ما هوَ العَقلُ، وما هو الدَّليلُ عَليه؟

صباح حسن: السُّؤالُ الأوَّلُ: كيفَ خلقَ اللَّهُ العَقلَ؟ وما هوَ الدَّلِيلُ على وُجُودِ العَقْلِ؟ وأينَ يَقَعُ؟ وهَلِ يَتِمُّ التفْكِيرُ فِي العَقْلِ أمْ فِي القَلْب؟ وما هيَ الأدِّلَّةُ؟ السُّؤالُ الثّاني: هل خَلَقَ اللّهُ عُقُولَ جَمِيعِ خَلْقِه على سَوِيَّةٍ وَاحِدَةٍ؟ وهَلْ يُعَاقِبُ اللّهُ النَّاسَ عَلَى قَدْرِ عُقُولِهِمُ؟ جَزَاكُمُ اللّهُ خَيْرَاً.

: اللجنة العلمية

الأخُ صباح المُحترَمُ، السَّلامُ عليكُم ورَحمَةُ اللهِ وبركاتُهُ 

إنَّ العَقْلَ فِي مَنْطِقِ القُرْآنِ والرِوُايَاتِ نُوُرٌ ظَاهِرٌ بِذَاتِهِ وَمُظْهِرٌ لِغَيْرِهِ يَعْرِفُهُ مَن وَجَدَهُ ويَجْهَلُهُ مَن فَقَدَهُ فَمَنْ طَلَبَ العَقْلَ بِالتَّعْرِيْفَاتِ وَالحُدُودِ وَالمَفَاهِيْمِ فَقَدْ طَلَبَ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ العَقْلَ لَا يُعرَّفُ بِالتَّعْرِيفَاتِ وَلَا يُدْرَكُ بِالحُدُودِ وَالمَفَاهِيْمِ وَالتَّصَوُرَاتِ. فَالعَقْلُ فِي الكِتَابِ وَالسُّنَةِ هُوَ : (النُّوُرُ الصَّرِيحُ الَّذِي أَفَاضَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَى الأَرْوَاحِ الإِنْسَانِيَّةِ وَهُوَ الظَّاهِرُ بِذَاتِهِ وَالمُظْهِرُ لِغَيْرِهِ وَهُوَ حُجَّةٌ إِلَهِيَّةٌ مَعْصُوْمَةٌ بَالذَّاْتِ مُمْتَنِعٌ عَنِ الخَطَأِ وَهُوَ قَوَامُ حُجِّيَّةِ كُلِّ حُجَّةٍ وَهُوَ مَلَاكُ التَّكْلِيْفِ وَالثَّوَابِ وَالعِقَابِ)(1).

وَالإِنْسَانُ العَاقِلُ بِطَبْعِهِ مُلْتَفِتٌ إِلَى حَقِيْقَةِ هَذَا النُّوْرِ حَيْثُ يُدْرِكُهُ تَمَامَ الإِدْرَاكِ مِنْ دُوْنِ شَكٍّ أَوْ اِرْتِيَابٍ؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ بِنَفْسِهِ لِنَفْسِهِ دَاْلٌّ عَلَى ذَاتِهِ بِذَاتِهِ وَمَعْ شِدَّةِ وُضُوْحِهِ عِنْدَ كُلِّ عَاْقِلٍ إلَّا أَنَّهُ لَا يُعَرَّفُ بِالعِبَارَاتِ وَلَا يُدْرَكُ بِالتَّصَوُرَاتِ فَكُلُّ تَعْرِيفٍ أَوْ وَصْفٍ يَأْتِيْ بَعْدَ مَرْتَبَةِ مَعْرِفَتِنَا بِالعَقْلِ؛ لِأَنَّ مَعْرِفَتَنَا بِهِ سَاْبِقَةٌ لِمَعْرِفَتِنَا بِالتَّعْرِيْفِ نَفْسِهِ فَلَا يَكُونُ المُعَرَّف أكْثَرُ ظُهُوْرَاً وَوُضُوْحَاً مِنَ المُعَرِّفِ فَلَاْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ المُتَأخِّرُ رُتْبَةً مُعرِّفَاً لِلْمُتَقَدِمِ عَلَيْهِ رُتْبَةً؛ إذَن كَيْفَ يُمْكِنُ أنْ يُعرَّفَ العَقْلُ؟ هَلْ بِالْعَقْلِ أَمْ بِشَيءٍ آخَرَ؟

صَحِيْحٌ يُمْكِنُنَا تَعْرِيْفُ العَقْلِ بِآيَاتِهِ وَعَلَامَاتِهِ؛ كَأنْ نَقُولَ مَثَلاً أنَّ العَقْلَ هُوَ الَّذِيْ يُدْرِكُ الْحَقَائِقَ أَوْ أَنَّ العَقْلَ هُوَ عِقَالٌ مِنَ الجَهْلِ وَغَيْرَ ذَلِكَ إِلَّا أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ لَيْسَ تَعْرِيفَاً لِحَقِيقَةِ الْعَقْلِ بِمَا هُوَ هُوَ وَإنَّمَا هُوَ تَعْرِيْفٌ بِالْآَيَاتِ وَالعَلَامَاتِ مِمَّا يَعْنِيْ أَنَّ حَقِيْقَتَهُ تَتَأبَّى وَتَتَقَدَّسُ مِنْ أَنْ تَكُوْنَ مُعرَّفَةً أَوْ مُتَصَوَّرَةً؛ لِأَنَّهُ نُورٌ وَالنُّوْرُ يُدْرِكُهُ الإِنْسَانُ مَتَى مَا وَجَدَهُ فِيْ نَفْسِهِ وَتَجَلَّى فِي ذَاتِهِ، فحَالُهُ كَحَالِ الْحَقَائِقِ النُّوْرِيَّةِ الْتِي يُدْرِكُهَا الإِنْسَانُ عِنْدَمَا يَجِدُهَا (كالقُدْرَةِ والسَمْعِ والبَصَرِ والرَّحْمَةِ والحَيَاةِ..) فَيَعْرِفُهَا بِوِجْدَانِهِ لَهَا وَإذَا فَقَدَهَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَعْرِفَهَا حَتى لَوْ عَرَّفْنَاهَا لَهُ بِآلَافِ العِبَارَاتِ؛ لِأَنَّهَا حَقَائِقُ نُورَانِيَّةُ يَعْرِفُهَا مَنْ وَجَدَهَا وَيَجْهَلُهَا مَنْ فَقَدَهَا فَالنُّوْرُ مَثَلاً يُقَالُ عَنْهُ بِأنَّهُ كَاشِفٌ وَالكَاشِفِيَّةُ هِيَ مِنْ آيَاتِهِ وَلَيْسَتْ حَقِيقَتَهُ وَكَذَلِكَ السَّمْعُ مَا بِهِ نَسْمَعُ وَالبَصَرُ مَا بِهِ نُبْصِرُ وَالقُدْرَةُ مَا بِهَا نَتَحَرَكُ وَالرَّحْمَةُ مَا بِهَا نَعْطِفُ عَلَى المُحْتَاجِ إلَّا أنَّ كُلَّ ذَلِكَ هِو آيَاتٌ وَعَلَامَاتٌ لِلْسَمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْقُدْرَةِ وَالرَّحْمَةِ أمَّا هِيَ نَفْسُهَا فَنُعَرِّفُهَا بِوِجْدَانِنَا لَهَا فَالأعْمَى مَثَلاً لَا يُمْكِنُهُ بَلْ يَسْتَحِيْلُ عَلَيْهِ أَنْ يَعْرِفَ مَعْنَى الْبَصَرِ مَهْمَا اِجْتَهَدْنَا فِيْ تَعْرِيْفِهِ لَهُ وَلَا سَبِيلَ إلى مَعْرِفَتِهِ إِلَّا إِذَا وَجَدَهُ وَصَارَ بَصِيْرَاً وَكَذَلِكَ هُوُ حَالُ العَقْلِ.

وبِنَاءً عَلَى ما سَلَف، فإنَّنَا لَا نَجِدُ آيَةً وَاحِدَةً فِي القُرْآنِ قَاْمَتْ بِدَوْرِ الشَّرْحِ وَالتَّعْرِيْفِ لِلعَقلِ ؛ وإنَّمَا كُلُّ الْآيَاتِ إرْتَكَزَتْ عَلَى وُضُوحِ هَذِهِ الْحَقِيقَةِ لَدَى الإنْسَانِ؛ لِكَوْنِهِ وَاضحاً وظَاهِرَاً لَدَى كُلِّ عَاقِلٍ فَلَمْ يَأتِي العَقْلُ فِي القُرْآنِ بِصِيْغَةِ الإسْمِ أَو المَصْدَرِ وإنَّمَا جَاءَ فِعْلَاً فَكُلُّ المَوَارِدِ الَّتِيْ أَشَارَ فِيْهَا القُرْآنُ لِلْعَقْلِ جَاءَت بِصِيغَةِ الفِعْلِ فَمَادَّةُ (عَقَلَ) وَمُشْتَقَّاتُهَا تَكَرَّرتْ فِي القُرْآنِ الكَرِيْمِ تِسْعَاً وَأَرْبَعِينَ مَرَّةً جَاْءَتْ فِي جَمِيعِ مُكَرَرَّاتِهَا بِصِيْغَةِ الْفِعْلِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقُرآنَ إعْتَمَدَ عَلَيْهِ بِشَكْلٍ مُبَاشِرٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَهْتَمَّ بِبَيَانِ مَا هُوَ؟ وَكَيْفَ هُوَ؟ بَلْ طَلَبَ مِنَ الِإنْسَانِ فَقَطْ إسْتِخْدَامَ عَقْلِهِ مِنْ أَجْلِ الوُصُولِ إلَى الْحَقَائِقِ.

وَعَلَيْهِ فِإنَّ الْأسْئِلَةَ عَنْ كَيْفَ خَلَقَ اللّهُ العَقْلَ؟ ومَا هُوَ؟ وَأيْنَ يُوجَدُ؟ لَا تُمَثِّلُ مَحَلَّ إهْتِمَامِ القُرْآنِ. فَمَا إهْتَمَّ بِهِ القُرْآنُ هُوَ تَحْرِيْضُ الإنْسَانِ عَلَى إِسْتِخْدَامِ عَقْلِهِ الّذِي يَجِدُهُ فِيْ نَفْسِهِ وَيَشْعُرُ بِهِ فِي عُمْقِ كَيَانِهِ.

أمَّا مَا يَخُصُّ التَّفَكُّرَ نَجِدُ أَنَّ آَيَاتِ القُرْآنِ الَّتِي أَمَرَتْ بِالتَّفَكُّرِ إِنَّمَا كَانَتِ تَقْصِدُ الجَّانِبَ العَمَليَّ مِنْهُ وَلَا تَقْصِدُ تَحْقِيْقَ عِلْمٍ وَمَعْرِفَةً نَظَرِيَّةٍ. فَالفِكْرُ فِي اللُّغَةِ هُوَ إِعْمَالُ الخَاطِرِ فِي الشِّيءِ. وَقَدْ قَاَلَ الجُّوهَرِيُّ: (التَّفَكُّرُ: التَّأمُّلُ والاسمُ الفِكْرُ والمَصْدَرُ الفَكْرُ بالفَتح(2). ويَبْدُو أَنَّ التَّفَكُّرَ فِي الإصْطِلَاحِ القُرْآنِيِّ أَقْرَبُ لِلْدَّلَالَةِ الأخْلَاقِيَّةِ مِنْهُ إِلَى الدَّلَالَةِ النَّظَرِيَّةِ المُجَرَّدَةِ كَمَا يُعَبِرُّ الشَرْبْاصِيُّ بِقَوْلِهِ: "التَّفَكُّرُ بِالْمَعْنَى الأخْلَاقِي الإسْلَامِي القُرْآنِيِ: هُوَ أَنْ يَنْظُرَ الإنْسَانُ فِي الشَّيْءِ عَلَى وَجْهِ العِبْرَةِ وَالعِظَةِ لِتَقْويَةِ جَوَانِبِ الخَيْرِ والصَّلَاحِ وَمُقَاوَمَةِ دَوَاعِيْ الشَّرِ وَالفْسَادِ"(3). وَهَذَا المَعْنَى لَا يُخَالِفُ الدَّلَالَةَ اللُّغَويَّةَ؛ لأنَّ إِعْمَالَ (الْخَاطِرِ فِيْ الشِّيءِ) يَعْنِي الْبَحْثَ فِي ذَلِكَ الشِّيءِ مِن أيْنَ؟ وإِلَى أَيْنَ ؟ وَمَا هِيَ الغَايَةُ مِنْهُ؟. وَبِحَسَبِ التَّتَبُعِ نَجِدُ أنَّ الآيَاتِ الَّتِي جَاءَ فِيهَا ذِكْرُ التَّفَكُرِ تَقْصِدُ التَّفَكُرَ فِيْ عَاقِبَةِ الْأُمُورِ وَهُوَ الْكَفِيلُ بِضَبْطِ سُلُوكِ الْإِنْسَانِ بِمَا يَتَنَاسَبُ مَعْ العَوَاقِبِ وَالغَايَاتِ وَالْأَهْدَافِ وِبِالتَّالِي يَتَجَنَّبُ الإِنْسَانُ العَوَاقِبَ السَّيِّئَةَ لِأَفْعَالِهِ وِبِذَلِكَ يُمْكِنُنُا أنْ نَفْهَمَ أَنَّ القُرْآنَ قَصَدَ تَوْجِيْهَ الإهْتِمَامِ إِلَى مَا يُفِيدُ الإنْسَانَ وَعَمِلَ عَلَى صَرْفِ إهْتِمَامِهِ عَمَّا يُضَيِّعُ وَقْتَهُ مِنَ البَحْثِ وَالنَّظَرِ فِيْمَا لَيْسَ فِيْهِ ثَمَرٌةٌ.

أمَّا فِيْمَا يَتَعَلَّقُ بِالشِّقِ الثَّانِي مِنَ السُّؤَالِ، فَقَدْ أَكَّدَتِ كَثِيرٌ مِنَ الرِّوَايَاتِ عَلَى كَوْنِ العَقْلِ هُوَ مَدَارَ التَّكْلِيفِ عِنْدَ الإنْسَانْ. وَقَدْ رَوَى الكُلَيْنِيُّ فِي بَابِ العَقْلِ والجَهْلِ عَن مُحَمدٍ بِن مُسْلِمَ عَنْ أبِي جَعْفَرَ عَليْهِ السَّلامُ قَالَ: لَمَّا خَلَقَ اللّهُ العَقْلَ إسْتَنْطَقَهُ ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَقْبِلْ فَأَقْبَلَ ثُمَ قَالَ لَهُ: أَدْبِرِ فَأَدْبَرَ ثُمَّ قَالَ: وَعِزَّتِيَ وَجَلالِيَ مَا خَلَقْتُ خَلْقَاً هُوَ أَحَبُّ إليَّ مِنْكَ وَلَا أَكْمَلْتُكَ إلَّا فِيْمَنْ أُحِبُ أَمَا إِنِّي إيَّاكَ آَمُرُ وَإيَّاكَ أنْهَى وإيَّاكَ اُعَاقِبُ وإيَّاكَ أُثِيْبُ).  ورُويَ أيْضَاً عَن عَلي بِن مُحمَّد عَن سَهْل بِن زِيَاد عَن مُحَمَّد بِن سُلَيْمَانَ عَنْ عَلِيّ بِنْ إِبْرَاهِيْمَ عَن عَبْدِ اللّهِ بِن سِنَان عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَال: (حُجَّةُ اللّهِ عَلَى العِبَادِ النَّبِيُ. وَالحُجَّةُ فِيمَا بَيْنَ العِبَادِ وَبَيْنَ اللَّهِ العَقْلُ). وَرُوِيَ عَن الحُسَينِ بِن مُحمَد عَن أَحْمَدَ بِن مُحمَد السَّيَّاريُّ عَن أَبِي يَعْقُوبَ البَغْدَادِيَّ قَالَ: فَقَالَ إبْنُ السُّكَيْتِ تَاللّهَ مَا رَأَيْتُ مِثْلَكَ اليَوْمَ قَطُّ فَمَا الحُجَّةُ عَلَى الخَلَقِ اليَوْمَ؟ فَقَالَ عَلَيهِ السَّلَامُ: (العَقْلُ) يُعْرَفُ بِهِ الصَّادِقُ عَلَى اللَّهِ فَيُصَدِّقَهُ وَالكَاذِبُ عَلَى اللَّهِ فَيُكَذِّبَهُ فَقَالَ إِبْنُ السُّكَيْتِ: هَذَا وَاللّهِ الجُوَابُ.

فَبِالإِضَافَةِ لِمَا تُثْبِتُهُ هَذِهِ الرِّوَايَاتُ مِنْ حَالَةِ التَّطَابُقِ بَيْنَ العَقْلِ وَالوَحْيِ تُؤَكِّدُ أَيْضَاً عَلَى أنَّ العَقْلَ هُوَ مَدَارُ الحُجْةِ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ عَبْدِهِ وَمِنْ هُنَا نَرْفُضُ كُلَّ التَّشْكِيْكَاتِ الَّتِي تُحَاوِلُ أَنْ تُقَلِّلَ ثِقَةَ الإِنْسَانِ فِي التَّعَقُّلِ.

وَيَبْدُو أَنَّ العَقْلَ الَّذِي هُوَ مَدَارُ التَّكْلِيْفِ مُتَسَاوٍ بَيْنَ جَمِيْعِ البَشَرِ فَلَا يُكَلِّفُ اللَّهُ الإِنْسَانَ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَجْعَلَهُ عَاقِلاً قَادِرَاً عَلَى التَّمْيِيْزِ بَيْنَ الحَقِ وَالبَاطِلِ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ مِنْ تَمَايُزِ العُقُولِ بِسَبَبِ الظُّرُوفِ الخَارِجِيَّةِ فَمَنْ نَشَأَ فِي أَجْوُاءٍ تُنَمِّي العَقْلَ يَخْتَلِفُ تَفْكِيرُهُ عَمَّنْ لَمْ تَتَوَفَّرْ لَهُ هَذِهِ الأَجْوَاءُ ومَن تَوَفَرَّتْ لَهُ الظُّرُوفُ العِلْمِيَّةُ والتَّعْلِيْمِيَّةُ يَكُوْنُ أَكْثَرَ نُضْجَاً مِمَّنْ لَمْ يَتَوَفَّرْ لَهُ ذَلِكَ وَلِذَلِكَ نَرْصُدُ تَبَايُنَاتٍ بَيْنَ البَشَرِ فِي مُسْتَوَى الإِدْرَاكِ وَالفَهْمِ وِمِنْ هُنَا يُمْكِنُنَا أَنْ نَفْهَمَ الرِّوَايَاتِ الَّتِي جَعَلَتِ الحِسَابَ يَوْمَ القِيَامَةِ بِقَدَرِ العُقُولِ فَمَنْ تَهَيَّأتْ لَهُ الظُّرُوفُ فِيْ طَلَبِ العِلْمِ وَتَوَفَّرَتِ لَهُ الأجْواءُ العِلْمِيَّةُ تَتَضَاعَفُ مَسْؤُوْلِيّتُهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ الإِنْسَانِ الَّذِي لَمْ تَخْدِمْهُ الظُّرُوْفُ فِي تَحْقِيْقِ كُلِ ذَلِكَ كَمَا أَنَّ الدَّرَجَاتِ وَالثَّوَابَ الَّذِي يَنَالُهُ الإِنْسَانُ يَكُوْنُ أَيْضَاً بِمِقْدَارِ فَهمِهِ وإِدْرَاكِهِ وَقَدْ جَاءَ فِيْ الأخْبَارِ كَمَا عَنِ الإمَامِ الكَاظِمِ عَلَيهِ السَّلَامُ قَوْلُهُ: (مِمَّا أٌوحِيَ إلى مُوسَى (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أَنَا أُؤَاخِذُ عِبَادِي عَلَى قَدْرِ مَا أَعْطَيْتُهُمْ مِنَ العَقْلِ). وَقَالَ أَيْضَاً (عَلَيهِ السَّلَامُ): إنَّمَا يُدَاقُّ اللَّهُ العِبَادَ فِي الحِسَابِ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى قَدْرِ مَا آَتَاهُمُ مِنَ العُقُولِ فِي الدُّنْيَا). وَعَنْهُ (عَلَيْهِ السَّلامُ): وَجَدْتُ فِي الكِتَابِ - يَعنْي كِتَابَاً لِعَلِيٍّ (عَلَيهِ السَّلامُ) - أنَّ قِيْمَةَ كُلِ إمْرِئٍ وَقَدْرَهُ مَعْرِفَتَهُ إنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يُحَاسِبُ النَّاسَ عَلَى قَدْرِ مَا آَتَاهُمُ مِنَ العُقُولِ فِي دَارِ الدُّنْيَا).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الميانجي محمد باقر الملكي. توحيد الإمامية منشورات دار البذرة أيران الطبعة الأولى 1435 هـ ق ص 21

(2) لسان العرب لابن منظور ج 5 ص 3451 دار المعارف

(3) موسوعة أخلاق القرآن للشرباصي ج 2 ص 226