هَلْ كَانَ الصَّوُمُ مُشَرَّعَاً فِي زَمَنِ النَّبِي إِبْرَاهِيمَ (ع) ؟!!

عَقِيل جُمعة حَسن أحْمَد: السَّلَامُ عَلَيْكُم.. هَل كَانَ الصَّوُمُ مُشَرَّعاً فِي زَمَنِ النَّبِي إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَام؟ وَلِمَاذَا يَقُولُ القُرآنُ عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ إبْرَاهِيمَ عَلَيهِ السَّلامُ: ( قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)؟ وجُزيتُم خيراً.

: اللجنة العلمية

الأخُ عَقِيلُ المُحترمُ، السَّلامُ عَليكمُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَركاتُهُ، 

تُوجَدُ آَيَةٌ فِي القُرآنِ الكَرِيمِ يُستَفَادُ مِنْهَا أنَّ الصَّومَ كَانَ مَفْرُوضَاً عَلَى الأُمَمِ الَّتِي كَانَت قَبْلَنَا ، قَالَ تَعَالَى : { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ } البَقَرة : 183.

وقد قَالَ الشَّيْخُ الطَّبْرِسِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ " جَوَامِعُ الجَّامِعِ " : ( ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ ) * أَيْ : فُرِضَ عَلَيْكُمُ ، ( الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِيْنَ مِنْ قَبْلِكُم ) مِنَ الْأنْبِيَاءِ وَأُمَمِهِم مِن لَدُنْ عَهْدِ آَدَمَ ( عَليهِ السَّلامُ ) إلَى عَهْدِكُم ، وَرُوِيَ عَنْ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عَليهِ السَّلامُ) أنَّهُ قَالَ : " أَوَّلُهُم آَدَمُ " ، يَعْنِي :(أنَّ الصَّوْمَ عِبَادَةٌ قَدِيْمَةٌ مَا أخْلَى اللهُ تَعَالَى أُمَّةً مِن إِيْجَابِهَا عَلَيْهِم ، فَلَمْ يُوْجِبْهَا عَلَيْكُمْ وَحْدَكُمْ) . انْتَهَى [ جَوَامِعُ الجَّامِعِ 1: 182]. أمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : ( قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) الأنْعَام : 162، فَهُوَ لَيْسَ حِكَايَةً عَنْ قَوْلِ إِبْرَاهِيمَ ( عَلَيْهِ السَّلَامُ )، بَلْ هُوَ أمْرٌ مِنَ اللهِ سُبْحَانَهُ لِلْنَبِيِّ الأقْدَسِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) ، قَالَ السَّيْدُ الطَّبَاطَبَائِيُ فِي " المِيزَانِ " : ( النُّسُكُ مُطْلَقُ العِبَادَةِ ، وَكَثُرَ إسْتِعْمَالُهُ فِي الذَّبْحِ أَو الذَّبِيْحَةِ تَقَرُّبَاً إلَّى اللهِ سُبحَانَهُ .

أَمْرَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ثَانِيْاً أَنْ يُخْبِرَهُم بِأنَّهُ عَامِلٌ بِمَا هَدَاهُ اللهُ إلَيْهِ مُتَلَبِّسٌ بِهِ كَمَا أنَّهُ مَأْمُورٌ بِذَلِكَ لِيَكُونَ أَبْعَدَ مِنَ التُّهْمَةِ عِنْدَهُم وَأَقْرَبَ إلَى تَلَقِّيهِم بِالْقَبُولِ فِإنَّ مِنْ إِمَارَةِ الصِّدْقِ أَنْ يَعْمَلَ الإنْسَانُ بِمَا يُنْدَبُ إلَيْهِ ، وَيُطَابِقُ فِعْلُهُ قَوْلَهُ .

فَقَالَ : قُلْ : إنَّنِي جَعَلْتُ صَلَاتِيَّ وَمُطْلَقَ عِبَادَتِيَّ - وَإخْتَصَتِ الصَّلَاةُ بِالذِّكْرِ إسْتِقْلَالَاً لِمَزِيْدِ العِنَايَةِ بِهَا مِنْهُ تَعَالَى - وَمَحْيَايَ بِجَمِيعِ مَا لَهُ مِنَ الشُّؤُونِ الرَّاجِعَةِ إلَيَّ مِنْ أَعْمَالٍ وَأَوْصَافٍ وَأَفْعَالٍ وَتُرُوكٍ ، وَمَمَاتِي بِجَمِيْعِ مَا يَعُودُ إلَيَّ مِنْ أُمُورِهِ وَهِيَ الجِّهَاتُ الَّتِي تَرْجِعُ مِنْهُ إلَى الحَيَاةِ - كَمَا قَالَ : كَمَا تَعِيْشُونَ تَمُوتُونَ - جَعَلْتُهَا كُلُهَا للهِ رَبِّ العَالَمِينَ مِنْ غَيْرِ أَنْ أُشْرِكَ بِهِ فِيْهَا أَحَداً فَأنَا عَبْدٌ فِي جَمِيْعِ شُؤُونِيَ فِي حَيَاتِي وَمَمَاتِي للهِ وَحْدِهِ وَجَّهْتُ وَجْهِيَ إِلَيْهِ لَا أَقْصُدُ شَيْئَاً وَلَا أَتْرُكُهُ إلَّا لَهُ وَلَا أَسِيرُ فِي مَسِيرِ حَيَاتِيَّ وَلَا أَرِدُ مَمَاتِي إلّا لَهُ فِإنَّهُ رَبُّ العَالَمِينِ ، يَمْلِكُ الكُلَّ وَيُدَبِّرُ أَمْرَهُم .

وَقَدْ أُمِرْتُ بِهَذَا النَّحْوِ مِنَ العُبُودِيَّةِ ، وَأَنَا أَوَّلُ المُسْلِّمِيْنَ للهِ فِيمَا أَرَادَهُ مِنَ العُبُودِيَّةِ التَّامَةِ فِي كُلِ بَابٍ وَجِهَةٍ .

وَمِنْ هُنَا يَظْهَرُ أَنَّ المُرَادَ بِقَوْلِهِ : (إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ) إِظْهَارُ الإخْلَاصِ العُبُودِيِّ أَوْ إِنْشَاؤُهُ فِيْمَا يَرْجِعُ إِلَيْهِ مِنْ شُؤُوْنِ العِبَادَةِ وَالحَيَاةِ وَالمَوْتِ دُوْنَ الإخْبَارِ عَنْ الإخْلَاصِ فِي العِبَادَةِ والإعْتِقَادِ بِأَنَّ مَالِكَ المَوْتِ وَالحَيَاةِ هُوَ اللهُ تَعَالَى) . إنْتَهَى [ المِيزَانُ فِيْ تَفْسِيْرِ القُرْآنِ 7 : 294 ] 

وَدُمْتُمْ سَاْلِمِيْنَ.