اسئِلَةٌ حَولَ مَوضُوعِ رَدِّ الشَّمْسِ لأمِيرِ المُؤمِنِينَ عَليٍّ (ع).

هِشَام مَاجِد: هَلْ رَدُّ الشَّمسِ للإمامِ عَليٍّ (عَليهِ السَّلامُ) كَانَ فِعلِيَّاً؟ أيْ هَلْ رُدَّتِ الشَّمسُ فِي كُلِّ العَالَمِ؟ أمْ أنَّهَا رُدَّتْ فَقَطْ فِي المَكَانِ الَّذِي كَانَ بِهِ الإمَامُ عَليٌّ عَليهِ السَّلامُ؟ هَذَا أوَّلاً.  ثَانِيَاً، نَحنُ نَعلَمُ أنَّ الشَّمسَ مُرتَبِطَةٌ بِالزَّمَنِ فَمَا هُوَ حَالُ الزَّمَنِ فِي فَترَةِ رُجُوعِ الشَّمسِ إلَى الزَّوَالِ ثُمَّ عَودَتِهَا حَتَّى نَظَرُوا إلى النُّجُومِ فِي كَبدِ السَّمَاءِ؟  ثَالِثَاً، إذَا كَانَ رَدُّ الشَّمسِ عَلى كُلِّ العَالَمِ فَمَا هُوَ حُكمُ الآخَرِينَ؟ مَثَلاً، مَنْ صَلَّى صَلاةَ المَغرِبِ هَلْ يُعِيدُهَا؟ أو مَنْ أفْطَرَ بِسَبَبِ غِيَابِ الشَّمسِ، مَا حُكمُهُ؟ وَقَدْ عَادَتِ الشَّمسُ إلى كَبِدِ السَّمَاءِ؟  جَزَاكُمُ اللهُ خَيرَ الجَزَاءِ.

: اللجنة العلمية

الأخُ هِشامٌ المُحتَرَمُ، السَّلَامُ عَليكُمْ وَرَحمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ 

بِالنِّسبَةِ لِمَوضُوعِ رَدِّ الشَّمسِ لأمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلِيٍّ (عَليهِ السَّلَامُ) فَإنَّهُ لَمْ يَكُنْ خَاصَّاً بِهِ فَقَطْ، بَلْ كَانَتْ هَذِهِ المَنْقَبَةُ لِرَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلهِ وَسَلَّمَ) مِنْ قَبلُ: 

جَاءَ عنِ الحَافِظِ إبنِ حَجَرٍ العَسقَلانِيّ فِي "فَتحِ البَارِي " 6 ص 168: ((عَنْ أسَماءَ بنتِ عُمَيسٍ: أنَّهُ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ دَعَا لَمَّا نَامَ عَلى رُكبةِ عليٍّ فَفَاتَتْهُ صَلاةُ العَصرِ، فَرُدَّتِ الشَّمسُ حَتَّى صَلَّى عليٌّ ثُمَّ غَربَتْ. وَهَذا أبلغُ فِي المُعْجِزةِ وَقَدْ أخْطَأَ إبنُ الجَوزِيِّ بإيرَادِهِ لهُ فِي المَوْضُوعَاتِ، وَهَكَذَا إبنُ تَيميَّةَ فِي كِتابِ الرَّدِّ عَلى الرَّوافِضِ فِي زَعمِ وَضعِهِ، واللهُ أعلمُ)). إنْتَهَى.

وَعَنِ الحَافظِ السِّيوطِي المُتَوفَّى سَنَةِ (911هـ) فِي (الخَصَائِصِ الكُبرَى ج 2 ص 183): ((أوتِيَ يُوشعُ حَبسَ الشَّمسِ حِينَ قَاتَلَ الجَبَّارِينَ، وَقَدْ حُبِسَتْ لنَبيِّنَا صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ فِي الإسرَاءِ، وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ ردُّ الشَّمسِ حِينَ فَاتَ العَصرُ عليَّاً رَضِيَ اللهُ عَنهُ)). إنتهى.

وَقَالَ أبُـو عَـبـدِ اللّهِ شَـمسُ الدِّينِ مُحمَّدُ بنُ أحمدَ الأنْصاريُّ الأنْدلُسيُّ المُتَوفَّى [عَامَ] 671 قَالَ فِي (التَّذكِرةِ بأحوَالِ المَوتَى وأمُورِ الآخِرَةِ): ((إنَّ اللهَ تَعَالَى رَدَّ الشَّمسَ عَلى نَبيِّه بَعدَ مَغِيبِهَا حَتَّى صَلَّى عَـلِيٌّ. ذَكرَه الطَّحَاويّ وَقَالَ: إنَّهُ حَدِيثٌ ثَابِتٌ، فَلَو لَمْ يَكُنْ رُجُوعُ الشَّمسِ نَافِعَاً وَأنَّهُ لا يَتجدَّدُ الوَقتُ لَمَا رَدَّهَا عَليهِ)). إنتهى.

وَأمَّا مَا وَرَدَ فِي حَقِّ أمِيرِ المُؤمِنِينَ (عَليهِ السَّلَامُ)، فَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ الصَّفَّارِ فِي "بَصَائِرِ الدَّرَجَاتِ" عَن جُويريَّةَ بنِ مُسهّر، قَالَ: أقَبلْنَا مَع أمِيرِ المُؤْمِنينَ عَليٍّ بنِ أبِي طَالبٍ (عَليهِ السَّلَامُ) مِنْ قَتلِ الخَوَارِجِ، حَتَّى إذَا قَطَعْنَا فِي أرْضِ بَابِلَ حَضَرَتْ صَلاةُ العَصرِ، فَنزلَ أمِيرُ المؤْمِنينَ (عَليهِ السَّلَامُ) وَنَزلَ النَّاسُ، فَقَالَ عليٌّ (عَليهِ السَّلَامُ): أيُّهَا النَّاسُ، إنَّ هَذِهِ أرْضٌ مَلعُونةٌ قَدْ عُذِّبتْ فِي الدَّهرِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، وَهِيَ إحْدَى المُؤْتَفِكَاتِ، وَهِيَ أوَّلُ أرْضٍ عُبِدَ فِيهَا وثَنٌ، إنَّهُ لَا يَحِلُّ لِنبيٍّ وَلَا لِوصِيِّ نَبِيٍّ أنْ يُصلِّيَ فِيهَا. فَأمرَ النَّاسَ، فَمَالُوا عَنْ جَنبَي الطَّريِقِ يُصَلُّونَ، ورَكِبَ بَغلةَ رَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ) فَمَضَى عَليْهَا. قَالَ جُوَيرِيَّةُ: فَقُلتُ: واللهِ لأتْبَعَنَّ أمِيرَ المُؤْمِنينَ (عَليهِ السَّلَامُ) وَلَأُقلِّدنَّهُ صَلاتِي اليَومَ، فَمَضَيتُ خَلفَهُ، فَو اللهِ مَا جِزنَا جِسرَ سَوراءَ حَتَّى غَابَتِ الشَّمسُ، فَسَببتُه أو هَمَمْتُ أنْ أَسُبَّهُ، قَالَ: فقَالَ: يَا جُوَيرِيَّةَ، أذِّنْ؟ فقُلتُ: نَعَمْ يَا أمِيرَ المُؤمِنينَ. قَالَ: فَنزلَ (عَليهِ السَّلَامُ) نَاحِيةً، فَتَوضَّأَ ثُمَّ قَامَ، فَنَطَقَ بِكَلامٍ لَا أحْسَبُهُ إلَّا بالْعِبرَانِيَّةِ، ثُمَّ نَادَى بالصَّلاةِ، فَنَظَرْتُ واللهِ إلَى الشَّمسِ قَدْ خَرَجَتْ مِنْ بَينِ جَبلَينِ لَهَا صَريرٌ، فَصَلَّى العَصْرَ وَصَلَّيتُ مَعَهُ.

 قَالَ: فَلمَّا فَرِغْنَا مِنْ صَلَاتِهِ عَادَ اللَّيلُ كَمَا كانَ، فَالتَفتَ إليَّ وقَالَ: يَا جُوَيْرِيَّةَ بْنَ مُسهّر، إنَّ اللهَ (عَزَّ وَجَلَّ) يَقُولُ: (فَسَبِّحْ باسْمِ رَبِّكَ العَظِيمِ)، فَإنِّي سَألتُ اللهَ (عَزَّ وَجَلَّ) باسْمِهِ العَظِيمِ، فَرَدَّ عَليَّ الشَّمسَ. [بَصَائِرُ الدَّرَجَاتِ: 237]. 

هَذَا كُلُّهُ فِيمَا يَتَعلَّقُ بِأصْلِ هَذِهِ الحَادِثَةِ أوِ المُعْجِزَةِ الَّتِي حَصَلَتْ للنَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ) وَلأمِيرِ المُؤمِنِينَ (عَليهِ السَّلَامُ) مِنْ رَدِّ الشَّمسِ لَهُمَا فِي غَيرِ وَقتِهَا، يَبقَى الكَلَامُ حَولَ تَأثِيرِ هَذِهِ المُعجِزَةِ أو غَيرِهَا منَ المُعجِزَاتِ كَشَقِّ القَمَرِ للنَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ)، هَلْ تُغَيِّرُ مِنْ طَبِيعَةِ المَنظُومَةِ الكَونِيَّةِ الَّتِي اِعتَادَ عَليهَا النَّاسُ بِحَيثُ تُصبِحُ عِندَهُمْ تَكَالِيفُ أُخرَى؟ كَمَنْ صَلَّى صَلاةَ المَغرِبِ مَثَلاً ثُمَّ رَجَعَتِ الشَّمْسُ فَهَلْ عَلَيهِ أدَاءُ صَلاةِ المَغرِبِ ثَانِيَةً فِيمَا لَوْ غَابَتِ الشَّمسُ؟!

الجَوَابُ: المُعجِزَةُ الكَونِيَّةُ الَّتِي تَحصُلُ لِلأنبِيَاءِ وَالأئِمَّةِ (عَليهِمُ السَّلامُ) تَكُونُ خَاصَّةً بِظَرفِهَا وَشُخُوصِهَا وَلا تَتَعَدَّى إلَى النِّظَامِ الكَونِيِّ بِرُمَّتِهِ؛ لِأنَّ الهَدَفَ مِنهَا هُوَ تَحقِيقُ غَرضٍ مُعَيَّنٍ، وَيَبقَى الوَضْعُ العَامُّ عَلى مَا هُوَ عَليهِ، فَلا تَتَرَتَّبُ تَكَاليفٌ جَدِيدَةٌ عَلى النَّاسِ فِيمَا لَو حَدَثَتْ مِثلُ هَذِهِ المَعَاجِزِ الكَونِيَّةِ؛ هَذَا هُوَ الأصْلُ فِي المَقَامِ، وَالإستِثْنَاءُ يَحتَاجُ إلَى دَلِيلٍ، وَلَا دَلِيلَ فِي البَينِ، فَنَبقَى نَحنُ وَالأصْلُ المَذكُورُ.  

 

وَدُمتُمْ سَالِمِينَ.