غَزوَةُ (ذاتِ السَّلاسِلِ) الحَقيقَةُ التَّاريخيَّةُ المُغَيبَّةُ.

أبو حُسين الشَّوهاني: السَّلامُ عَليكُم .. نَرجو مِنْ جَنابِكمُ الكَريمُ أنْ تُوَضِّحوا لَنا مَعركةَ ذاتِ السَّلاسلِ ؟

: اللجنة العلمية

الأخُ أبو حسين المحترَمُ، السَّلامُ عليكُم ورَحمَةُ اللهِ وبَركاتُهُ

قالَ الشَّيخُ علي الكورانيّ : 

( غَزوَةُ ذاتِ السَّلاسلِ الّتي حَذَفوها مِنَ السّيرةِ!

« ذاتُ السَّلاسلِ » إسمٌ لِمنطَقةِ في الحجازِ على بُعدِ خمسِ مَراحلَ مِنَ المَدينةِ ويُعرَفُ المَكانُ باسمِ وادي الرَّمل ، وباسمِ السِّلسلَةِ ، وقيلَ سُميَتْ الغَزوَةُ بذاتِ السَّلاسلِ ، لأنَّهم جاؤوا بالأسرى مَربوطينَ بِبعضِهم كَسِلسِلَة.

وسَببُها كَما ذَكرَتْ مَصادِرُنا أنَّ اللهَ أخبَرَ النَّبيَّ « صَلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » أنَّ جَمعاً مِنْ قَبائلِ سليم كانوا يَستعدّونَ لِغزو المَدينةِ ، فأرسَلَ سِرِّيَّةً منْ بِضعِ مئاتٍ بقيادَةِ أبي بكرٍ ، فَرجعَ مُنهزِماً ، ثمَّ أرسلَ عمرَ فَرجعَ مُنهزِماً ، ثمَّ أرسلَ عمرو بنَ العاص فرَجعَ مُنهزِماً . فأرسلَ عليّاً « عليهِ السَّلامُ » ومعَهُ أبو بكرٍ وعمرُ وخالدٌ وابنُ العاصِ فَسلكَ طريقاً بينَ الأوديَةِ ، وأغارَ صَباحاً مُبكراً على مركزِ تجمُّعِهِم فنزلتْ سورةُ : وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا . . وهزمَهم ، وأسرَ مِنهم وجاءَ بهم مُقرَّنينَ في الحبالِ كأنَّهم سِلسِلة .

فَفي أمالي الطّوسي / 407 : « عنِ الحَلبيّ قالَ : سألتُ أبا عبدِ اللهِ « عليهِ السَّلامُ » عن قولِ اللهِ عزَّ وجلَّ : وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا ؟ قالَ : وجَّهَ رسولُ اللهِ عمرَ بنَ الخطّابِ في سَريَّةٍ فرَجعَ مُنهزماً يُجَبِّنُ أصحابَهُ ويُجَبِّنُهُ أصحابُهُ ، فلمّا إنتهى إلى النّبيّ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » قالَ لِعليٍّ : أنتَ صاحِبُ القَومِ فتَهيَّأ أنتَ ومَنْ تُريدُهُ من فرسان المهاجرين والأنصار . فوجَّهَهُ رسولُ اللهِ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » فقالَ لَهُ : أكمِنْ النّهارَ ، وسِرِ اللَّيلَ ولا تفارقكَ العين . قالَ فانتهى عليٌّ إلى ما أمرَهُ بهِ رسولُ اللهِ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » فسارَ إليهِم فلمّا كانَ عندَ وَجْهِ الصُّبحِ أغارَ عَليهِم فأنزلَ اللهُ على نَبيِّهِ : وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا . . إلى آخِرِها » .

وفي الإرشادِ : 1 / 162 : « ثمَّ كانَتْ غَزاةُ السِّلسِلة وذلكَ أنَّ ( أعرابيَّاً ) جاءَ إلى النَّبيّ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » فَجَثا بَينَ يَديْهِ وقالَ لَهُ جِئتُكَ لأنصحَ لكَ . . قالَ : وما نَصيحتُك ؟ قالَ : قومٌ مِنَ العربِ قَدِ إجتَمعوا بِوادي الرَّملِ وعَمِلوا على أنْ يُبَيِّتوكَ بالمَدينةِ . . » .

وفي مناقبِ آلِ أبي طالِب : 2 / 328 : « السَّلاسِل إسمُ ماء . أبو القاسمِ بنُ شبلٍ الوكيلِ ، وأبو الفتحِ الحفّارِ بإسنادِهِما عنِ الصّادقِ « عليهِ السَّلامُ » ، ومقاتلُ والزَّجاج ووكيعٌ والثَّوري والسَّدي وأبو صالحٍ وابنُ عباسٍ : أنَّهُ أنفَذَ النَّبيَّ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » أبا بكرٍ في سَبعمائةِ رَجلٍ ، فلمّا صارَ إلى الوادي وأرادَ الإنحدارَ فَخَرجوا إليهِ فَهزموهُ وقَتلوا مِنَ المُسلمينَ جَمعاً كَثيراً ، فلمّا قَدِموا على النَّبيّ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » بعَثَ عمرَ فَرَجعَ مُنهزِماً ، فقالَ عَمرو بنُ العاصِ : إبعثْني يا رسولَ اللهِ فإنَّ الحربَ خُدعَةٌ ولَعلّي أخدَعُهُم .

فبَعثَهُ فرَجِعَ مُنهزِماً ، وفي رِوايةٍ أنَّهُ أنفَذَ خالِداً فعادَ كذلكَ ، فساءَ النَّبيَّ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » ذلكَ فَدَعا عَليّاً « عليهِ السَّلامُ » وقالَ : أرسَلْتهُ كَرّاراً غيرَ فَرّار ، فَشَيَّعهُ إلى مَسجدِ الأحزابِ ، فسارَ بالقومِ مُتنكِّباً عنِ الطَّريقِ يسيرُ بالّليلِ ويَكمُنُ بالنّهارِ ، ثمَّ أخذَ على مَحجَّةٍ غامضَةٍ فسارَ بِهِم حتّى إستقبلَ الوادي مِنْ فمِهِ ، ثمَّ أمرَهُم أنْ يعكموا الخيلَ وأوقَفَهُم في مكانٍ وقالَ لا تَبرَحوا ، وإنتبذَ أمامَهم وأقامَ ناحيةً مِنهُم ، فقالَ خالدٌ وفي رِوايةٍ قالَ عمرُ : أنزلنا هذا الغُلامُ في وادٍ كَثيرِ الحيَّاتِ والهَوامِّ والسِّباعِ ، إمّا سَبعٌ يَأكُلنا أو يَأكلُ دَوابَّنا ، وإمّا حيَّةٌ تَعقرُنا وتَعقرُ دَوابَّنا ، وإمّا يعلَمُ بِنا عَدوّنا فيَأتينا ويَقتُلنا ! فكَلِّموهُ نَعلو الوادي ، فكَلَّمَهُ أبو بكرٍ فلم يُجبْه ، فَكَلَّمهُ عمرُ فلمْ يُجبْهُ ، فقالَ عَمرو بنُ العاصِ : إنَّهُ لا يَنبغي أنْ نُضيِّعَ أنفُسَنا ! إنطَلقوا بِنا نَعلو الواديَ فَأبى ذلكَ المسلمونَ !

ومِنْ رِواياتِ أهلِ البيتِ « عليهِمُ السَّلامُ » أنَّهُ أبَتْ الأرضُ أنْ تَحمِلَهُم ! ( أي لمْ يَستطيعوا المَشيَ ) !

قالوا فلمّا أحسَّ « عليهِ السَّلامُ » الفجرَ قالَ إركبوا باركَ اللهُ فيكُم ، وطلعَ الجبلَ حتّى إذا إنحدرَ على القومِ وأشرَفَ عَليهِم قالَ لَهم : اترُكوا عكمةَ دَوابِّكم ! قالَ فشَمَّتِ الخيلُ ريحَ الإناثِ فصَهلَتْ ، فسمِعَ القومُ صَهيلَ خَيلِهم فوَلَّوا هارِبين .

وفي رِوايةِ مقاتلٍ والزَّجاج أنَّهُ كبَسَ القومَ وهُم غادون فقالَ : يا هؤلاءِ أنا رسولُ رسولِ اللهِ إليكُم أنْ تَقولوا لا إلهَ إلاْ اللهُ وأنّ محمَّداً رسولُ اللهِ وإلاّ ضَرَبْتكم بالسَّيفِ . فَقالوا : إنْصرِفْ عنّا كما إنصرَفَ الثَّلاثةُ فإنَّكَ لا تُقاوِمُنا !

فقالَ « عليهِ السَّلامُ » : إنَّني لا أنصَرفُ أنا عليُّ بنُ أبي طالِب ، فاضطَّرَبوا وخرَجَ إليهِ الأشِدّاءُ السَّبعَةُ وناصَحوهُ وطَلبوا الصُّلحَ فقالَ « عليهِ السَّلامُ » : إمّا الإسلامُ وإمّا المُقاومَةُ . فبرَزَ إليهِ واحِدٌ بعدَ واحِدٍ ، وكانَ أشدَّهُم آخرُهُم وهوَ سعدٌ بنُ مالكٍ العجلي وهوَ صاحِبُ الحِصنِ فَقتَلهُم ، فانهزَموا ودخلَ بَعضُهُم في الحصنِ ، وبعضُهُم إستأمنوا وبعضُهم أسلَموا ، وأتَوهُ بمفاتيحِ الخَزائنِ .

قالتْ أمُّ سلمةَ : إنتبَهَ النَّبيُّ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » مِنَ القَيلولَةِ فقلْتُ : اللهُ جاركَ ما لَكَ ؟ فقالَ : أخبَرَني جِبرئيلُ بالفتحِ ونَزلَتْ : وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا !

قالَ أبو منصورٍ الكاتِبُ :

أقسِمُ بِالعادياتِ ضَبحا * حقّاً وبِالمورِياتِ قَدحا

وقالَ المَدنيُّ :

وقولُهُ والعادِياتِ ضَبْحاً * يَعني عَليّاً إذْ أغارَ صُبحا

على سليمٍ فشَنَّها كَفحا * فأكثَرَ القتلَ بِها والجُرحا

وأنتُم في الفُرشِ نائِمونا !

فبشَّرَ النَّبيُّ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » أصحابَهُ بذلكَ وأمرَهم باستقبالِهِ والنَّبيُّ يَتقدَّمُهم ، فلمّا رَأى عليٌ النَّبيَّ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » ترَجَّلَ عَنْ فَرَسهِ فقالَ النَّبيُّ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » : إركبْ فإنَّ اللهَ وَرسولَهُ عنكَ راضِيان فبَكى عليٌّ « عليهِ السَّلامُ » فَرَحاً ، فقالَ النَّبيُّ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » : يا عليُّ لَولا أنّي أشفِقُ أنْ تقولَ فيكَ طوائِفُ مِنْ أمَّتي ما قالَتْ النَّصارى في المسيحِ . . الخَبَر . وقالَ العوني :

مَنْ ذا سِواهُ إذا تشاجرَتِ القَنا * وأبى الكُماةُ الكَرَّ والإقداما

وتصَلْصَلَتْ  حلقُ الحَديدِ وأظهَرَتْ * فُرسانها التصحاجَ والإحجاما

وَرَأيت منْ تَحتِ العَجاجِ لنَقعِها * فوقَ المَغافرِ والوُجوهِ قَتاما

كَشفَ الإلهُ بِسيفهِ وبرأيهِ * يَظمى الجوادَ ويَروي الصّمصاما

ووَزيرهُ جِبريلُ يقحمُهُ الوَغى * طوعاً وميكال الوغى إقحاما

وقالَ الحِميريُّ :

وفي ذاتِ السَّلاسِلِ مِنْ سليم * غداةَ أتاهُمُ الموتُ المُبيرُ

وقد هزَموا أبا حفصٍ وعمراً * وصاحبَهُ مِراراً فاستطيروا

وقد قَتلوا مِنَ الأنصارِ رَهطاً * فحَلَّ النَّذرُ أو وَجَبتْ نذورُ

أذادَ الموتَ مشيحةً ضِخاماً * جحاجحة يسدُّ بها الثّغور » .

ورَواهُ في الخَرائجِ : 1 / 167 ، وفيهِ : « وكانَ المُشركونَ قَد أقاموا رُقباءَ على جِبالِهم يَنظرونَ إلى كلِّ عَسكرٍ يَخرجُ إليهِم مِنَ المَدينةِ على الجادَّةِ ، فَيَأخذونَ حِذرَهُم وإستعدادَهُم ، فلمّا خرَجَ عليٌّ ترَكَ الجادَّةَ وأخذَ بالسَّريَّةِ في الأوديَةِ بينَ الجبالِ . فلمّا رَأى عَمرو بنُ العاصِ قد فعَلَ عليٌّ ذلكَ علِمَ أنَّهُ سَيظفرُ بِهم فحَسدَهُ ، فقالَ لأبي بكرٍ وعمرَ ووجوهِ السَّريَّةِ : إنَّ عليّاً رَجلٌ غِرٌّ لا خِبرَةَ لهُ بهذهِ المسالكِ ، ونحنُ أعرَفُ بِها منهُ ، وهذا الطَّريقُ الّذي توجَّهَ فيهِ كثيرُ السِّباعِ ، وسَيلقى الناسُّ مِنْ مَعرَّتها أشدَّ ما يُحاذرونَهُ مِنَ العدوّ، فاسألوهُ أن يرجعَ عنهُ إلى الجادَّةِ !

فعَرَّفوا أميرَ المؤمنينَ « عليهِ السلامُ » ذلكَ ، قالَ : منْ كانَ طائِعاً للهِ ولرسولهِ مِنكُم فَلْيَتبَعني ومَنْ أرادَ الخِلافَ على اللهِ ورَسولهِ فَليَنصرفْ عنّي . فَسَكتوا وساروا معَهُ ، فكانَ يسيرُ بِهم بينَ الجبالِ بالّليلِ ويكمنُ في الأوديَةِ بالنّهار ، وصارَتْ السِّباعُ الّتي فيها كالسَّنانيرِ ، إلى أن كبَسَ المُشركينَ وهُم غارُّونَ آمنونَ وقتَ الصُّبحِ ، فظفرَ بالرِّجالِ والذَّراري والأموالِ فحازَ ذلكَ كلَّهُ ، وشدَّ الرِّجالَ في الحِبالِ كالسَّلاسِلِ فلذلكَ سُمِّيَتْ غَزاةَ ذاتِ السَّلاسِل .

فلمّا كانتْ الصَّبيحةُ التي أغارَ فيها أميرُ المؤمنينَ « عليهِ السَّلامُ » على العدوِّ ومنَ المَدينةِ إلى هناكَ خمسَ مراحلَ ، خرَجَ النَّبيُّ « صَلّى اللهُ عليهِ وآله ِ» وصلّى بالنّاسِ الفَجرَ وقَرأ : وَالْعَادِيَاتِ . . في الرَّكعةِ الأولى ، وقالَ : هذهِ سورَةٌ أنزَلها اللهُ عليَّ في هذا الوقتِ يُخبرُني فيها بإغارةِ عليٍّ على العدوِّ » .

وسمّاها في الإرشادِ : 1 / 165 ، غَزاةَ السِّلسِلةِ ، وقالَ : « فبَشَّرَ النبيُّ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » أصحابَهُ بالفتحِ وأمرَهُم أنْ يَستقبلوا أميرَ المؤمنينَ « عليهِ السَّلامُ » فاستقبلوهُ والنَّبيُّ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » يَقدُمُهم

فقامُوا لهُ صَفّينِ ، فلمّا بَصرَ بالنّبيّ « صّْى اللهُ عليهِ وآلهِ » ترَجَّلَ عنْ فرَسهِ فقالَ لهُ النّبيُّ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » : إركبْ فإنَّ اللهَ ورسولَهُ راضِيانِ عنكَ ! فبَكى أميرُ المُؤمنينَ « عليهِ السَّلامُ » فَرَحاً . . .

وقالَ في الإرشادِ : 1 / 113 : غَزوةُ وادي الرَّملِ ، ويُقالُ : إنّها كانتْ تُسمّى بغزوةِ السِّلسِلَةِ وفيه / 116 : « فقالَ النَّبيُّ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » لبعضِ مَنْ كانَ معَهُ في الجَّيشِ : كيفَ رَأيتُم أميرَكُم ؟ قالوا : لمْ نُنْكِرْ منهُ شيئاً إلاّ أنَّهُ لم يؤُمَّ بِنا في صَلاةٍ إلاّ قرأَ بِنا فيها بقُلْ هوَ اللهُ أحد ! فقالَ النَّبيُّ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » سَأسألهُ عن ذلكَ ، فلمّا جاءَهُ قالَ له : لِمَ لمْ تَقرأ بِهم في فرائِضكَ إلاّ بسورَةِ الإخلاصِ ؟ فقالَ : يا رسولَ اللهِ أحبَبْتُها . قالَ لهُ النَّبيُّ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » : فإنَّ اللهَ قد أحبَّكَ كَما أحبَبتَها . ثمَّ قالَ لهُ : يا عليُّ لولا أنَّني أشفِقُ أنْ تقولَ فيكَ طوائفٌ ما قالتْ النّصارى في عيسى بنِ مريمَ ، لقلْتُ فيكَ اليومَ مقالاً لا تمرُّ بمَلأ مِنهُم إلاّ أخذوا التُّرابَ من تحتِ قَدَمَيك » !

ورَواها فراتٌ في تَفسيرهِ / 591 ، وفيهِ : « وما زالَ عليٌّ ليلَتَهُ قائِماً يُصلّي حتّى إذا كانَ في السَّحَرِ قالَ لَهم : إركَبوا بارَكَ اللهُ فيكُم ، قالَ فرَكبوا وإطَّلعَ الجبلَ حتّى إذا انحدرَ على القَومِ فأشرفَ عليهِم قالَ لَهم : إنزَعوا أكمَّةَ دوابِّكم ، قالَ فشمَّتْ الخَيلُ ريحَ الإناثِ فصَهلَتْ ، فسمِعَ الخيلُ صَهيلَ خيولِهم فوَلَّوا هاربينَ ! قالَ : فقتلَ مُقاتلِيهم وسَبى ذَراريهِم . قالَ فهبطَ جَبرئيلُ « عليهِ السَّلامُ » على رَسولِ اللهِ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » فقالَ : يا محمدُ: وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا . فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا . فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا . فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا . . . فقالَ رَسولُ اللهِ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » تَخالَطَ القَومُ ورَبِّ الكَعبةِ »

وفي تفسيرِ فراتٍ / 591 ، « عن أبي ذرٍّ الغِفاري وغيرِهِ . . . خَرجَ مَعهُ النبيُّ « صلْى اللهُ عليهِ وآلهِ » يشيِّعُهُ فكأنّي أنظرُ إليهِم عندَ مَسجدِ الأحزابِ وعليٌّ « عليهِ السَّلامُ » على فرسٍ أشقرَ وهوَ يوصيهِ ثمَّ ودَّعهُ . . . قالَ وسارَ عليٌّ فيمَنْ معَهُ مُتوجِّهاً نحوَ العراقِ وظنّوا أنَّهُ يريدُ بهِم غيرَ ذلكَ الوَجهِ حتّى أتاهُم منَ الوادي ، ثمَّ جعلَ يسيرُ اللّيلَ ويَكمنُ النّهارَ . . . فَقتلَ مِنهُم مائةً وعشرينَ رَجلاً وكانَ رئيسَ القومِ الحارِثُ بنُ بشر ، وسَبى مِنهم مائةَ وعشرينَ ناهِداً » . وتفسيرُ القمّيّ : 2 / 434 ، وإعلامُ الوَرى : 1 / 382 ، وسمّاها غزوةَ وادي الرَّملِ . وكشفِ الغُمَّة : 1 / 230 ، وسَمّاها غَزاةَ السِّلسِلة . وكذا العلاّمةُ في كشفِ اليقينِ / 151 . وتأويلِ الآياتِ : 2 / 839 ، و 843 ، عن جابرٍ بنِ يزيدٍ الجعفي ، عن أبي جعفرٍ « عليهِ السَّلامُ » . . .

ورَوى في تفسيرِ فراتٍ / 599 ، روايَةً مُفصَّلَةً في سَببِ نُزولِ سورةِ العادياتِ ، خُلاصَتها أنَّ أهلَ وادي اليابسِ جَمَعوا اثني عشَرَ ألفاً لِغزوِ المَدينةِ ، فأرسلَ لهم النّبيُّ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » أبا بكرٍ ثمَّ عمرَ فانهَزَما ، ثمَّ أرسلَ عليَّاً فهَزَمَهُم .

وتأويلُ الآياتِ : 2 / 840 ، بنحوِ روايَةِ المَناقبِ ، وبروايةٍ أخرى فيها : « وأمَّرَ علَيهم أبا بكرٍ فسارَ إليهم ، فلَقيهم قريباً من الحرَّة وكانَتْ أرضُهُم أسنةً كَثيرةَ الحِجارةِ والشَّجرِ ببطنِ الوادي والمُنحدَرُ إليهم صَعبٌ ، فهَزموهُ وقَتلوا مِنْ أصحابهِ مَقتلةً عَظيمةً . . فلمّا قَدِموا على النَّبيّ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » عقَدَ لعمرَ بنِ الخطّابِ وبعثَهُ ، فكمَنَ لهُ بنو سليمٍ بينَ الحِجارةِ وتحتَ الشَّجرِ ، فلمّا ذهبَ لِيَهبطَ خَرجوا عليهِ ليلاً فهَزموهُ حتّى بلغَ جندُهُ سيفَ البحرِ فرجعَ عمرُ مِنهم مُنهزماً . فقامَ عَمرو بنُ العاصِ إلى رسولِ اللهِ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » فقالَ : أنا لهُم يا رسولَ اللهِ إبعثني إليهم . فقالَ لهُ : خذْ في شأنِكَ فخَرجَ إليهِم فهَزموهُ وقتِلَ مِنْ أصحابهِ ما شاءَ اللهُ . قالَ : ومكثَ رسولُ اللهِ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » أيّاماً يَدعو عَليهِم . . قالَ أبو جعفرٍ : وكأنّي أنظرُ إلى رَسولِ اللهِ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » شيَّعَ علياًّ عندَ مَسجدِ الأحزاب وعليٌّ على فرسٍ أشقرَ مهلوبٍ وهوَ يوصيهِ . . . فنزَلَتْ : وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا . . قالَ : فخرجَ رسولُ اللهِ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » وهوَ يقولُ : صَبَّحَ عليٌّ واللهِ جمعُ القومِ ! ثمَّ صلّى وَقرأ بها ، فلمّا كانَ اليومُ الثّالثُ قَدمَ عليٌّ « عليهِ السَّلامُ » المدينةَ وقد قتلَ منَ القومِ عشرينَ ومائةَ فارسٍ ، وسَبى عشرينَ ومائة ناهِد » .

مَلحوظاتٌ على تَحريفِهم ذاتِ السَّلاسِلِ

1 – لمْ نجدْ في مَصادرِ السُّلطةِ شَيئاً عن سبَبِ نُزولِ سورةِ العادياتِ إلاّ قولَهم : « بعثَ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » خَيلاً فأسهبَتْ شَهراً لم يأتِهِ مِنها خَبرٌ فَنزلَتْ : والعادياتِ ضَبحاً » ! وهذا كلُّ ما في الأمرِ ! ( أسبابُ النُّزولِ للواحدي / 305 ، والفائِقُ للزَّمخشري : 2 / 172 ) .

ولا تَعجبْ فالمَطلوبُ إخفاءُ بُطولَةِ عليٍّ « عليهِ السَّلامُ » وفِرارُ الفارّينَ !

بلْ لم يَهدأ بالُهم حتّى جَعلوا العادياتِ الأباعرَ وليسَ الخيلُ ! ثمَّ رَووا ذلكَ عَنْ عليٍّ « عليهِ السَّلامُ » ! قالَ ابنُ حجرٍ في فتحِ الباري : 8 / 559 : « وعندَ البزّارِ والحاكمِ مِنْ حَديثِ ابنِ عبّاسٍ قالَ بعثَ رَسولُ اللهِ ( ص ) خَيلاً فلبثَتْ شهراً لا يَأتيهِ خبَرُها فنزلتْ : وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا ، ضبحَتْ بأرجُلِها ، فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا : قدحَتِ الحِجارَةَ فأورَتْ بِحوافرِها . فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا : صَبَّحَتِ القومَ بِغارَةٍ ، فأثَرْنَ به نَقْعاً : التُّراب . فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا : صبَّحَتِ القومَ جَميعاً . وفي إسنادهِ ضَعْفٌ ، وهوَ مخالِفٌ لِما رَوى ابنُ مَردويه بإسنادٍ أحسنَ منهُ ! عن ابنِ عبّاسٍ قالَ : سألَني رجلٌ عن

العادياتِ فقلْتُ : الخيلُ ، قالَ فذهبَ إلى عليٍّ فسألَهُ فأخبرَهُ بِما قلتُ ، فدَعاني فقالَ لي : إنَّما العادياتُ الإبلُ مِنْ عرفَةَ إلى مُزدَلفة . . الخ . » !

وفي تفسيرِ القُرطبي : 20 / 155 ، أنَّ ابنَ عبّاسٍ تابَ رجعَ عن قولهِ بأنّها الخيلُ إلى قولِ عليٍّ « عليهِ السَّلامُ » بأنّها الإبِلُ ! وفرحَ ابنُ حجَرٍ فرحَ بذلكَ كبقيَّةِ علماءِ السُّلطةِ ، لأنَّهُ يُغَطّي غزوَةَ ذاتِ السَّلاسِلِ ويَجعَلُ للإبلِ حَوافرَ تُوري بها الصُّوانَ قَدحاً !

2 - تقَعُ ذاتُ السَّلاسِلِ منْ جهَةِ مَكَّةَ والبحرِ ، وقد نصَّتْ رِواياتُها على أنَّ مسافَتها عنِ المدينةِ خَمسَ مَراحلَ أي خمسَةَ أيّامٍ في المُتوسِّطِ ، وأنَّ عليّاً « عليهِ السَّلامُ» إتَّجهَ أوّلاً نحوَ العراقِ لِيَخدعَ جَواسيسَ بني سُليم بأنَّهُ مُتَّجِهٌ إلى العراقِ لا إليهِم ، فهم إذنْ مِنَ الجِهَةِ المُخالفَةِ للعراقِ ، وهيَ جهَةُ مكَّةَ واليَمنِ .

وجاءَ في إحدى رِواياتِها : « فَهزموهُ حتّى بلغَ جندُهُ سيفَ البحرِ فرجعَ عمرُ مِنهم مُنهَزِماً » ( تأويلُ الآياتِ : 2 / 840 ) . وهذا يَعني أنّها في جهَةِ البَحرِ الأحمرِ ، وكأنّها جِبالُ رَضوى الّتي هيَ منازِلُ بني سُليم ( معجَمُ البُلدان : 3 / 181 ) .

وقَد سَمَّتها بعضُ رِواياتها غزوَةَ بني سُليم ، قالَ في كَشفِ الغمَّةِ : 1 / 232 : « نزلَتْ في حقِّ عليٍّ « عليهِ السَّلامُ » وإنتصارِهِ على بَني سُليم .

أمّا ذا تُ السَّلاسِلِ الحكوميَّةِ فهيَ بلادُ بلي وعذرَةَ ، الّتي تقَعُ وراءَ وادي القُرى أي في أرضِ الشّامِ قريبَ تَبوك ، وجَعلَها بعضُهم في الكاظِمَةِ قُربَ البصرةِ . فهيَ مِنَ الجهَةِ المُخالفَةِ جُغرافيّاً ، وأبعدَ بِضعفَيْنِ عن ذاتِ السَّلاسِلِ الحقيقيَّةِ .

3 - لا يُمكِنُكَ أنْ تفهَمَ غزوةَ ذاتِ السَّلاسِلِ الحُكوميَّةِ ، فلا أسماءَ ولا قِتالَ ! ورِواياتُها متهافتَةٌ في الهَدفِ والنَّتيجةِ والأحداثِ ! تقولُ مرَّةً إنَّ النَّبيَّ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » بَعثَ إبنَ العاصِ في مِئتي فارسٍ إلى أخوالِهِ ، عَشيرةِ أمِّهِ النّابغَةِ ، لِيدعوهم إلى الإسلامِ أو يُقاتلْهم ! وأنَّ العدُوَّ كانَ قوياًّ فبعَثَ إبنَ العاصِ إلى النّبيِّ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » يطلبُ مَدداً فأمدَّهُ بأبي عُبيدةَ في ثلاثِ مئةٍ فيهِم أبو بكرٍ وعمر !

وتقولُ إنَّ الثَّلاثَةَ إختَلفوا معَ ابنِ العاصِ لكنَّهم أطاعوهُ ، ثمَّ لا تذكرُ أحداثاً مع عدوٍّ ولا معركةٍ ! ومعَ ذلكَ تقولُ إنَّ ابنَ العاصِ دوَّخَ القبائِلَ ، ورَجع !

4 - نُلاحِظُ أنَّ السِّياقَ النبويَّ والعَمليَّ لهذهِ الغَزوةِ كَسياقِ مُحاصرةِ حِصنِ القموصِ في خيبرَ ، حيثُ عجَزَ الصَّحابَةُ عن فتحِهِ ، فبعَثَ النَّبيُّ « صلّى اللهُ عليه وآله » عليّاً « عليهِ السَّلامُ » .

وكذلكَ إستقبالُهُ لعليٍّ « عليهِ السلامُ » ومدحُهُ له يشبَهُ ما قالَهُ في حقِّهِ بعدَ فتحِ خيبرَ . وهوَ يكشُفُ عن خطورَةِ تجَمُّعِ بني سُليم وهم قبيلةٌ كبيرَةٌ ومَعهُم لفيفٌ منْ غَيرِهم .

5 - كانَ وَقتُ هذهِ الغزوَةِ مُعاهدةِ الحديبيَّةِ وبعدَ مؤتَةَ وتَحشيدِ هرقلَ لغزوِّ المدينةِ . وقد تكونُ قريشٌ أو هرقل حرَّكوهم وأمدّوهم بالمالِ لِيَغزوا المَدينةَ .

غزوةُ ذاتِ السَّلاسِلِ الّتي إخترَعها رواةُ السُّلطةِ !

ذكروا أنَّ النبيَّ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » أرسلَ ابنَ العاصِّ في سَريَّةٍ إلى بلادِ بلي وعُذرة ، لِيَدعوهم إلى الإسلامِ ، ولمْ يَذكروا أنَّهُ وقعَ فيها قتالٌ ولا كانَ فيها أسرى ولا غَنائمُ ، لكنْ قالوا إنَّ عَمرو بنَ العاصِ جابَ بِلادَهم ودَوَّخَهم !

قالَ ابنُ هشامٍ : 4 / 1040 : « وغزوةُ عَمرو بنِ العاصِ ذاتِ السِّلاسِلِ من أرضِ بلي وعذرةَ ، وكانَ منْ حديثِهِ أنَّ رسولَ اللهِ ( ص ) بعثَهُ يَستنفِرُ العربَ إلى الشّامِ .

وذلكَ أنَّ أمَّ العاصِ بنِ وائلٍ كانَتْ امرأةً مِنْ بلي ، فبَعثَهُ رسولُ اللهِ إليهم يَستألِفُهم لذلكَ ، حتّى إذا كانَ على ماءٍ بأرضِ جُذام ، يُقالُ لهُ السِّلسِل وبذلكَ سُمِّيَتْ تلكَ الغزوةُ ، غَزوةَ ذاتِ السَّلاسِلِ ، فلمّا كانَ عليهِ خافَ فبعَثَ إلى رسولِ اللهِ ( ص ) يستمدُّهُ ، فبعَثَ إليهِ رسولُ اللهِ أبا عبيدَةَ بنَ الجَّراحِ في المُهاجرينَ الأوّلينَ فيهِم أبو بكرٍ وعمرُ وقالَ لأبي عُبيدَةَ حينَ وجَّهَهُ : لا تَختلِفا .

فخرَجَ أبو عبيدةَ حتّى إذا قدمَ عليهِ قالَ لهُ عَمرو : إنّما جئتَ مَدَداً لي ، قالَ أبو عبيدةَ : لا ، ولكنّي على ما أنا عليهِ وأنتَ على ما أنتَ عليهِ ، وكانَ أبو عبيدةُ رجُلاً لَيِّناً سَهلاً هَيِّناً عليهِ أمرُ الدُّنيا ، فقالَ لهُ عَمرو : بل أنتَ مدَدٌ لي فقالَ أبو عبيدةَ : يا عَمرو ، إنَّ رسولَ اللهِ ( ص ) قال لي : لا تَختلِفا وإنَّكَ إنْ عَصَيتَني أطعتُكَ ، قالَ : فإنّي الأميرُ عليكَ وأنتَ مدَدٌ لي ، قال فدونكَ ، فصلّى عَمرو بالنّاس . . » .

ونحوَهُ الطَّبريّ : 2 / 315 ، وذَكرَ أنَّ عددَ سَريَّةِ عَمرو كانَ ثلاثَ مئةٍ ، وقالَ : « ثمَّ إستمَدَّ رسولُ اللهِ فأمدَّهُ بأبي عُبيدةَ بنِ الجَّراحِ على المُهاجرينَ والأنصارِ ، فيهِم أبو بكرٍ وعمرُ في مائتينِ ، فكانَ جَميعُهم خَمسَ مائةٍ » .

أقولُ : لم يذكرْ ابنُ هشامٍ ولا ابنُ إسحاقَ ولا الطَّبريّ نتيجَةَ هذهِ الغزوَةِ أو السَّريَةِ والسَّبَبُ : أنّها مكذوبَةٌ ولا نتيجةَ ملموسةٌ لحربِ مكذوبَةٍ !

وتضحَكُ مِنْ كَلامِ إبنِ سَعدٍ في الطَّبقاتِ : 2 / 131 ، قالَ : « وكانَ عَمرو يُصلّي بالنّاسِ ، وسارَ حتّى وطَأ بلادَ بلي ودوَّخَها ، حتّى أتى إلى أقصى بلادِهم وبلادِ عُذرةَ وبلقينَ ، ولَقيَ في آخرِ ذلكَ جَمعاً فحَملَ عليهِمُ المُسلمونَ فهَربوا في البِلادِ وتفرَّقوا . ثمَّ قفلَ » !

على أنَّ مَكانَ ذاتِ السَّلاسلِ الحُكوميَّةِ يصعُبُ تحديدُهُ ، فذاتُ السَّلاسلِ مَنطقَةٌ قُربَ الكاظمَةِ في الكويتِ ، كما في مَكتبَةِ الخرائِطِ :

22 http : / / sirah . al - islam . com / map - pic . asp ? f = mapa

وهوَ أيضاً إسمُ مَنطقةٍ بعدَ وادي القُرى منْ جِهَةِ الشّام ، بَينَها وبَينَ المَدينةِ عشرَةُ أيّامٍ كما في ( الطَّبقات : 2 / 131 ) . ولَعلَّها هيَ المَقصودَةُ بذاتِ السَّلاسِلِ في مَصادرِ السِّيرةِ الحُكوميّةِ ، وقد سُمِّيَتْ بِذلكَ لأنَّ جِبالَها مُتموِجَةٌ كالسَّلاسِلِ .

وذَكرَ رُواةُ السُّلطةِ أنّها كانَتْ في الشِّتاءِ فأرادَ عمرُ أنْ يُشعِلَ ناراً فنهاهُ ابنُ العاص ، فَكَلَّمهُ أبو بكرٍ وتَصايحا فلمْ يقبَلْ ، وقالَ منْ أشعَلَ ناراً ألقيتُهُ فيها !

وهذا يؤيِّدُ أنّها غيرُ ذاتِ السَّلاسِلِ الْتي نزلَتْ  في شَأنها سورَةُ العادياتِ الّتي يَبدو أنَّها كانتْ في الصَّيفِ ، وأثارتْ الخيلُ بحوافِرِها النَّقعَ أي الغُبارَ .

وذَكروا أنَّ ابنَ العاصِ ذبَحَ بَعيراً لآخرينَ وسلخَهُ وأخذَ أجرتَهُ مِنْ لحمِهِ ، فأطعَمَهُم منهُ ، ولمّا عرفَ أبو بكرٍ أنَّه أجرةُ ذبحِهِ تقيَّأ ما أكلَهُ ، لأنَّه حَرام !

ورَووا فيها أنَّ رجلاً اسمهُ رافعُ بنُ عَمرو رافقَ أبا بكرٍ فيها فقالَ لهُ عِظني ، فوَعظَهُ بما وعظَهُ بهِ النَّبيُّ « صلّى الله ُعليهِ وآلهِ » أن يبتعِدَ عنِ الإمارَةِ ، ولا يتأمَّرَ على أحدٍ كُلَّ عُمرهِ ! ولمّا سمِعَ ذلكَ الرّجلُ بأنَّ أبا بكرٍ صارَ خليفةً جاءً إليهِ وذكَّرهُ بما قالَهُ فقالَ لهُ : أجبَروني على الخلافَةِ ، لأنَّهُم خافوا على المُسلمينَ الفُرقةَ ! ( تاريخ دمشق : 18 / 10 وابن هشام : 4 / 1041 ) جواهر التاريخ ( السيرة النبوية ) للشيخ علي الكوراني ج2 ص580 وما بعد .

 وَدُمْتُم سَالِمِينَ