هل وطأت الخيل جسد الحسين (ع)؟

توصيف رضا خان / باكستان / : هل وطأت الخيلُ جسدَ الإمامِ الحسين عليه السلام؟

: اللجنة العلمية

الْأَخُ توصيف الْمُحْتَرَمُ، السَّلَاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.

الثابتُ والمشهورُ في كتب التاريخ والمقاتل أنّ عُمَرَ بن سعد نادى:- مَنْ ينتدب إلى الحسين (عليه السلام) فيُوطِئ الخيلَ صدرَه وظهرَه ؟ فقام عشرةٌ - ذَكرَ المؤرخونَ أسماءَهم - فداسُوا بخيولِهم جسدَ ريحانةِ رسولِ الله صلى الله عليه وآله .

انظر : تاريخ الطبري ج4 ص347 ، الإرشاد للمفيد ص303 ، مروج الذهب للمسعودي ج3 ص62 ، الكامل في التاريخ لابن الأثير ج3 ص184 ، اللهوف لابن طاووس ص182 ، المناقب لابن شهر آشوب ج4 ص121 ـ مقتل الحسين للخوارزمي ج1 ص150 ، روضة الواعظين للفتال النيسابوري ص189 ، وغيرها .

قال السيد ابن طاووس : ( قال الراوي : ثم نادى عمرُ بنُ سعد في أصحابه : مَنْ ينتدب للحسين فيوطئ الخيلَ ظهرَه وصدره ؟ 

فانتدبَ منهم عشرةٌ وهم : إسحاقُ بن حوبةَ الذي سَلَبَ الحسين عليه السلام قميصَه, وأخنسُ بن مرثد ، وحكيمُ بن طُفيل السبيعي ، وعمرُ بن صبيح الصيداوي ، ورجاءُ بن منقذ العبدي ، وسالمُ بن خيثمة الجعفي ، وصالحُ بن وهب الجعفي ، وواحظ بن غانم ، وهاني بن ثبيث الحضرمي ، وأسيد بن مالك (لعنهم الله) . فداسُوا الحسينَ عليه السلام بحوافرِ خيلِهِم حتى رضُّوا ظهرَه وصدره.

قال الراوي : وجاء هؤلاءِ العشرةُ حتى وقفوا على ابن زيادٍ لعنه اللهُ فقال أسيدُ بنُ مالك - أحد العشرة - : 

نحن رضَضْنَا الصدرَ بعد الظهرِ *** بكلِ يعبوبٍ شديدِ الأسرِ

فقال ابنُ زياد : من أنتم ؟ قالوا : نحن الذين وطئنا بخيولِنا ظهرَ الحسين حتى طحنَّا حناجرَ صدرِهِ !

قال : فأمَرَ لهم بجائزةٍ يسيرة .

قال أبو عُمرَ الزاهد : فنظرنا إلى هؤلاءِ العشرةِ فوجَدْنَاهم جميعاً أولادَ زنا !

وهؤلاءِ أخذَهُم المختارُ فشدَّ أيديَهم وأرجُلَهم بسككِ الحديد وأوطأ الخيلَ ظهورَهم حتى هلكوا ).

 اللهوف لابن طاووس ص182 ، ومثير الأحزان لابن نما ص59 .

وقال ابو ريحان البيروني : ( وفُعِلَ به - الحسين - وبهم ما لم يُفعلْ في جميعِ الأممِ بأشرارِ الخلقِ من القتلِ بالعطش والسيف والإحراق وصلب الرؤوس وإجراء الخيولِ على الأجساد .) الآثار الباقية 329 .

وهي روايةُ أبي مخنفٍ عن حميد بن مسلم كما يظهر من تاريخ الطبري وارشاد المفيد وغيرهما .

- وكان هذا الفعلُ منهم تنفيذاً لأمرِ عبيدِ اللهِ بن زياد لعنه الله ، حيث كتب الى عمرَ بنِ سعد : ( إني لم أبعثْكَ إلى الحسينِ لتكُفَّ عنه ولا لتطاوِلَه ولا لتمنّيه السلامةَ والبقاءَ, ولا لتعتَذِرَ له ولا لتكونَ له عندي شافعا ، انظُرْ فإنْ نزلَ حسينٌ وأصحابُهُ على حكمي واستسلموا فابعثْ بهم إليَّ سلما ، وإنْ أبَوا فازحَفْ إليهم حتى تقتلَهُم وتمثِّلَ بهم ، فإنهم لذلك مستحقون !

 وإن قُتِلَ الحسينُ فأوطِئ الخيلَ صدرَه وظهرَه ، فإنه عاتٍ ظلوم ! وليس أرى أن هذا يضرُّ بعد الموت شيئاً ، ولكن علي قولٍ قد قلتُهُ : لو قتلتُهُ لفعلتُ هذا به ، فإن أنتَ مضيتَ لأمرِنا فيه جزيناك جزاءَ السامع المطيع ، وإن أبيتَ فاعتزلْ عملنا وجُنْدَنا ، وخلِّ بين شمر بن ذي الجوشن وبين العسكر فإنا قد أمرناهُ بأمرِنا ، والسلام .)

أنساب الأشراف للبلاذري ج3 ص183 ، الارشاد للمفيد ص287 ، المنتظم لابن الجوزي ج5 ص337 ،  مقتل الحسين للخوارزمي ج1 ص150 ، وغيرها .

قال الكراجكي : ( وأما بنو السرج : فأولاد الذين أُسرِجَتْ خيلُه لدوس جسد الحسين ( عليه السلام ) ، ووصل بعضُ هذه الخيل إلى مصر ، فعُلِقَتْ نعالُها من حوافرِها وسُمِّرتْ على أبواب الدور ليُتَبَرَكَ بها ، وجرت بذلك السُنَّة عندهم حتى صاروا يتعمَّدون عَمَلَ نظيرِها على أبواب دور أكثرِهِم .) التعجب من أغلاط العامة 116 .

- ولكن نقل الكليني روايةً يظهر منها عدم حصول ذلك حيث روى بسندِهِ عن إدريس بن عبد الله الأودي قال : لما قُتِلَ الحسينُ عليه السلام أراد القوم أن يوطئوه الخيل ، فقالت فضةُ لزينب : يا سيدتي إن سفينة كسر به في البحر فخرج إلى جزيرةٍ فإذا هو بأسد ، فقال : يا أبا الحارث أنا مولى رسول الله صلى الله عليه وآله ، فَهَمْهَمَ بين يديه حتى وقف على الطريق والأسد رابضٌ في ناحية ، فدعيني أمضي إليه وأُعْلِمُهُ ما هم صانعون غدا ، قال : فمضت إليه فقالت : يا أبا الحارث! فرفع رأسه ثم قالت : أتدري ما يريدون أن يعملوا غداً بأبي عبدِ الله عليه السلام ؟ يريدون أن يوطئوا الخيلَ ظهرَه ، قال : فمشى حتى وضع يديه على جسد الحسين عليه السلام ، فأقبلت ( الخيل ؟ ) فلما نظروا إليه قال لهم عمرُ بنُ سعد - لعنه الله - : فتنةٌ لا تثيروها انصرفوا ، فانصرفوا .) الكافي ج1 ص465 .

- علَّق العلامة المجلسي - بعدَ أنْ حكَمَ على سند الرواية بالجهالة ، ثم نقل روايةَ السيد ابن طاووس - قائلاً : ( وأقول : المعتمد ما رواه الكليني (ره) ويمكنُ أن يكونَ ما رواه السيدُ ادّعاءً من الملاعين, وذلك لإخفاء هذه المعجزة ، وكأنه لذلك قلَّلَ ولدُ الزنا جائزتهم لعلمه بكذبِهم ، وما فعله المختار لادعائهم ذلك وإن كان باطلا ، وإن كان ما فعلوه به عليه السلام قبل ذلك أفحش وأفظع منه .) مرآة العقول ج5 ص371 - 372 .

أقول : وإدريس بن عبد الله الأودي إن كان هو الأزدي فهو من أصحاب الصادق عليه السلام كما نصّ عليه الطوسي ، وليس له توثيق ، وليس له في مجاميعنا الحديثية إلا هذا النقل ، والرواية مرسلة ، وبينه وبين الحادثة فاصلٌ كبير ، ونَقْلُهُ خلاف المشهور .

ولكن مع ذلك يمكن حملها على تعدد الحادثة ، إذ يظهر من حادثة وطئ الخيول صدر الإمام عليه السلام أنها حصلت في اليوم العاشر من محرم بعد مقتله مباشرة ، ورواية الكافي تنصّ على أن الأسد جاء في اليوم الحادي عشر لحراسة جسد أبي عبد الله الحسين عليه السلام حسب طلب فضة .

فإن أمكن هذا الحمل والجمع بين النقلين فبها ، وإلا فالمشهور بين علمائنا والثابت تاريخياً أنّ الأمر قد وقع وحصلَ . ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

وَدُمْتُم سَالِمِينَ.