سؤال عن التنافي الحاصل بين قول الإمام الحسين (ع): (هيهات منا الذلة) وقول الإمام الرضا (ع) (أذل عزيزنا).

  السؤال: ورد عن الإمام الرضا (عليه السلام) قوله: إنَّ يَوْمَ الْحُسَيْنِ أَقْرَحَ جُفُونَنَا، وَأَسْبَلَ دُمُوعَنَا، وَأَذَلَّ عَزِيزَنَا بِأَرْضِ كَرْبٍ وَبلاء، فمن هو العزيز الذي ذل في كربلاء؟ كما أن الوارد عن سيد الشهداء عليه السلام قوله: (هيهات منا الذلة). والمتأمل في القولين يجد – بحسب الظاهر – تنافياً بينهما. فكيف تجتمع العزة والكرامة مع الذلة والهوان؟

: اللجنة العلمية

     يمكن عرض الجواب بنحوين: -

     الأول: مجمل. 

     والثاني: مفصل.

     وذلك بغية إيقاف السائل الكريم والإخوة المطالعين الكرام على الجواب بنحو لا يكون فيه ترديد، ويحصل الغرض المرجو من هذه المطارحات الفكرية، والله تبارك وتعالى ولي السداد لما فيه خير العباد.

      الجواب اجمالاً:

      للذلة متعلقان: -

      الأول: ما كان متعلقها نفس الشخص.

      الثاني: ما كان متعلقها الطرف المقابل.

      والمراد – والله العالم – من قول الإمام الرضا (عليه السلام) بقوله: (أذل عزيزنا) هو الثاني، والمراد من قول سيد الشهداء (عليه السلام) هو الأول. 

      ومع اختلاف متعلق القولين يرتفع التنافي، شأن كل متنافيين يرتفع ما بينهما من تنافس عند اختلاف موضوعهما أو متعلق أحدهما.

     الجواب مفصلاً:

1- إن للإذلال عدة معانٍ، منها: الغلبة، قال أبو هلال العسكري في الفروق اللغوية حرف الألف ص32: (وإذلال أحدنا لغيره غلبته له على وجه يظهر ويشتهر).

     وبهذا لا يكون تنافٍ بين القولين، فإن أحدهما - وهو قول الإمام الرضا (عليه السلام) - ناظر للغلبة. والثاني - وهو قول الإمام الحسين (عليه السلام) - ناظر للإهانة.

2- يمكن أن يكون مراد الإمام الحسين (عليه السلام) بقوله هذا أن الذلة لا تصدر منا، أي لا يصدر منا فعل يسبب لصاحبه الذل والهوان.

     والمراد من الحديث المنقول عن الإمام الرضا (عليه السلام) أن القوم كانوا يقصدون إذلال سيد الشهداء (عليه السلام)، وما سبي عياله وحرق خيامه وتجريده من ثيابه إلاّ شاهد على هذا المعنى.

     وهذا وإن كان فيه ذل ظاهر، إلاّ أن العقل والعقلاء لا يرون فيه بأساً على المفعول به، لأن الفعل المستحق للإذلال لم يصدر منه (عليه السلام). 

     فيكون قول الإمام الرضا (عليه السلام) مشاكلة، كما في قوله تعالى: (يمكرون ويمكر الله) فمشاكلة لفعلهم عبر القرآن عن فعله عز إسمه بالمكر، مع أن الخالق تبارك وتعالى لا يصدر منه القبيح.

     ملخص الجواب:

     لا يوجد تنافٍ بين الحديث المنقول عن الإمام الرضا (عليه السلام) وبين الحديث المنقول عن سيد الشهداء عليه السلام.

     فمراد الإمام الرضا (عليه السلام) أن القوم تعاملوا مع سيد الشهداء عليه السلام بإذلال، غير أنه عليه السلام تعامل معهم معاملة السيد العزيز، وهذا معنى قوله (عليه السلام) هيهات منا الذلة.