سؤالٌ عن مَغفرةِ الذّنوبِ والإضرارِ بالنّفسِ.

إنسانة: السّلامُ عليكم .. ١- فِي بعضِ الأحيانِ أجدُ ثواباً لبعضِ العباداتِ كأنْ يَرجعَ الإنسانُ خالياً منَ الذُّنوبِ كيومِ ولدتهُ أمُّهُ، فهل يصحُّ منَ الإنسانِ عندَ التّوبةِ تركُ الاستغفارِ وفِعلُ الحسناتِ لإذهابِ السّيّئاتِ وفعلُ هذهِ العبادةِ مرّةً واحدةً لغُفرانِ الذّنوبِ دونَ الحاجةِ لغيرهَا منَ العِباداتِ؟  ٢- هل يحرمُ على الإنسانِ الإضرارُ بنفسهِ؟ هل يجوزُ لهُ الإضرارُ بنفسهِ ولو ضَرَراً قليلاً؟ هل يجوزُ لهُ فعلُ الأمورِ التي تحتملُ أن تكونَ مُضرّةً بهِ سواءٌ ضرراً قليلاً أو كثيراً؟ أم يجبُ عليهِ التّحفّظُ عن ذلكَ؟

: اللجنة العلمية

الأختُ المحترمةُ، عليكمُ السّلامُ ورحمةُ اللهِ وبركاتهُ 

بالنّسبةِ لمغفرةِ اللهِ وثوابهِ لمن يعملُ بعضَ الأعمالِ فيخرجُ من ذنوبهِ كيومِ ولدتهُ أمُّهُ فلا نستبعدُ هذا العطاءَ وهذهِ الرّحمةَ العظيمةَ، فشهرُ رمضانَ مثلاً هوَ شهرٌ واحدٌ فقط وقد وردَ فيهِ الحديثُ الشّريفُ أنَّ مَن صامهُ طاعةً واحتساباً خرجَ من ذنوبهِ كيومِ ولدتهُ أمُّهُ، أو كما جاءَ فِي الحديثِ: (ومن سعى لمريضٍ فِي حاجةٍ قضاها أو لم يقضِها خرجَ مِن ذنوبهِ كيومِ ولدتهُ أمُّهُ) [ الوافي 5: 1077]، أو لِمَا وردَ فِي ثوابِ صلاةِ اللّيلِ عنِ الإمامِ  جعفرٍ الصّادقِ عن أبيهِ عليهِ السَّلامُ: أنّ رجلاً سألَ عليّاً بنَ أبي طالبٍ عليهِ السّلامُ عن قيامِ اللّيلِ بالقرآنِ فقالَ لهُ: أبشِرْ، من صلّى منَ اللّيلِ عُشْرَ لَيْلَةٍ للهِ مُخْلِصاً ابْتِغَاءَ ثَوَابِ اللهِ قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى لِمَلَائِكَتِهِ اكْتُبُوا لِعَبْدِي هَذَا مِنَ الْحَسَنَاتِ عَدَدَ مَا أَنْبَتَ فِي اللَّيْلِ مِنْ حَبَّةٍ وَ وَرَقَةٍ وَ شَجَرَةٍ ، وَ عَدَدَ كُلِّ قَصَبَةٍ وَ خُوصٍ وَ مَرْعًى .

وَ مَنْ صَلَّى تُسُعَ لَيْلَةٍ أَعْطَاهُ اللهُ عَشْرَ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٍ ، وَ أَعْطَاهُ اللهُ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ .

وَ مَنْ صَلَّى ثُمُنَ لَيْلَةٍ أَعْطَاهُ اللهُ أَجْرَ شَهِيدٍ صَابِرٍ صَادِقِ النِّيَّةِ ، وَ شُفِّعَ فِي أَهْلِ بَيْتِهِ .

وَ مَنْ صَلَّى سُبُعَ لَيْلَةٍ خَرَجَ مِنْ قَبْرِهِ يَوْمَ يُبْعَثُ وَ وَجْهُهُ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ حَتَّى يَمُرَّ عَلَى الصِّرَاطِ مَعَ الْآمِنِينَ .

وَ مَنْ صَلَّى سُدُسَ لَيْلَةٍ كُتِبَ فِي الْأَوَّابِينَ ، وَ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ .

وَ مَنْ صَلَّى خُمُسَ لَيْلَةٍ زَاحَمَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَ الرَّحْمَنِ فِي قُبَّتِهِ .

وَ مَنْ صَلَّى رُبُعَ لَيْلَةٍ كَانَ فِي أَوَّلِ الْفَائِزِينَ حَتَّى يَمُرَّ عَلَى الصِّرَاطِ كَالرِّيحِ الْعَاصِفِ ، وَ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ .

وَ مَنْ صَلَّى ثُلُثَ لَيْلَةٍ لَمْ يَبْقَ مَلَكٌ إِلَّا غَبَطَهُ بِمَنْزِلَتِهِ مِنَ اللهِ عَزَّ وَ جَلَّ ، وَ قِيلَ لَهُ ادْخُلْ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ شِئْتَ .

وَ مَنْ صَلَّى نِصْفَ لَيْلَةٍ فَلَوْ أُعْطِيَ مِلْ‏ءَ الْأَرْضِ ذَهَباً سَبْعِينَ أَلْفَ مَرَّةٍ لَمْ يَعْدِلْ جَزَاءَهُ ، وَ كَانَ لَهُ بِذَلِكَ عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَ جَلَّ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ رَقَبَةً يُعْتِقُهَا مِنْ وُلْدِ إِسْمَاعِيلَ .

وَ مَنْ صَلَّى ثُلُثَيْ لَيْلَةٍ كَانَ لَهُ مِنَ الْحَسَنَاتِ قَدْرُ رَمْلِ عَالِجٍ ، أَدْنَاهَا حَسَنَةٌ أَثْقَلُ مِنْ جَبَلِ أُحُدٍ عَشْرَ مَرَّاتٍ .

وَ مَنْ صَلَّى لَيْلَةً تَامَّةً تَالِياً لِكِتَابِ اللهِ عَزَّ وَ جَلَّ رَاكِعاً وَ سَاجِداً وَ ذَاكِراً أُعْطِيَ مِنَ الثَّوَابِ مَا أَدْنَاهُ يَخْرُجُ مِنَ الذُّنُوبِ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ. [المصدرُ السّابقُ 5: 109]. 

 وهكذا نجدُ رحمةَ اللهِ سُبحانهُ لعبادهِ من جميعِ الأبوابِ، فالحقُّ سبحانهُ واسعُ المغفرةِ، ولكنَّ الكلامَ هوَ فِي محافَظَةِ العبادِ على هذا الخيرِ العميمِ الّذيِ ينالونهُ، فمَن خرجَ من ذنوبهِ كيومِ ولدتهُ أمُّهُ بعدَ صيامِ شهرٍ كاملٍ فِي شَهرِ رمضانَ، هل يبقى مُحافِظاً على هذهِ النّعمةِ ولا يُدنّسهَا بمعصيةٍ أم أنَّ سِجلَّ المَعاصي سيمتلِىءُ مِن جديدٍ؟

 أمَّا عنِ الإضرارِ بالنّفسِ فالشّرعُ يُحرِّمُ الإضرارَ بالنّفسِ بشكلٍ يُسبّبُ عَوقاً لهَا أو ضرراً مُعتدَّاً بهِ ومِنْ دونِ منفعةٍ عُقلائيَّةٍ أو شَرعيّةٍ، أمَّا الأضرارُ البسيطةُ التي تكونُ لأسبابٍ عُقلائيَّةٍ كالحِجامةِ مثلاً، فهوَ عملٌ ضَرريٌّ بالجسدِ لكنَّ لهُ منافعَ جانبيّةٍ ومهمّةٍ فِي صحّةِ الإنسانِ، فهذا النّوعُ منَ الضّررِ أجازهُ الشّرعُ بلْ حثَّ عليهِ. 

ودمتُم سالِمينَ.