سلسلة سؤال وجواب حول المعاد (5)

دلائل إثبات المعاد الجسماني والروحاني

: اللجنة العلمية

س1: على ماذا يتوقف إثبات أنّ المعاد جسمانيٌ وروحانيٌ؟

ج: يتوقف إثباته على أمور أربعة:

1- إنّ الروح مجرّدة.

2- رجوع البدن.

3- رجوع الروح إلى البدن.

4- وإنّ هناك آلاماً ولذائذَ جزئية وكلية للجسم وللروح. 

أمّا الأمر الأول, فقد أثبتناه في الفصل السابق, وأنّ الروح مجردة.

وأمّا الأمر الثاني والثالث والرابع, فقد دلّت الأدلة النقلية من القرآن والسنّة الشريفة على صحتها.

س2: هل يمكن إثبات كون المعاد روحاني وجسماني من خلال القرآن الكريم من خلال الملاكين المتقدمين؟

ج: نعم توجد الكثير من الآيات الشريفة:

إذ حسب الملاك الأول: بعض الآيات تدل على أنّ المعاد جسماني فقط, وأنّ الذي يُحشر هو الجسد نفسه, ومن الآيات:

*قوله تعالى: ((مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى))(طه:55). 

*قوله تعالى: ((ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا))(نوح:18).

*قوله تعالى: ((قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ))( الروم:25).

وهذه الآيات تُصرح بأنّ الإنسان خُلق من الأرض, وإليها يُعاد, ومنها يُخرج, وهي واضحة أنها تتعامل مع جسد الإنسان.

*قوله تعالى: ((فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ))(يس:51). 

*قوله تعالى: ((وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ))(الحج: 7).

*قوله تعالى: ((وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ))(الإنفطار: 4).

وهذه الآيات تُصرح على أنّ الحشر هو الخروج من الأجداث والقبور, والقبور هي محل الأجساد, فالخروج هو للأجساد. 

*وقوله تعالى: ((يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ))(النور:24).

*قوله تعالى: ((وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ))(يس: 65).

*قوله تعالى: ((حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ))(فصلت: 41).

وهذه الآيات تُصرّح على شهادة الأعضاء, وهي ترتبط بالجسد كما هو واضح, مما يعني أنّ الأجساد هي التي تُحشر.

وغيرها من الآيات الكثيرة التي تُصرح بالمعاد الجسماني .

وأمّا حسب الملاك الثاني: - في أنّ القول بالمعاد الجسماني أو الروحاني أو كلاهما, يرجع إلى كون الثواب والعقاب جسمانيين فقط, أو روحانيين, أو كليهما, بمعنى, هل الثواب والعقاب مختص بالجسم فقط, أو بالروح فقط, أو كليهما – فالقائل أنّ العقاب والثواب مختص بالجسم فقط, فهو قائل بالمعاد الجسماني, والقائل بأنّ العقاب والثواب مختص بالروح فقط, فهو قائل بالمعاد الروحاني, والقائل بأنّ العقاب والثواب يشمل الجسم والروح معاً, فهو قائل بكلا المعادين, والقول الفصل في فصل النزاع حول صحة نوع المعاد هو القرآن الكريم والسنّة الشريفة:

أمّا القرآن الكريم يصرح بأنّ العقاب والثواب يشملان الروح والجسد معاً:

*قوله تعالى: ((وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ))(محمد:15).

* وقوله تعالى: ((كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ))(النساء: 56). 

فالآيتان وغيرها صريحتان بأنّ الجسد يتعرض لأشد أنواع العقاب .

*وقوله تعالى:((وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ))(مريم: 39).

يوم الحسرة أي يوم القيامة, وكما هو واضح عذاب الحسرة أشدّ على النفس مما يحل على البدن .

* وقوله تعالى: ((وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ))(البقرة: 167).

وهاتان الآيتان, تدلان على وقوع الحسرة والندامة وهما يطرآن على النفس وليس البدن.

* وقوله تعالى: ((وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ))(التوبة:72).

*فقد ورد عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم): ( إنّ الله يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنّة هل رضيتم؟ فيقولون ربنا ومالنا لا نرضى وقد اُعطينا ما لم تعطهِ أحداً من خلقك, فيقول: ألا اُعطيكم أفضل من ذلك؟ قالوا يارب وأي شيء أفضل من ذلك قال: اُحلّ عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً)(1).

*وقد نظم شاعرٌ فارسي أبياتاً شعرية في هذا المجال فيقول ما معناه:( إنّ جنّات الخلد هي الثواب والأجر الذي يعطيه الباري سبحانه وتعالى للمؤمنين, لكن الثواب الأفضل، والأجر الأكثر هو رضوان الله فهو سمّو الروح وهو الفوز الأكبر).

بعبارة أخرى: الرضوان لذةٌ عقلية ترجع إلى روح الإنسان المؤمن, وهي أفضل بكثير من اللذات الجسمانية.

* وقوله تعالى:( فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)(السجدة:17)                     

*وقوله تعالى:( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ)(الفجر:27).

وهاتان الآيتان, تدلان على الوعد الإلهي بأنّ النفس الإنسانية أعني الروح, سيكون لها قرة أعين, وأنّها ستكون راضية ومرضية. 

أقول: بعد أنْ فرغنا من أنّ قَوام الشخصية الإنسانية متمثلةٌ بالنفس المجردة, وأنها لا تفنى بل هي باقية, تنتظر الحساب (ثواباً أو عقاباً), فكيف يُعقل أنْ يُحشر الجسد دون الروح, فهل يُعقل أنّ الجسد يتنعم أو يتعذب, مع أنّ الروح هي تسببت بالعذاب أو النِعَم, بل بكل تأكيد إنّ الذي يُحشر هو النفس الإنسانية المعبر عنها بـ(أنا) عقلاً ونقلاً, وكذلك الجسد نقلاً.

وبعبارةٍ أخرى: إثباتنا للمعاد الجسماني ملازم للمعاد الروحاني قطعاً, وإلاّ عودة الجسم دون الروح لا معنى له أصلاً, بل نقول أكثر من ذلك إذ ما دام أنّ شخصية الإنسان متقومةٌ بروحه، وكل الآيات التي تدل على المعاد الجسماني هي دالةٌ على عودة النفس بكل تأكيد فتدبر. 

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تفسير الدر المنثور,مجلد3,ص257.