حديث الحوض يشهد بارتداد الصحابة وليس الشيعة. 

أمنا عائشة/ السعودية/: تدعون باستمرار أن الصحابة ارتدوا إلا بضعة نفر بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وسلم)، والمرتد إنما يرتد لشبهة أو شهوة، ومعلوم أن الشبهات في أوائل الإسلام كانت أقوى، فمن كان إيمانهم مثل الجبال في حال ضعف الإسلام، كيف يكون إيمانهم بعد ظهور راياته وانتشار أعلامه؟!       وأما الشهوات: فمن خرجوا من ديارهم وأموالهم، وتركوا ما كانوا عليه من عز وشرف حباً لله ولرسوله (ص)، طوعاً من غير إكراه، كيف يظن بهم أنهم ارتدوا لأجل الشهوات التي تركوها؟!

: اللجنة العلمية

      السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

      لسنا ممن يشهد بارتداد الصحابة فقط، بل أهل السنة هم الذين ذكروا ارتدادهم، ودونك هذا الحديث الصحيح الذي يرويه البخاري ومسلم والمسمّى بحديث الحوض:  

      ففي صحيح البخاري: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الحَوْضِ، وَلَيُرْفَعَنَّ مَعِي رِجَالٌ مِنْكُمْ ثُمَّ لَيُخْتَلَجُنَّ دُونِي، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ أَصْحَابِي، فَيُقَالُ: إِنَّكَ لاَ تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ)(1).

      وفي صحيح البخاري: (عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِي الحَوْضَ، حَتَّى عَرَفْتُهُمْ اخْتُلِجُوا دُونِي، فَأَقُولُ: أَصْحَابِي، فَيَقُولُ: لاَ تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ")(2).

      وفي صحيح البخاري: (عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الحَوْضِ، مَنْ مَرَّ عَلَيَّ شَرِبَ، وَمَنْ شَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا، لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونِي، ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ"، قَالَ أَبُو حَازِمٍ: فَسَمِعَنِي النُّعْمَانُ بْنُ أَبِي عَيَّاشٍ، فَقَالَ: هَكَذَا سَمِعْتَ مِنْ سَهْلٍ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ: أَشْهَدُ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، لَسَمِعْتُهُ وَهُوَ يَزِيدُ فِيهَا: "فَأَقُولُ إِنَّهُمْ مِنِّي، فَيُقَالُ: إِنَّكَ لاَ تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ، فَأَقُولُ: سُحْقًا سُحْقًا لِمَنْ غَيَّرَ بَعْدِي")(3).

 وفي صحيح البخاري: (عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " يَرِدُ عَلَيَّ يَوْمَ القِيَامَةِ رَهْطٌ مِنْ أَصْحَابِي، فَيُحَلَّئُونَ عَنِ الحَوْضِ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ أَصْحَابِي، فَيَقُولُ: إِنَّكَ لاَ عِلْمَ لَكَ بِمَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ، إِنَّهُمُ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ القَهْقَرَى")(4).

      وفي صحيح البخاري: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "بَيْنَا أَنَا قَائِمٌ إِذَا زُمْرَةٌ، حَتَّى إِذَا عَرَفْتُهُمْ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَيْنِي وَبَيْنِهِمْ، فَقَالَ: هَلُمَّ، فَقُلْتُ: أَيْنَ؟ قَالَ: إِلَى النَّارِ وَاللَّهِ، قُلْتُ: وَمَا شَأْنُهُمْ؟ قَالَ: إِنَّهُمُ ارْتَدُّوا بَعْدَكَ عَلَى أَدْبَارِهِمْ القَهْقَرَى. ثُمَّ إِذَا زُمْرَةٌ، حَتَّى إِذَا عَرَفْتُهُمْ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَيْنِي وَبَيْنِهِمْ، فَقَالَ: هَلُمَّ، قُلْتُ أَيْنَ؟ قَالَ: إِلَى النَّارِ وَاللَّهِ، قُلْتُ: مَا شَأْنُهُمْ؟ قَالَ: إِنَّهُمُ ارْتَدُّوا بَعْدَكَ عَلَى أَدْبَارِهِمْ القَهْقَرَى، فَلاَ أُرَاهُ يَخْلُصُ مِنْهُمْ إِلَّا مِثْلُ هَمَلِ النَّعَمِ")(5).

      وفي صحيح مسلم: (عَنْ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَهْلًا، يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ، مَنْ وَرَدَ شَرِبَ، وَمَنْ شَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا، وَلَيَرِدَنَّ عَلَيَّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونِي، ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ" قَالَ أَبُو حَازِمٍ: فَسَمِعَ النُّعْمَانُ بْنُ أَبِي عَيَّاشٍ وَأَنَا أُحَدِّثُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ، فَقَالَ: هَكَذَا سَمِعْتَ سَهْلًا يَقُولُ؟ قَالَ فَقُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ وَأَنَا أَشْهَدُ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ لَسَمِعْتُهُ يَزِيدُ فَيَقُولُ "إِنَّهُمْ مِنِّي"، فَيُقَالُ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا عَمِلُوا بَعْدَكَ، فَأَقُولُ: "سُحْقًا سُحْقًا لِمَنْ بَدَّلَ بَعْدِي")(6).

      فهذه الأحاديث واضحةٌ جداً، ولا يمكن حملها على المرتدّين أَو الجفاة من الأعراب، كما يحلو للبعض أن يوجِّه هذه الأحاديث حسب مشتهاه المذهبي، ففي هذه الأحاديث عباراتٌ صريحةٌ جداً لا تقبل التأويل، نحو قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): (من أصحابي)، وقوله: (فأقول: يا رب أصحابي)، الظاهرة في أن المبدِّلين من بعد النبيّ (ص) والمحدِثين في الدين هم ممن صحبه (صلى الله عليه وآله وسلم) وخالطه، وهذا هو الذي يقتضيه الظهور للعبارات المذكورة. 

    ونحو قوله: (رجالٌ منكم)، (أعرفهم ويعرفونني..)، فهذه عبارات لا يمكن حملها على المرتدّين من الأعراب في أطراف الجزيرة بأيّ حالٍ من الأحوال. ومن هنا نجد الإمام مالكاً يندم على إدراج أحاديث الحوض في موطئه - على صحّتها -، قال أحمد الصديق المغربي في فتح الملك العلي، ص 151: (حكي عن مالك أنّه قال: ما ندمت على حديث أدخلته في الموطأ إلاّ هذا الحديث، وعن الشافعي أنّه قال: ما علمنا في كتاب مالك حديثاً فيه إزدراء على الصحابة إلا حديث الحوض، ووددنا أنّه لم يذكره). 

 ودمتم سالمين.

____________________

(1) صحيح البخاري لمحمد البخاري، طبعة دار طوق النجاة، الطبعة الأولى، تحقيق محمد زهير بن ناصر الناصر، ج8، ص119.

(2) المصدر السابق، ص120.

(3) المصدر السابق.

(4) المصدر السابق.

(5) المصدر السابق، ص121.

(6) صحيح مسلم لمسلم النيسابوري، طبعة دار إحياء التراث العربي، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، ج4، ص1793.