سلسلة سؤال وجواب حول العدل الإلهي (8)

أدلة المعتزلة والرد عليها

: اللجنة العلمية

س1: بماذا استدلّ المعتزلة على نظريتهم (كون الإنسان مخير تماماً)؟

ج: إنّ سبب القول بأنّ أفعال العباد صادرة منهم على نحو الإستقلال, ذلك بسبب العدل الإلهي, إذ أنّ هناك جملة من القبائح التي تصدر من الإنسان مثل الكفر والظلم والشرور, وغير ذلك مما يستحيل أنْ تكون صادرة منه تعالى, إذ ليس من العدل أنْ يصدر الظلم والكفر من الله تعالى ثمَّ يعاقبه عليه, إنّ هذا ليس من العدل وحفاظاً على أصل العدل ذهبوا إلى أنّ أفعال الإنسان صادرةٌ منه على وجه الإستقلال.

ويلاحظ عليهم: 

أولاً: أنهمّ من أجل عدم الوقوع في الجبر، أخرجوا الله سبحانه من سلطانه، إذ كيف تكون أفعال الإنسان صادرةٌ منه بالإستقلال, كما أشار إلى ذلك الإمام الرضا(عليه السلام): ((مساكين القدرية - أي المعتزلة - أرادوا أنْ يصفوا الله عزّ وجلّ بعدله, فأخرجوه من قدرته وسلطانه)) .

ثانياً: إنّ أصل هذا الإتجاه يعتمد على نظرية, في أنّ الممكنات تحتاج إلى الله تعالى حدوثاً لا بقاءً, فالإنسان يحتاج إلى الله تعالى في نشأته, وبعد ذلك فهو مستغنٍ عن الله تعالى وهذه النظرية واضحة البطلان, إذ يُصيّر الممكن غنياً, مع أنّه -الإمكان- عين الفقر والإحتياج وصرح الباري سبحانه: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ))2، وأما ما مثلّوه , كالبناء لا يحتاج إلى البنّاء بعد إكماله ففيه: 

(أ) إنّ هذا قياس مع الفارق.

(ب) ومن قال أنّ البِنَاء استغنى عن العلة، إذ البنّاء ليس علة مستقلة للبناء، بل التماسك ما بين أجزاء البناء هو العلة التالية بعد البنّاء، إذ بدونها يسقط هذا البناء.

ثالثاً: إنّ القرآن الكريم يُشير وبصراحة، إلى بطلان إتجاه المعتزلة، ويثبت إنّ الله سبحانه وتعالى هو المالك والقادر على كل شيء، وتتحكم إرادته ومشيئته بكل شيء ومن الآيات:

*قوله تعالى: ((وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ))(الإنسان:30).

* قوله تعالى: ((وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ))(التكوير:29).

* قوله تعالى: ((لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ))(المائدة:120).

فالآيات الشريفة، تشير إلى أنّه يستحيل أنْ توجد مشيئة مستقلة عن مشيئة الله سبحانه، والله سبحانه وتعالى له القدرة المطلقة على كل عالم الوجود، وأمّا الإلتزام بما ذهب إليه المعتزلة، تكون أفعال العباد خارجة عن قدرة الله تعالى، ينافي صريح الآية (وهو على كل شيء قدير)، وكذلك يلزم منه عدم مالكية أفعال العباد لله تعالى، مع أنّه مالك لكل شيء بلا استثناء، وعليه فما ذهبوا إليه غير تام بل باطل بالضرورة.

___________________

 1- بحار الأنوار، للمجلسي، ج5, ص54.

 2 - فاطر:15.