مَوْتُ أَبِي بَكْرٍ وَحِزْبُهُ كَانَ اغْتِيَالًا.

مُحَمَّدٌ بَاقِرٌ:      السَّلَامُ عَلَيْكُمْ.       كَيْفَ مَاتَ أَبُو بَكْرِ بْنِ أَبِي قَحَافَةَ؟ مُعَزَّزًا بِمَصَادِرِ الفَرِيقَيْنِ {الشِّيعَةِ وَالسُّنَّةِ}؟

: اللجنة العلمية

     الأَخُ محمد المُحْتَرَمُ.. السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.

     1- يَنْبَغِي أَنْ نَعْلَمَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ مَاتَ مُتَأَثِّرًا بِالسُّمِّ عَلَى كُلِّ الأَقْوَالِ وَالرِّوَايَاتِ، وَلِذَلِكَ سَوْفَ لَا نَتَكَفَّلُ أَمْرَ إِثْبَاتِ ذَلِكَ لِأَحَدٍ، فَهُوَ أَمْرٌ مُسَلَّمٌ عِنْدَهُمْ وَللهِ الحَمْدُ.

     نَعَمْ رَوَوْا رِوَايَةً أُخْرَى عَنْ الوَاقِدِيِّ الضَّعِيفِ عِنْدَهُمْ فِي مُقَابِلِ رِوَايَةِ سُمّهِ لِلتَّعْمِيةِ عَلَى الحَقِيقَةِ كَعَادَتِهِمْ وَنَسَبُوا سَبَبَ مَوْتِهِ لاغْتِسَالِهِ فِي يَوْمٍ بَارِدٍ دُونَ ذِكْرِ السَّبَبِ الحَقِيقِيِّ وَهُوَ تَنَاوُلُهُ السُّمَّ!! فَمَرِضَ بِالحُمَّى خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا بِسَبَبِ تِلْكَ الغَسْلَةِ!! وَيَبْدُو أَنَّ الحُمَّى هِيَ أَيْضًا مِنْ عَلَامَاتِ وَأَمَارَاتِ السُّمِّ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ، فَالْسُّمُّ هُنَا بِحَسَبِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَكُونُ قَدْ سُقِيَ بِهِ قَبْلَ أُسْبُوعَيْنِ وَهُوَ الأَرْجَحُ، وَاللهُ العَالِمُ بِحَقَائِقِ الأُمُورِ.

     أَمَّا القَوْلُ الأَرْجَحُ وَالأَصَحُّ وَالأَقْوَى عِنْدَهُمْ فَهُوَ مَا رَوَوْهُ مِنْ كَوْنِهِ مَاتَ مَسْمُومًا وَلَكِنْ قَبْلَ سَنَةٍ وَمِنَ اليَهُودِ! فَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ فِي طَبَقَاتِهِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ التَّارِيخِ حَيْثُ قَالَ:

     فِي سَبَبِ مَوْتِهِ قَوْلَانِ :

     أَحَدُهُمَا: أَنَّ اليَهُودَ سَمَّتْهُ فِي حريرة أَكَلَ مِنْهَا هُوَ وَالحَارِثُ بْنُ كلدَةَ، فَأَخَذَ مِنْهَا الحَارِثُ لُقْمَةً ثُمَّ قَالَ: كُفَّ فَقَدْ أَكَلْتَ طَعَامًا مَسْمُومًا سُّمَّ سَنَةً، فَمَاتَا جَمِيعًا لِلسَّنَةِ يَوْمَ مَاتَ أَبُو بَكْرٍ.

     وَالثَّانِي: ذَكَرَهُ الوَاقِدِيُّ عَنْ أَشْيَاخِهِ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ اغْتَسَلَ فِي يَوْمٍ بَارِدٍ فَحُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَكَانَ لَا يَخْرُجُ إِلَى الصَّلَاةِ، وَأَمَرَ عُمَرَ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، وَكَانَ عُثْمَانُ أَلْزَمَهُمْ لَهُ فِي مَرَضِهِ!

     وَرَوَى ابْنُ سَعْدٍ عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الأُوَيْسيِّ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَقِيلٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَالحَارِثَ بْنَ كلدَةَ كَانَا يَأْكُلَانِ حريرة أُهْدِيَتْ لِأَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ الحَارِثُ: ارْفَعْ يَدَكَ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللهِ، وَاللهِ إِنَّ فِيهَا لَسُمَّ سَنَةٍ وَأَنَا وَأَنْتَ نَمُوتُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ. فَلَمْ يَزَالَا عَلِيلَيْنِ حَتَّى مَاتَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ عِنْدَ انْتِهَاءِ السَّنَةِ.

     وَذَكَرَ الطَّبَرِيُّ فِي تَارِيخِهِ حَادِثَةَ مَقْتَلِ أَبِي بَكْرٍ قَائِلًا: "حَدَّثَنِي أَبُو زَيْدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ بِإِسْنَادِهِ الَّذِي مَضَى ذِكْرُهُ قَالُوا: تُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثِ وَسِتِّينَ سَنَةً فِي جُمَادَى الآخِرَةِ يَوْمَ الإِثْنَيْنِ، لِثَمَانٍ بَقِينَ مِنْهُ، قَالُوا: وَكَانَ سَبَبُ وَفَاتِهِ أَنَّ اليَهُودَ سَمَّتْهُ فِي أرزة، وَيُقَالُ فِي جذيذة، وَتَنَاوَلَ مَعَهُ الحَارِثُ بْنُ كلدَةَ مِنْهَا ثُمَّ كَفَّ، وَقَالَ لِأَبِي بَكْرٍ: أَكَلْتَ طَعَامًا مَسْمُومًا سُمَّ سَنَةً، فَمَاتَ بَعْدَ سَنَةٍ.

     وَنَقُولُ: هَذَا السِّينَارِيُو مَفْضُوحٌ حَيْثُ إِنَّهُ مُسْتَنْسَخٌ مِنْ رِوَايَتِهِمْ فِي سَبَبِ وَفَاةِ رَسُولِ اللهِ (ص) كَمَا هُوَ وَاضِحٌ، إِذْ مَا هِيَ مَصْلَحَةُ اليَهُودِ وَعَدَائِهِمْ لِأَبِي بَكْرٍ حَتَّى يَسُمُّوهُ، وَلِمَاذَا يَأْمَنُ بِهِمْ وَيَأْخُذُ الطَّعَامَ مِنْهُمْ وَهُوَ قَدْ اطَّلَعَ عَلَى مَا فَعَلُوهُ بِرَسُولِ اللهِ (ص) قَبْلَ سَنَوَاتٍ!؟ خُصُوصًا أَنَّ الكَثِيرَ مِنْ طُرُقِ الرِّوَايَةِ لَا تَذْكُرُ اليَهُودَ وَلَمْ تَذْكُرْ مَنْ أَهْدَى الطَّعَامَ لَهُ!!

     ثُمَّ كَيْفَ عَلِمَ الحَارِثُ أَنَّ فِيهَا سُمًّا، وَكَيْفَ عَلِمَ أَنَّهُ يَقْتُلُهُمَا بَعْدَ سَنَةٍ بِالضَّبْطِ، فَهَذَا مَا يُحَاوِلُونَ إِخْفَاءَهُ إِذْ أَنَّ الحَارِثَ هَذَا هُوَ طَبِيبُ العَرَبِ الحَاذِقُ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يُقْتَلَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ لِئَلَّا تَنْكَشِفَ الجَرِيمَةُ فَدَسُّوا لَهُمَا السُّمَّ لِتَخْتَفِيَ خُطُوطُ الجَرِيمَةِ جَمْعَاءَ وَيُغْلَقَ التَّحْقِيقُ وَيُقَيَّدَ ضِدَّ مَجْهُولٍ أَوْ يُقَيَّدَ سَبَبُ المَوْتِ بِالغُسْلِ فِي يَوْمٍ بَارِدٍ دُونَ رَقِيبٍ وَلَا تَحْقِيقٍ، وَدَفْنُ الجُثَّةِ بَعْدَ سَاعَاتٍ قَلِيلَةٍ مِنْ المَوْتِ وَفِي نَفْسِ اللَّيْلَةِ أَيْضًا يُثِيرُ الشُّكُوكَ جِدًّا!

     رَوَى هُشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ :دَخَلْتُ عَلَى أَبِي فَأَثْبَتَ المَوْتُ فِيهِ فَبَكِيتُ ثُمَّ قُلْتُ:      مَنْ لَا يَزَالُ دَمْعُهُ مُقَنَّعًا ** فَإِنَّهُ لاَبُدَّ مَرَّةً مَدْفُونُ.

      فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَيْسَ كَمَا قُلْتِ، بَلْ: (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ المَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ). قَالَ: أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قُلْتُ: يَوْمُ الإِثْنَيْنِ؟ قَالَ: فَإِنِّي أَرْجُو مِنْ اللهِ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ اللَّيْلِ. فَلَمْ يُتَوَفَّ حَتَّى أَمْسَى مِنْ تِلْكَ اللَّيْلَةِ، قَالَتْ: ثُمَّ دُفِنَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ.. تُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ فِي مَسَاءِ لَيْلَةِ الثُّلَاثَاءِ بَيْنَ المَغْرِبِ وَالعِشَاءِ، وَدُفِنَ لَيْلَةَ الثُّلَاثَاءِ لِثَمَانِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ جُمَادَى الآخِرَةِ سَنَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ مِنْ الهِجْرَةِ، فَكَانَتْ خِلَافَتُهُ سَنَتَيْنِ وَثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرَ لَيَالٍ.

     وَمِنَ الوَاضِحِ أَنَّهُ مَاتَ مَسْمُومًا، وَالعَجَبُ أَنَّ عُمَرَ أَخَذَ مَكَانَهُ فِي الصَّلَاةِ، وَعُثْمَانَ كَانَ يُلَازِمُهُ فِي البَيْتِ دُونَ غَيْرِهِمَا، وَالأَعْجَبُ دَفْنُهُ فِي نَفْسِ لَيْلَةِ مَوْتِهِ وَكَأَنَّهُمْ يُخْفُونَ شَيْئًا!

    2- وَالمُلَاحَظُ حُدُوثُ مَوْتٍ جَمَاعِيٍّ غَيْرِ مَسْبُوقٍ فِي يَوْمِ مَوْتِ أَبِي بَكْرٍ لَهُ وَلِعَامِلِهِ وَعَامِلِ رَسُولِ اللهِ (ص) عَلَى مَكَّةَ، وَأَمِيرِ الحَجِّ لِرَسُولِ اللهِ (ص)، وَأَمِيرِ الحَجِّ لِأَبِي بَكْرٍ فِي السَّنَةِ الأَخِيرَةِ لَهُ، وَبِالسُّمِّ!! فَقَالَ (أَبُو جَعْفَرٍ): وَمَاتَ عِتَابُ بْنُ أَسِيدٍ بِمَكَّةَ فِي اليَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ [وَكَانَا سُمَّا جَمِيعًا] ثُمَّ مَاتَ عِتَابٌ بِمَكَّةَ. قَالَهُ الطَّبَرِيُّ (2 / 611) وَنَقَلَهُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي البِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ (10 / 137).

     قَالَ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ (3/198): وَذَكَرَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أُهْدِيَ لِأَبِي بَكْرٍ طَعَامٌ وَعِنْدَهُ الحَارِثُ بْنُ كلدَةَ، فَأَكَلَا مِنْهُ فَقَالَ الحَارِثُ: أَكَلْنَا طَعَامًا سُمَّ سَنَةً، وَإِنِّي وَإِيَّاكَ لمَيِّتَانِ عِنْدَ رَأْسِ الحَوْلِ! فَمَاتَا جَمِيعًا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ عِنْدَ انْقِضَاءِ السَّنَةِ!!

     وَرَوَى ابْنُ سَعْدٍ أَيْضًا عَنْ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَالحَارِثَ بْنَ كلدَةَ كَانَا يَأْكُلَانِ خزيرة أُهْدِيَتْ لِأَبِي بَكْرٍ!! فَقَالَ الحَارِثُ لِأَبِي بَكْرٍ: ارْفَعْ يَدَكَ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللهِ، وَاللهِ إِنَّ فِيهَا السُّمَّ سَنَةً، وَأَنَا وَأَنْتَ نَمُوتُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ. قَالَ: فَرَفَعَ يَدَهُ فَلَمْ يَزَالَا عَلِيلَيْنِ حَتَّى مَاتَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ عِنْدَ انْقِضَاءِ السَّنَةِ.

     وَقَالَ أَبُو الفِدَاءِ: "سُمَّ أَبُو بَكْرٍ فِي أرزة أَوْ حريرة أُهْدِيَتْ لِأَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ الحَارِثُ: ارْفَعْ يَدَكَ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) إِنَّ فِيهَا لَسُمَّ سَنَةٍ وَأَنَا وَأَنْتَ نَمُوتُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، فَرَفَعَ يَدَهُ، فَلَمْ يَزَالَا عَلِيلَيْنِ حَتَّى مَاتَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ".

     وَيَبْدُو أَنَّهُ سُمَّ فِي نَفْسِ وَلِيمَةِ أَبِي بَكْرٍ وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوهُ فَيَفْتَضِحُوا، فَتَأَمَّلْ فِي العِبَارَةِ!

     وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ أَيْضًا: مَاتَ عِتَابُ بْنُ أَسِيدٍ وَأَبُو بَكْرٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ.

     وَكَذَا تُوُفِّيَ أَبُو كَبْشَةَ فِي صَبِيحَةِ وَفَاةِ أَبِي بَكْرٍ، وَكَانَ أَبُو كَبْشَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) وَمِنْ المُشْتَرِكِينَ فِي مَعْرَكَةِ بَدْرٍ وَأُحُدٍ.

     قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: وَتُوُفِّيَ أَوَّلَ يَوْمٍ اسْتُخْلِفَ فِيهِ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ، وَذَلِكَ يَوْمُ الثُّلَاثَاءِ لِثَمَانٍ بَقِينَ مِنْ جُمَادَى الآخِرَةِ سَنَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ مِنْ الهِجْرَةِ.

     وَيُشَمُّ مِنْ هَذَا المَوْتِ الجَمَاعِيِّ لِأَبِي بَكْرٍ وَعَامِلِهِ فِي مَكَّةَ وَطَبِيبِ العَرَبِ الحَارِثِ بْنِ كلدَةَ وَمَوْلَى رَسُولِ اللهِ أَبِي كَبْشَةَ أَنَّ هُنَاكَ أَمْرًا دُبِّرَ بِلَيْلٍ، وَاللهُ العَالِمُ.

     وَدُمْتُمْ سَالِمِينَ.