ولادة الإمام الحسن (ع) من فخذ أُمّهِ الزهراء (ع).

الشبهة: قد يقول بعضُ مَن لا يدرك حقيقة التشيُّع وعقائده: يعتقد الشيعة أنّ الأئمّة تحملهم أُمّهاتهم في الجنْب، ويولَدون من الفخذ الأيمن، فقد روتْ مصادرهم أنّ فاطمة ولدتِ الحسن والحسين من فخذها الأيمن، أليس محمدٌ (صلى الله عليه وآله وسلّم) -وهو أفضلُ الأنبياء وأشرف البشر- حُمِل في بطن أُمِّه وخرج من رحمها؟

: اللجنة العلمية

إنّ ما ذكره المشتبِه في أعلاه هو من الأخبار النادرة والتي يرويها الغُلاة والضعفاء والمنحرفون عن مدرسة أهل البيت عليهم السلام, والتي لا أشكّ في أنَّ كلّ منصِفٍ عاقلٍ لو اطّلع عليها لجَزم بمخالفتها للموازين العلمية التي تثبُت من خلالها عقائدُ الشيعة الإمامية، فالخبر الذي يَذكر الكيفية التي تمّت بها ولادة الإمامين الحسن والحسين عليهما السلام -وأنهما وُلدا من فخذ أمِّهما الزهراء عليها السلام- يعتقد بعضُ أصحاب النفوس المريضة -الذين لا همَّ لهم إلا أنْ يتصيّدوا من الكتب ما يُشنِّعون به على الشيعة- أنهم أدركوا غاية المنى، وهيهات هيهات أن يبلغوا ذلك.

وللردِّ على هذه الشبهة نتّبع الخطوات الآتية: 

الخطوة الأولى: في ذِكْر المصادر التي وردتْ فيها هذه الرواية.

ورد هذا الخبر في كتاب (الهداية الكبرى) للحسين بن حمدان الخصيبي، قال: (ووَلَدتِ الحسن والحسين من فخذها الأيمن وأمَّ كلثوم وزينب من فخذها الأيسر، ومثلُه ما روي عن وهب بن منبه أنّ مريم وَلدت عيسى عليه السلام من فخذها الأيمن)(١).

وورد أيضاً في كتاب (عيون المعجزات) للحسين بن عبد الوهاب، قال ما نصُّه: (وروي أنّ فاطمة عليها السلام وَلدتِ الحسن والحسين من فخذها الأيسر)(٢).

وذكره السيد هاشم البحراني نقلاً عن عيون المعجزات في كتابه (مدينة المعاجز)(٣), والعلامة المجلسي في (بحار الأنوار)(٤), وصاحب (الخصائص الفاطمية)(٥), كلاهما عن عيون المعجزات.

ومنه تعلَمُ أنّ هذا الخبر ورد حصراً في هذين الكتابين، وما عداهما فهو نقْلٌ عنهما أو عن أحدهما.

 وحتّى على فرض وجوده في بعض مصنَّفات الشيعة، فهل يكون كلُّ ما ذُكر فيها هو مما يعتقده الشيعة؟!

فالعقيدة عندنا لا تقوم إلا على أساس كتاب الله والسنّة القطعيّة للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلّم والروايات المتواترة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام, لا أنها قائمةٌ على الأخذ بأخبار الآحاد كما هو حال المدّعي، حيث تثبُت الأمور الاعتقادية على مذهبه بذاك النوع من الأخبار، لذا حاول إثبات اعتقاد الشيعة بالخبر المذكور بحسب مبانيه هو، ونسبة ذلك إلى الشيعة، وهيهات هيهات لما يتوهَّمون، فبيننا وبينهم في ذلك بعد المشرقين.

الخطوة الثانية: في سنَد الخبر.

بعد أنْ ذكرْنا المصادر التي ورد فيها الخبر المذكور، وأنها –حصراً- كتاب الهداية الكبرى للحسين بن حمدان الخصيبي، وكتاب عيون المعجزات للشيخ حسين بن عبد الوهاب -وما عداهما إنما هو نقْلٌ عنهما- تصل النوبةُ إلى البحث عن قيمته السنَديّة، فأقول:

أولاً: أنّ ما ذَكره صاحب كتاب الهداية الكبرى ساقطٌ عن الاعتبار والحُجّيَّة جزماً؛ لأنه لم يَذكر سنده إلى الخبر، فيكون الخبر بذلك مرسَلاً، هذا من جانب.

ومن جانب آخر، أنّ الخصيبي صاحب الكتاب المذكور روى الخبر عن وهب بن منبِّه مرسَلاً، ولم يتطرق لذكر طريقه إليه.

مضافاً إلى ذلك أنَّ وهباً نفسَه في غاية الضعف، فقد أفاد الشيخ الطوسيّ في الفهرست والنجاشيّ انَّ القميين استثنوه من رجال نوادر الحكمة(٦)، وما ذاك إلا تعبيراً عن ضعفه، وبيّن التستري في كتاب (قاموس الرجال) انَّ منشأ استثنائهم له هو أنَّ أخباره منكَرات، ومن أخباره المنكرات أنه روى قصة جرجيس التي نقلها الطبريّ عن كتابه (المبتدأ والسير) وأنّ ملك الموصل قتله أربع مرات.

ومنها: ما رواه كتاب الحُلية عنه، أنه قال: مُسِخ بخت نصّر أسداً فكان ملكَ السِّباع، ثم مُسِخ نسراً فكان ملك الطير، ثم مُسِخ ثوراً فكان ملك الدواب، وهو في ذلك يَعقل عقلَ الإنسان... إلخ.

ومنها: ما رواه عنه كتاب الحُلية أيضاً: أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلّم قال: إنَّ أبا بكر وعمر من الإسلام بمنزلةِ السمع والبصر من الإنسان... وغيرها من المنكرات(٧).

وعليه، فـ(وهب بن منبه) لا يُعدُّ من رواة الإماميَّة بل هو عاميٌّ، وقد طفحتْ من مخاريقه كتبُ العامة، خصوصاً كتب التفسير والتاريخ والسِّيَر، وقد تسرَّبت إلى كتبنا بعضُ مرويّاته ومخاريقه المنكرة. 

 وذكر ابن سعد في الطبقات الكبرى أنَّ وهباً هذا قرأ اثنين وتسعين كتاباً ادّعى أنَّها كانت قد نزلتْ من السماء، اثنان وسبعون منها في الكنائس وفي أيدي الناس وعشرون لا يعلمها إلا قليلٌ، وحُكي عنه أيضاً انَّه قرأ ثلاثين كتاباً نزلت على ثلاثين نبيَّاً(٨).

 وقد حرص وهبٌ هذا على بثِّ هذه الأكاذيب والأباطيل في كتب الحديث والتفسير وادّعى في كثيرٍ منها أنَّها مرويَّة عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلّم وصحابته. 

 لذا فلا يُعتدُّ بمنقولاته، وشأنُه في ذلك شأنُ كعب الأحبار وتميم الداري.

ومما يوهِّن الخبر، بل يُسقطه من رأسٍ، هو فساد عقيدة الخصيبي(٩) صاحب الكتاب -الهداية الكبرى- حيث اتهم بفساد مذهبه(١٠).

قال ابن الغضائريّ: كذّابٌ فاسد المذهب، صاحب مقالةٍ ملعونة، لا يُلتفت إليه(١١).

ثانياً: وما روي في كتاب عيون المعجزات للمحدِّث الشيخ حسين بن عبد الوهاب إنما هو نقْلٌ للخبر عن كتاب (الأنوار) لأبي القاسم الكوفيّ الذي قيل فيه: إنه كان إمامياً مستقيماً في البداية إلا أنه انحرف فيما بعد، فأظهر مذهب المخمِّسة، وصنّف كتباً في الغلوّ والتخليط وله مقالة تُنسب إليه(١٢).

وقال ابن الغضائري: عليُّ بن أحمد، أبو القاسم الكوفيّ المدّعي العلَوية، كذّابٌ غالٍ، صاحب بدعة ومقالة، رأيتُ له كتباً كثيرة، لا يُلتفت إليه(١٣).

هذا مضافاً إلى أنّ الخبر مرسلٌ، ولم يُنسب إلى واحدٍ من المعصومين عليهم السلام.

وبهذا فان خبر الحمل في الجنب والولادة من الفخذ، خبر ساقط عن الاعتبار سندياً، وأقرب الظن أنه من الأخبار المختلقة.

هذا ما يرتبط بسنَدِ الخبر.

الخطوة الثالثة: في متن الخبر ومضمونه.

أقول: إنَّ الأئمة عليهم السلام في وجودهم كسائر الناس خُلقوا في بطون أمهاتهم، ومرَّ كل واحدٍ منهم بمرحلة الجنين في ذلك الرحم، ووُلد منه كما يولد أفراد البشر من بطون أمهاتهم، ومرّ أيضاً بفترة الرضاعة وتربى في حجر إمه، فهُم عليهم السلام يمتلكون الصفات التي عليها سائر البشر ويتميزون عنهم بغيرها(١٤)، ويدلّ على ذلك الرواياتُ الكثيرة والمعتبَرة المتصدّية للحديث عن ولادتهم عليهم السلام من بطون أمهاتهم لا من الأفخاذ، وأسوق إليك في هذه العجالة بعضاً منها وهو غيضٌ من فيض، فأقول: منها: ما يدلّ على أنّ الحمْل إنما كان في الأرحام، وذلك في ما نقتطعه من الزيارة المرويّة عن أكابر الطائفة، وإليك نصُّ ذلك: (أَشهدُ أنك كنتَ نوراً في الأصلاب الشامخة والأرحام المطهَّرة، لم تنجِّسْك الجاهليةُ بأنجاسها ولم تُلْبسْك من مُدْلهمّات ثيابها)(١٥).

ومنها: ما روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال في بيان كيفية ولادة الإمام: (وإذا وقع من بطن أمه إلى الأرض وقع وهو واضع يده إلى الأرض)(١٦).

ومنها: ما روي عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام في حديثِ ولادة الكاظم عليه السلام, يقول فيه: (إنَّ الإمام إذا وقع مِنْ بطن أمه وقع واضعاً يديه على الأرض)(١٧), وأنت كما ترى فالإمام عليه السلام وبصريح العبارة ينص على أن الولادة إنما كانت من البطن لا من الفخذ، فافهم وتبصّر.

فهذه الروايات وغيرها كثيرٌ تُعرِب عن حقيقة كيفيّة ولادة الأئمة عليهم السلام, وأنَّهم عليهم السلام يُولدون مِنْ بطون أمهاتهم، على حين أنّ أحداً من علماء الشيعة الإمامية لم يقل أنهم عليهم السلام يولدون مِن الأفخاذ، بل إنّهم روَوا ما ينافيه، وقد مرّ ذكرُ شيءٍ منه، ومن أراد أنْ يستزيد فليرجع إلى أمهات مصادر الحديث الشيعية المعتبرة، والتي يُعوَّل عليها في مثل هذه المسائل.

 

 

 

الهوامش:

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

(١) الهداية الكبرى للخصيبي: ١٨٠.

(٢) عيون المعجزات - الحسين بن عبد الوهاب: ٥١.

(٣) مدينة المعاجز - هاشم البحراني: ٣-٢٢٦.

(٤) بحار الأنوار: ٤٣-٢٥٦.

(٥) الخصائص الفاطمية للكجوري: ٢، ٥٩٩-٦٠٠.

(٦) انظر: جامع الرواة للأردبيلي: ٢-٣١؛ منتهى المقال في معرفة أحوال الرجال للمازندراني: ٦-٣٩٩؛ طرائف المقال للبروجردي: ٢-٤٥؛ معجم رجال الحديث للخوئي: ٢٠-٢٣٠.

(٧) انظر: قاموس الرجال للتستري: ١٠، ٤٥٤-٤٥٥.

(٨) الطبقات الكبرى لابن سعد: ٥-٥٤٣.

(٩) وهو يعدُّ من مراجع مذهب النُّصيرية.

(١٠) انظر: فهرست أسماء مصنفي الشيعة (رجال النجاشي): ٦٧.

(١١) معجم رجال الحديث للخوئي: ٦-٢٤٤.

(١٢) انظر: الفهرست للشيخ الطوسي: ١٥٥-١٥٦؛ وخلاصة الأقوال للعلامة الحلي: ٣٦٤-٣٦٥؛ ومعجم رجال الحديث للسيد الخوئي: ١٢-٢٧٠.

(١٣) معجم رجال الحديث: ١٢-٢٧٠.

(١٤) كعصمتِهم، وطهارتِهم عليهم السلام التي ثبتت بالكتاب والسنة المتواترة، وخفاءِ حمل بعض أمهاتهم بهم عليهم السلام - كما هو حال السيدة نرجس عندما حملت بالإمام المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه - وهي ليست حالة فريدة كما تطالعنا كتبُ التفسير والمجاميعُ الحديثية بذلك، فأمُّ موسى عليه السلام قد خفي حملها به بإرادة الله عزّ وجلّ حفظاً لها وله من بطش فرعون. 

(١٥) مصباح المتهجد للشيخ الطوسي: ٧٢١ و٧٨٩؛ تهذيب الأحكام: ٦-١١٤؛ المزار لابن المشهدي: ٤٢٢ و٤٣١ و٥١٥؛ إقبال الأعمال لابن طاووس: ٣، ١٠٣ و١٢٩؛ والمصباح للكفعمي: ٤٩٠ و٥٠٢؛ بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ٩٧، ١٨٧ و٩٨: ٢٠٠ و٢٦٠.

(١٦) مدينة المعاجز للسيد هاشم البحراني: ٦-١٨٤.

(١٧) انظر: بصائر الدرجات: ٤٦١؛ والجواهر السنية للحر العاملي: ٢١٤؛ وبحار الأنوار للعلّامة المجلسي: ٢٥-٤٣؛ والأنوار البهيّة للشيخ عباس القمّي: ١٨٠.