حولَ العدلِ الإلهيّ وأسئلةٌ أخرى

عليّ الحسينيّ/: السّلامُ عليكُم، لديَّ عدّةُ أسئلةٍ أرجو منكُم الإجابةَ عليهَا لأنّهَا تؤدّي إلى إلحادِي: ١- لِماذا اللهُ خلقَ النّاسَ فِي الدّنيا رغمَ أنّهُ يعرفُ نتيجتَهُم (الجنّةَ أو النّار)؟ ٢- إن كانَ عالمُ الذّرِّ حقيقةً، فعلى أيّ أساسٍ اِختارَ النّاسُ مصيرَهُم علماً أنّهُم خلقُوا سواسيةً، وإذا لم يخلقُوا سواسيةً فبالتّالِي هذا يُعارضُ صفةَ العدلِ؟ ٣- الخمسُ واجبٌ وهناكَ سهمٌ للسّادةِ فيهِ، أنا وأنتَ أناسٌ لا يفرّقنَا شيءٌ، فكيفَ أنتَ تحصلُ على البعضِ منَ المالِ فقَط بسببِ النّسبِ علماً أنِّي لم اختَرْ نسبِي وأنِّي مثلكَ إنسانٌ لا يحقُّ لكَ أخذُ شيءٍ أكثرَ منِّي، أوليسَ ذلكَ يُعارضُ العدلَ بينَ النّاسِ؟ ٤- "خلقتُ الخلقَ لكي أُعرَفَ" هلِ اللهُ بحاجةٍ ليُعرَفَ أساساً؟ و "مَا خلقتكُم إلّا لتعبدونِ" هَل هوَ بحاجةٍ لعبادتنا؟ (طبعاً لا) فلماذا خلقنَا فقَط لنعبدَ ورغمَ ذلكَ لم يعطنَا الطّريقةَ الصّحيحةَ للعبادةِ فالدّياناتُ كثيرةٌ؟ ٥- اللهُ رحمنٌ رحيمُ، اذاً فكيفَ هوَ رحيمٌ وقَد خُلِقنَا في دُنيا نتعذّبُ بهَا وقَد حُرِّمَ الكثيرُ علينَا؟ أنعمَ علينَا في الدّنيَا بالنّظرِ والشّمِّ وغيرهَا، لكِن عندمَا كُنَّا عدماً لم نكُن بحاجةٍ لهَا. ٦- النّبيُّ يونسُ معصومٌ؟ فكيفَ خالفَ أمرَ ربّهِ؟ ٧- لماذا خُلِقَ بعضُ النّاسِ ولديهِم مشاكلُ صحيّةٌ وجسديّةٌ؟ كيفَ يكونُ العدلُ فِي اِختبارِ كلِّ شخصٍ فِي منحىً مُغايرٍ؟

: اللجنة العلمية

الأخُ عليٌّ المحترمُ، عليكمُ السّلامُ ورحمةُ اللهِ وبركاتهُ

ج س1: علمهُ سبحانهُ بعاقبةِ أمورِ عبادهِ لا مدخليّةَ لهُ بأفعالهِم، فهوَ سبحانهُ خلقهُم مُختارينَ وليسَ مُجبرينَ، فمَن شاءَ فليؤمِنْ ومَن شاءَ فليكفُرْ والعاقبةُ للمتّقينَ.

ج س 2: عالمُ الذّرِّ ومَا جرى فيهِ لا نملكُ الكثيرَ منَ المعلوماتِ عنهُ سِوى مَا جاءَ ذكرهُ فِي القرآنِ الكريمِ وأحاديثِ المعصومينَ (عليهِم السّلامُ)، ولكنّنَا فِي موضوعِ الخلقِ نقطعُ بأنَّ اللهَ سبحانهُ وتعالى خلقَ الخلقَ بعدالةٍ وحكمةٍ تامّتَين؛ لاِنتفاءِ الظّلمِ والتّهوّرِ في حقّهِ سبحانهُ، وهذا ثابتٌ بأدلّةٍ قطعيّةٍ ثابتةٍ تعرّضنَا لبيانهَا أكثرَ مِن مرّةٍ، فلو جهلنَا أمراً مَا فِي موضوعِ الخلقِ وكيفيّةِ الخلقِ يَبقى لهذا العلمِ القطعيّ بعدالتهِ وحكمتهِ سبحانهُ ملاذاً آمناً لنَا أن لا نتّهمهُ سبحانهُ فِي عدلهِ وحكمتهِ معَ خلقهِ.

ج س 3: الانتسابُ والنّسبُ هِيَ أمورٌ تكوينيّةٌ، وبعضُ الأمورِ التّكوينيّةِ توجبُ امتيازاتٍ لأصحابهَا بحسبِ طبيعتهَا الخاصّةِ، كمَا فِي المرأةِ المتزوّجةِ مثلاً، فالمرأةُ حينَ تكونُ زوجةً يجبُ على الزّوجِ النّفقةُ عليهَا، معَ أنّهَا لم تختَرْ لنفسهَا أن تكونَ اِمرأةً، وهكذا الحالُ فِي بقيّةِ الأمورِ التّكوينيّةِ البشريّةِ الأخرى، فموضوعُ القضايا التّكوينيّةِ هوَ موضوعٌ خاضعٌ لقانونِ الأسبابِ والمُسبّباتِ، ولا توجدُ امتيازاتٌ لإنسانٍ على آخرَ اِعتباطاً في المجالِ الشّرعيّ مِن ناحيةِ التّكوينيّاتِ، بَلِ الموضوعُ خاضعٌ لعللٍ ومصالحَ تعرّضَ لبيانهَا العلماءُ فِي موسوعاتهِم، ومنهَا موضوعُ تخصيصِ سهمٍ للسّادةِ مِنَ الخُمسِ، فقَد أثبتَ التّأريخُ ووقائعُ الأحداثِ أنَّ أكثرَ بيتٍ تعرّضَ للإبادةِ والاضطهادِ والتّشرّدِ والغربةِ هوَ البيتُ النّبويّ ومَن ينتمِي إلى هذا البيتِ بصلةٍ، فكانَ هذا القسطُ الماليُّ لهُم ليعينهُم على مكارهِ الدّهرِ ومَا يجرِي عليهِم بسببِ حسدِ الطّواغيتِ لهُم ومحاربتهِم وتشريدهِم فِي كلِّ زمانٍ ومكانٍ.

ج س 4: لو سألتكُ سؤالاً هُنا وقلتُ لكَ: لماذا يذهبُ النّاسُ إلى المدارسِ؟

لأجبتنِي: حتّى يتعلّمُوا ويَحصلوا على شهاداتٍ عاليةٍ ليعيشُوا بعدهَا عيشةً كريمةً وسعيدةً فِي حياتهِم.

فكذلكَ الحالُ فِي سِرِّ الخلقِ. لماذا خلقَ اللهُ هذا الخلقَ؟ ومَا هوَ سِرّهُ؟ وذلكَ حتّى يمرَّ النّاسُ بهذهِ المدرسةِ مدرسةِ الخَلقِ ويجتازوا الامتحاناتِ والإختبارتِ فيهَا حتّى ينتقلوا بعدهَا لمراتبَ أعلى وأعلى- مَا لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعَتْ ولا خطرَ على قلبِ بشرٍ- وهذهِ غايةٌ عظيمةٌ لا يمكنُ لأحدٍ أن يعترضَ عليهَا، كمَا لا يمكنُ لأحدٍ أن يعترضَ على دخولِ المدارسِ والجامعاتِ لنيلِ الشّهاداتِ العاليةِ والعيشِ بعدهَا بسعادةٍ وهناءٍ.

أمّا دعواكَ بأنّهُ سبحانهُ لم يعطِ الطّريقةَ الصّحيحةَ للعبادةِ فالدّياناتُ كثيرةٌ، فهذهِ مغالطةٌ واضحةٌ جدّاً، فالشّريعةُ الإسلاميّةُ صريحةٌ وواضحةٌ جدّاً بأنّهَا الدّيانةُ الخاتمةُ للشّرائعِ، وقَد منحَ اللهُ الإنسانَ السّمعَ والبصرَ والأفئدةَ حتّى يُميّزَ بينَ الغثِّ والسّمينِ ويعرفَ الصّوابَ مِنَ الخطأِ فِي أمورِ دينهِ، فيتّبعَ طريقَ الحقِّ ويتركَ طريقَ الباطلِ بعدَ تدبّرٍ ويقينٍ.

ج س 5: رحمتهُ سبحانهُ لا تتنافى وتحريمَ بعضِ الأمورِ على الإنسانِ في الدّنيا، فهيَ أشبهُ بحالةِ الطّبيبِ الذي يمنعُ عَنِ الإنسانِ بعضَ المآكلِ والمشاربِ حتّى لا تضرّهُ وتتسبّبَ فِي زيادةِ مرضهِ وتأخيرِ علاجهِ وربّمَا يكونُ فيهَا موتهُ وهلاكهُ، فاللهُ سبحانهُ خلقَ الدّنيا وفقَ قانونِ الأسبابِ والمسبّباتِ ووفقَ منظومتي الخيرِ والشّرِّ حتّى يتمَّ الابتلاءُ والاختبارُ للإنسانِ، ومِن تمامِ رحمتهِ وحكمتهِ أنّهُ منعَ عنِ الإنسانِ مَا يضرّهُ وأرشدهُ لِمَا فيهِ خيرهُ وصلاحهُ.

ج س 6: بعدَ قطعِنَا بعصمةِ الأنبياءِ بدليليّ العقلِ والنّقلِ مِمَّا أشرنَا إليهِ عدّةَ مرّاتٍ فِي أجوبةِ سابقةٍ، يبقَى حملُ مَا صدرَ مِن نبيِّ اللهِ يونسَ (عليهِ السّلامُ) وغيرهِ منَ الأنبياءِ ممّاَ ظاهرهُ مخالفةُ الشّريعةِ أو مخالفةُ اللهِ عزَّ وجلَّ بأن يُحمَلَ على تركِ الأولى أو مخالفةِ الأمرِ الإرشاديّ لا الأمرِ المولويّ.

ج س 7: إبتلاءُ اللهِ للنّاسِ فِي أجسادهِم وأرزاقهِم وأمورهِم لا ينقطعُ عَن أمرِ تكليفهِم واختبارهِم، فالمُبتلى بعمىً أو عرجٍ أو عوقٍ أو المُبتلى بفقرٍ أو قلّةِ ذاتِ اليدِ هوَ مُطالبٌ بالصّبرِ، فإذا صبرَ أعطاهُ اللهُ مَا لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعَت ولا خطرَ على قلبِ بشرٍ، وكذلكَ المُبتلى بجمالِ وجهٍ أو حُسنِ صوتٍ أو كثرةِ مالٍ أو اِتّساعِ جاهٍ ونحوِ ذلكَ فهوَ مُطالبٌ بالشّكرِ، والشّكرُ ليسَ أن يقولَ الحمدُ للهِ بلسانهِ فقَط بَل أن يؤدّي شكرَ مَا عندهُ حقَّ شكرهِ، ومِن حقِّ شكرِ صاحبِ الوجهِ الجميلِ أو صاحبةِ الوجهِ الجميلِ أن يتحرّزَا عنِ الحرامِ والوقوعِ في الرّذيلةِ، ومِن حقِّ شكرِ صاحبِ الصّوتِ الجميلِ أن لا يفتتنَ بجمالِ صوتهِ ويذهبَ ليُمارسَ الغناءَ فيأثمَ مِن هذا الفعلِ المُحرّمِ، وكذلكَ صاحبُ المالِ الكثيرِ مُطالبٌ بأن يؤدّي حقَّ شكرهِ بإخراجِ الحقوقِ منهُ وإيصالهَا إلى مستحقّيهَا، وهذهِ الحقوقُ لأصحابِ الجمالِ والمالِ والجاهِ ونحوِ ذلكَ لا يَتصوّرُ أحدٌ بأنّهَا سهلةٌ ويسيرةٌ يمكنهُم أداؤها بيسرٍ وسهولةٍ، فكَم كانَ الغِنى والمالُ والجمالُ وبالاً على أصحابهِ فأدخلهُمُ النّارَ وسوءَ القرارِ، وكَم كانَ الفقرُ والعوَقُ والعوَزُ زينةً وحصانةً لأصحابهِ أدخلهُم الجنّةَ وحسنَ المآبِ.

ودُمتُم سالِمينَ.