَمُ فَهِيَ بِنْتُ عِمْرَانَ بنِ بأَشم بنِ أمون بنِ ميشَا بنِ حزقيا بنِ إحريق بنِ موثم بنِ عزَازيا بنِ أمصيا بنِ يَأْوِ بنِ أحريهو بنِ يازم بنِ يهفاشاط بنِ ايشا بنِ إِيَان بنِ رحبعام بنِ سُلَيْمَانَ بنِ دَاوُودَ بنِ إيشار بنِ عُويِدَ بنِ عَابِرَ بنِ سَلمون بنِ نحشون بنِ عميناذب بنِ أَرم بنِ حصرون بنِ فَأَرص بنِ يَهُوذَا بنِ يَعْقُوب بنِ إِسْحَاق بنِ إِبْرَاهِيمَ الخَلِيلِ.

     وَبِمَا أَنَّ أَبْنَاءَ يَهُوذَا هُمْ إِخْوَةُ أَبْنَاءِ لاوِي وَاقِعاً وَبِصَرِيحِ الكِتَابِ المُقَدَّسِ حَيْثُ وَرَدَ فِي سِفْرِ أَخْبَارِ الأَيَّامِ الأَولِ 24: 31. (وَأَلْقَوْا هُمْ أَيْضاً قرعاً مُقَابِلَ إِخْوَتِهِمْ بَنِي هَارُونَ أَمَامَ دَاوُدَ الْمَلِكِ وَصَادُوقَ وَأَخِيمَالِكَ وَرُؤُوسِ آبَاءِ الْكَهَنَةِ وَاللَّاوِيِّينَ. الآبَاءُ الرُّؤُوسُ كَمَا إِخْوَتِهِمْ الأَصَاغِرِ) فَصَحَّ أَنْ يُقَالَ لِمَرْيَمَ: يَا أُخْتَ هَارُونَ.

     وَمِنْ خِلَالِ هَذِهِ الإحْتِمَالَاتِ يَتَّضِحُ جَلِيّاً سَبَبُ تَسْمِيَةِ مَرْيَمَ العَذْرَاءِ أُمِّ عِيسَى (عَلَيْهَا السَّلَامُ) بِأُخْتِ هَارُونَ، فَلَا يُوجَدُ خَلْطٌ فِي القُرْآنِ بَيْنَ مَرْيَمَ بِنْتِ عِمْرَانَ أُخْتِ مُوسَى وَهَارُونَ وَمَرْيَمَ بِنْتِ عِمْرَانَ أُمِّ عِيسَى. 

     المِحْوَرُ الثَّالِثُ: لَوْ كَانَ هُنَاكَ خَطَأٌ فَادِحٌ وَخَلْطٌ فِي القُرْآنِ بَيْنَ الإسْمَيْنِ كَيْفَ لَمْ يَتَنَبَّهْ لَهُ اليَهُودُ الَّذِينَ عَاصَرُوا القُرْآنَ وَالَّذِينَ كَانُوا أَشَدَّ المُحَارِبِينَ لِلإِسْلَامِ وَالقُرْآنِ، وَالَّذِينَ كَانُوا يَقْرَؤُونَ القُرْآنَ حَرْفاً حَرْفاً عَلَّهُمْ يَجِدُونَ فِيهِ مَا يُسَاعِدُهُمْ عَلَى تَكْذِيبِهِ. وَلَوْ كَانَ الأَمْرُ كَمَا تَقُولُ لَأَقَامُوا الدُّنْيَا وَلَمْ يُقْعِدُوهَا وَلَوَجَدُوا ضَالَّتَهُمْ فِي تَكْذِيبِ القُرْآنِ.

      وَدُمْتُمْ سَالِمِينَ.