سلسلة سؤال وجواب حول العدل الإلهي (9)

الإنسان مسيّر في أفعاله (رأي الجهمية)

: اللجنة العلمية

الاتجاه الثاني: أنّ الإنسان مُسيّر(مجبور) في أفعاله، وهو رأي الجهميّة نسبةً إلى جهم بن صفوان(1)  (المتوفى / 128 هـ):

*قال الأشعري: ((تفرد (جهم) بأمور، منها: أنّه لا فعل لأحد في الحقيقة إلا الله وحده وأنّ الناس إنّما تنسب إليهم أفعالهم على المجاز، كما يقال: تحركت الشجرة، ودار الفلك، وزالت الشمس))(2) .  

وتُنسب إلى الأشاعرةِ أيضاً: حيث ذكر الإمام الأشعري بقوله: [أنّه لا خالق إلا الله، وأنّ أعمال العبد مخلوقة لله مُقدّرة، كما قال تعالى: ((وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ))] (الصافات: 96) وأنّ العباد لا يقدرون أنْ يخلقوا شيئاً وهم يُخلقون كما قال سبحانه: ((هل من خالق غير الله))(3)].

فأفعال الإنسان هي أفعال الله تعالى ليس للإنسان أي دورٌ فيها، بل هو مسلوب الإرادة ولا يمكن أنْ يحدث فعلاً من الأفعال(4) .

س: بماذا استدل الأشاعرة على مبناهم؟

ج: أستدلوا بوجوه عدة:

منها: أنّ الله تعالى واسع في مشيئته: فلا يقع شيء من الأشياء أو فعل من الأفعال إلى ما يشاءه هو سبحانه وتعالى: ((وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ))(5) .

فهم فهموا من المشيئةَ أنّ الفعل الصادر من الإنسان بأمرٍ وسلطنةٍ من الله سبحانه.

ومنها: أنّه تعالى واسع المقدرة: فلا خالق ولا موجِد ولا قادرٌ ولا مؤثر في الكون سواه سبحانه وتعالى.

وهذا الإتجاه مبني على إنكارهم لقانون السببية، وإنّ إرادة الله تعالى تعم جميع الحوادث إذ كل حادثة تصدر مباشرة من ذاته، وليس هناك أي مؤثر في وجود الحادثة غير إرادته؛ ولذا فإنّ أفعال الإنسان، جزء من الحوادث، وترتبط بها أرادته تعالى مباشرة وأمّا الإنسان فلا دخل له، وبسبب هذا اتصفوا بالجبريّة.

 ويلاحظ عليهم: إنّ لازم هذه النظرية نسبة الظلم والعبث إلى الله تعالى, وذلك لأنّ الفعل المجبور عليه الإنسان سوف يعاقب عليه, إذا كان معصية, ويُثاب عليه إذا كان طاعةً, مع أنّه لا قدرة ولا حيلة للإنسان فيها.

وهذا واضح البطلان جزماً.

______________________

 1- أسّسها جهم بن صفوان السمرقندي (المتوفّى 128 هـ).

 2- مقالات الإسلاميين: 1/312.

 3- فاطر: 3.

 4 - كثير من الأشاعرة عدلوا عن هذه النظرية الباطلة إلى نظرية الكسب الأشعري، هو هروبٌ من المحذور إلى المحذور.

 5- التكوير: 9.