النبي (ص) حذر الصحابة من التنافس على الدنيا بعده.

مروان/مصر/: لو كان مجتمع الصحابة كما يصفه الشيعة مجتمعاً متباغضاً يحسد بعضه بعضاً، ويحاول كلٌ من أفراده الفوز بالخلافة، مجتمعاً لم يبق على الإيمان من أهله إلا نفر قليل، لم نجد الإسلام قد وصل إلى ما وصل إليه من حيث الفتوحات الكثيرة، واعتناق آلاف البشر له في زمن الصحابة رضي الله عنهم.

: اللجنة العلمية

  الأخ مروان المحترم.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. 

  من الموضوعية أن يكون الإنسان منصفاً في قراءته للوقائع، لا يأخذه الأفراط فيجعل السلبيات حسنات، ولا التفريط فيبخس الناس أشياءهم، فالإنصاف مطلوب على كل حال.

  وموضوع الصحابة نجد إخواننا أهل السنة أنهم أفرطوا فيه إلى درجة جعلوا حتى الذين وردت فيهم نصوص صريحة بأنهم من أهل النار، قالوا هم من أهل الجنّة وأنهم مأجورون ومثابون!!

  وهذا من عجائب الأمور في الفكر السني واقعاً، ومن متناقضاته الغريبة!!

  فمثلاً: أبو الغادية هو ممن بايع بيعة الرضوان، وقد ثبت أنه قاتل عمار بن ياسر (رضوان الله عليه) يوم صفين، وقد جاء الحديث الصحيح يقول فيه: (قاتل عمار وسالبه من أهل النار) [صححه الحاكم والذهبي والهيثمي والألباني وغيرهم].. فماذا قال فيه أهل السنة؟!!

     قال ابن حزم في "الفصل في الملل والنحل" ج 4 ص 124:

 "وعمار رضي الله عنه قتله أبو الغادية يسار ابن سبع السلمي، شهد بيعة الرضوان فهو من شهد الله له بأنه علم ما في قلبه وأنزل السكينة عليه ورضي عنه، فأبو الغادية رضي الله عنه متأول مجتهد مخطئ فيه باغ عليه مأجور أجراً واحداً". انتهى.

  وقال ابن تيمية في "منهاج السنة النبوية" ج6 ص:

  "والذي قتل عمار بن ياسر هو أبو الغادية، وقد قيل: إنه من أهل بيعة الرضوان. ذكر ذلك ابن حزم، فنحن نشهد لعمار بالجنة ولقاتله إن كان من أهل بيعة الرضوان بالجنة". انتهى.

  ولكن هذا الكلام لم يرض به الشيخ الألباني وردّ عليه في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" ج5 ص 19 قائلاً: 

  "وأبو الغادية هو الجهني وهو صحابي كما أثبت ذلك جمع، وقد قال الحافظ في آخر ترجمته من الإصابة بعد أن ساق الحديث، وجزم ابن معين بأنّه قاتل عمار، والظنّ بالصحابة في تلك الحروب أنّه كانوا فيها متأولين، وللمجتهد المخطىء أجر، وإذا ثبت هذا في حقّ آحاد الناس، فثبوته للصحابة بالطريق الأولى. 

     وأقول: هذا حقّ، لكن تطبيقه على كل فرد من أفرادهم مشكل؛ لأنّه يلزم تناقض القاعدة المذكورة بمثل حديث الترجمة، إذ لا يمكن القول بأنّ أبا غادية القاتل لعمار مأجور؛ لأنّه قتله مجتهداً، ورسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: قاتل عمار في النار! فالصواب أن يقال: إنّ القاعدة صحيحة إِلى ما دلّ الدليل القاطع على خلافها، فيستثنى ذلك منها كما هو الشأن هنا، وهذا خير من ضرب الحديث الصحيح بها. والله أعلم". انتهى.

     هذا، وقد جاء في أحاديث صحيحة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال للصحابة: "وإني والله لا أخاف عليكم أن تشركوا بعدي، ولكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها".

  صحيح البخاري ج2 ص 94.

     أي تتنافسوا على زخرف الدنيا وزبرجها، وهو ما حصل بعده بالضبط، فكم تقاتل الصحابة من بعده على زخرف الدنيا وزبرجها!!

  وليس حروب الجمل وصفين إلا نموذجاً على ذلك.

  وخذ هذه الشهادة من كبار علماء أَهل السنّة ومتكلميهم أنفسهم يقرّون بهذه الحقيقة، قال الشيخ التفتازاني في كتابه "شرح المقاصد": ((وأمّا ما وقع بين الصحابة من المحاربة والمشاجرات على الوجه المسطور في كتب التواريخ، والمذكور على ألسنة الثقات يدلّ بظاهره على أنَّ بعضهم قد حاد عن طريق الحق، وبلغ حدّ الظلم والفسق، وكان الباعث له الحقد والحسد واللداد، وطلب الملك والرياسة، والميل إِلى اللذات والشهوات، إذ ليس كل صحابي معصوماً، ولا كل من لقي النبيّ (صلى الله عليه وآله) بالخير موسوماً، إلا أنّ العلماء لحسن ظنّهم بأصحاب رسول الله، ذكروا لها محامل وتأويلات بها تليق، وذهبوا إِلى أنّهم محفوظون عما يوجب التضليل والتفسيق صوناً لعقائد المسلمين عن الزيغ والضلال في حقّ كبار الصحابة)). [شرح المقاصد في علم الكلام 2: 306].

     ودمتم سالمين.