عُلُوْمُ "نَهْجِ البَلَاغَةِ".

رَزَّاقُ السَّمَاوِيُّ أَبُو حُسَيْن: أَحْسَنْتُمُ النَّشْرَ .. بِمَاذَا نَقْدِرُ أَنْ نُصَنِّفَ خُطَبَ الإِمَامِ عَلِيٍّ فِي نَهْجِ البَلَاغَةِ، هَلْ فِيْهَا شَيْءٌ مِنَ الفَلْسَفَةِ وَالمَنْطِقِ أَمْ هِيَ مِنْ نَوْعٍ آَخَرٍ؟

: اللجنة العلمية

الأَخُ رَزَّاقٌ المُحْتَرَمُ، السَّلامُ عَلَيْكُمُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ 

يُعَّدُ كِتَابُ "نَهْجُ البَلَاغَةِ" هُوَ ثَالِثُ كِتَابٍ مِنْ حَيْثُ الأَهَمِّيَةِ عِنْدَ المُسْلِمِيْنَ، بَعْدَ القُرْآَنِ الكَرِيْمِ، وَكُتُبِ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ الشَّرِيْفَةِ، فَقَدْ نَالَ هَذَا الكِتَابُ مِنَ الأَهَمِيَّةِ وَالشَّأْنِ حَتَّى أَصْبَحَ لَهُ مِنَ الشُّرُوْحِ خَمْسَةً وَسَبْعِيْنَ شَرْحَاً فِي حِسَابِ بَعْضِ المُؤَلِّفِيْنَ، وَ مَائَةً وَوَاحِدَاً مِنَ الشُّرُوْحِ فِي حِسَابِ مُؤَلِّفٍ آَخَرٍ [رَاجِعْ: تَصْحِيْحَ القِرَاءَةِ فِي نَهْجِ البَلَاغَةِ للشَّيْخِ خَالِدٍ البَغْدَادِيِّ].

وَحَتَّى نَتَعَرَّفَ عَلَى عُلُوْمِ هَذَا الكِتَابِ وَمَا حَوَاهُ مِنْ مَعَارِفَ مُتَنَوِّعَةٍ نَسْتَعْرِضُ بَعْضَ الكَلِمَاتِ لِعُلَمَاءَ وَمُفَكِّرِيْنَ إِسْلَامِيِّيْنَ يُخْبِرُوْنَنَا عَمَّا جَاءَ فِيْهِ .

قَالَ ابْنُ أَبِي الحَدِيْدِ (شَارِحُ النَّهْجِ):(وَيَكْفِي هَذَا الكِتَابُ الَّذِيْ نَحْنُ شَارِحُوْهُ دَلَالَةً عَلَى أَنَّهُ لَا يُجَارَى فِي الفَصَاحَةِ، وَلَا يُبَارَى فِي البَلَاغَةِ، وَحَسْبُكَ أَنَّهُ لَمْ يُدَوَّنْ لِأَحَدٍ مِنْ فُصَحَاءِ الصَّحَابَةِ العَشْـرُ، وَلَا نِصْفُ العُشْـِر مِمَّا دُوِّنَ لَهُ، وَكَفَاكَ فِي هَذَا البَابِ مَا يَقُوْلُه أَبُو عُثْمَانٍ الجَاحِظُ فِي مَدْحِهِ فِي كِتَابِ : البَيَانُ وَالتَّبْيِّيْنُ وَفِي غَيْرِهِ مِن كُتُبُهِ) . انتهى [ شَرْحُ نَهْجِ البَلَاغَةِ، ابْنُ أَبِي الحَدِيْدِ ، 1: 24 - 25 ].

وَيَقُـْولُ الشَّـيْخُ مُحَمَّـدُ عَبْـدَه ( شَارِحُ النَّهْجِ أَيْضَاً ) : ( وَلَيْسَ فِي أَهْلِ هَذِهِ اللُّغَةِ إلاَّ قَائِلٌ بِأَنَّ كَلَامَ الإِمَامِ عَليٍّ بنِ أَبِي طَالِبٍ هُو أَشْرَفُ الكَلَامِ وَأَبْلَغَهُ بَعْدَ كَلَامِ اللهِ تَعَالَى وَكَلَامِ نَبِيِّهِ، وَأَغْزَرَهُ مَادَّةً، وَأَرْفَعَهُ أُسْلُوْبَاً، وَأَجْمَعَهُ لِجَلَائِلِ المَعَانِي) . إنتهى [  نَهْجُ البَلَاغَةِ ـ تَعْلِيْقُ الشَّيْخِ عَبْـدَه ـ  1 : 5] 

وَيَقُوْلُ الدُّكْتُوْرُ الفَيْلَسُوْفُ زَكِي نَجِيب مَحْمُود: ( وَنَجُولُ فِي أَنْظَارِنَا فِي هَذِهِ المُخْتَارَاتِ مِنْ أَقْوَالِ الإِمَامِ عَلِيٍّ، الَّتِي إخْتَارَهَا الشَّرِيْفُ الرَّضِيُّ (970 م ـ 1016) وَأَطْلَقَ عَلَيْهَا: نَهْجُ البَلَاغَةِ، لِنَقِفَ ذَاهِلِيْنَ أَمَامَ رَوْعَةِ العِبَارَةِ وَعُمْقِ المَعْنَى..

فَإِذَا حَاوَلْنَا أَنْ نُصَنِّفَ هَذِهِ الأَقْوَالَ تَحْتَ رُؤُوْسٍ عَامَّةٍ تَجْمَعُهَا، وَجَدْنَاهَا تَدُوْرُ ـ عَلَى الأَغْلَبِ ـ حَوْلَ مَوْضُوْعَاتٍ رَئِيْسِيَّةٍ ثَلَاثَةٍ، هِيَ نَفْسُهَا المَوْضُوْعَاتُ الرَّئِيْسِيَّةُ الّتِي تَرْتَدُّ إِلَيْهَا مُحَاوَلَاتُ الفَلَاسِفَةِ، قَدِيْمِهِم وَحَدِيْثِهِم عَلَى السَّوَاءِ، أَلَا وَهِيَ: اللهُ وَالعَالَمُ وَالإِنْسَانُ.

وَإذَاً فَالرَّجُلُ ـ وَإِنْ لَمْ يَتَعَمَّدْهَا ـ فَيْلَسُوْفٌ بِمَادَّتِهِ وَإِنْ خَالَفَ الفَلَاسِفَةَ فِي أَنَّ هَؤُلَاءِ قَدْ غَلَبَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُقِيْمُوا لِفِكْرَتِهِم نَسَقَاً عَلَى صُوْرَةِ مَبْدَأٍ وَنَتَائِجِهِ، وَأَمَّا هُوَ فَقَدَ نَثَرَ القَوْلَ نَثْرَاً فِي دَوَاعِيْهِ وَظُرُوْفِهِ). إنتَهى [المَعْقُوْلُ وَاللَّامَعْقُوْلُ فِي التُّرَاثِ العَرَبِيِّ: 30] 

أمّا صُبْحِي الصَّالِحُ فَيَقُوْلُ فِي مُقَدِّمَتِهِ: مُنْذُ أَنْ تَصَدَّى الشَّرِيْفُ الرَّضِيُّ لِجَمْعِ مَا تَفَرَّقَ مِنْ كَلَامِ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ عَلِيٍّ بنِ أَبِي طَالِبٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَوَسَمَهُ: «نَهْجُ البَلَاغَةِ» أَقْبَلَ العُلَمَاءُ وَالأُدَبَاءُ عَلَى ذَلِكَ الكِتَابِ بَيْنَ نَاسِخٍ لَهُ يَحْفَظُ نَصَّـهُ فِي لَوْحِ صَـدْرِهِ، وَشَارِحٍ لَهُ يُنَسِّمُ النَّاسَ عَنْ تَفْسِيْرَاتِهِ وَتَعْلِيْقَاتِهِ. [ نَهْجُ البَلَاغَةِ ـ تَعْلِيْقُ صُبْحِي الصَّالِحُ ـ: 18]

وَيَقُوْلُ الكَاتِبُ لَبِيْب بَيْضُـْون ـ الكَاتِبُ السُّوْرِيُّ المَعْرُوْفُ ـ فِيْ تَصْنِيْفِهِ لِلِـ " نَهْجِ ": (لَا يَشُكُّ أَدِيْبٌ أَو مُؤَرِّخٌ أَو عَالِمٌ دِيْنِيٌ أَو اجْتِمَاعِيٌ فِي مَا لـ «نَهْجِ البَلَاغَةِ» مِن قِيْمَةٍ جُلَّى، وَإِنَّهُ فِي مَصَافِ الكُتُبِ المَعْدُوْدَةِ، وَالَّتِي تُعْتَبَرُ مِنْ أُمَّهَاتِ الكُتُبِ...كَيْفَ لَا؟! وَ«نَهْجُ البَلَاغَةِ» هُوَ كَلَامُ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، ذَلِكَ الإِمَامُ الَّذِي كَانَ قُدْوَةً مِثَالِيَّةً لِلْمُسْلِمِيْنَ، وَنِبْرَاسَاً رَائِدَاً لِلْمُؤْمِنِيْنَ، حَتَّى إِنَّ الخَلِيْلَ بنَ أَحْمَدَ حِيْنَ سُئِلَ عَنْهُ: مَا تَقُوْلُ فِي الإِمَامِ عَلِيٍّ؟ قَالَ قَوْلَهُ المَأْثُوْرَ: إحْتِيَاجُ الكُلِّ إلَيْهِ وَاسْتِغْنَاؤُهُ عَنِ الكُلِّ دَلِيْلٌ عَلَى أَنَّهُ إِمَامُ الكُلِّ فِي الكُلِّ...

ثُمَّ قَالَ: إِنَّ «نَهْجَ البَلَاغَةِ» هُوَ أَعْظَمُ كِتَابٍ أَدَبِيٍّ وَدِيْنِيٍّ وَأَخْلَاقِيٍّ وَاجْتِمَاعِيٍّ بَعْدَ القُرْآَنِ وَالحَدِيْثِ النَّبَوِيِّ الشَّرِيْفِ، وَهُوَ أَحَدُ المَصَادِرِ الأَرْبَعَةِ الَّتِي لَا غِنَىً لِلْأَدِيْبِ العَرَبِيِّ عَنْهَا، وَهِيَ: القُرْآَنُ الكَرِيْمُ، وَنَهْجُ البَلَاغَةِ، وَالبَيَانُ وَالتَّبْيِّينُ لِلْجَاحِظِ، وَالكَامِلُ لِلْمَبَرِّدِ) . إنتَهى [  تَصْنِيْفُ نَهْجِ البَلَاغَةِ: 7] 

وَدُمْتُمْ سَالِمِيْنَ.