هل يعتمد الشيعة الإمامية في رواية واقعة الطف على رواية أبي مخنف فقط؟

الراصد: المصادر التأريخية التي أُلّفت قديماً حول واقعة كربلاء كمقتل أبي مخنف(1) واللهوف لابن طاووس، فضلا عن مجالس خطباء المنبر الحسيني، لو ترجمناها إلى اللغة الانجليزية وأعطيناها لأشهر مخرجي أفلام هوليوود كستيفين سبيلبيرغ وكريستوفر نولان، ولكونهم لا يعرفون الامام الحسين ولَم يسمعوا بمعركة الطف، فسوف لن يخامر  عقولهم أدنى شك بأنها رواية تأريخية من نسج خيال كاتب بارع إختار أبطالها بدقة وسبك أحداثها بعناية، ولا تحتاج إلا إلى سيناريست ذكي ومنتج ثري ليخرجها أحدهم، كفلم ملحمي ناجح يستحوذ على شبابيك التذاكر، والفضل بالطبع يعود للكاتبين الروائيين أبي مخنف وإبن طاووس، اللذين أعطياها طابعاً درامياً باختلاقهما أحداثاً خرافية وسردهما وقائع إسطورية، ولا غرابة إذا ما فازا بجائزة الأوسكار لأفضل كتّاب القصص السينمائيّة !! وأبو مخنف متروك ولم يعتد ويعتبر بروايته ويعتمد عليها سوى الشيعة، فقد كان من أعظم مؤرخي الشيعة على قول ابن القمي.  انظر : مرويات ابي مخنف في تاريخ الطبري للدكتور يحيى اليحيى قال بن الجوزي في الموضوعات (1/406) عقب كلامه على حديث منسوب لابن عباس  (( قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لما خلق الله الجنة قال لها أما ترضين أن زينت ركنين منك بالحسن والحسين ؟ فماست الجنة برأسها موس العروس ليلة عرسها واهتزت، فقال الله لها: لم علمت ذا ؟ قالت: شوقا منى إليهما "  قال بن الجوزي : (( ...في حديث ابن عباس أبو صالح و الكلبى وأبو مخنف وكلهم كذابون ))  - وقال الذهبي في الميزان ( 5/508...) : (( قال ابن معين ليس بثقة وقال مرة ليس بشيء وقال ابن عدي شيعي محترق ... )) - وقال في تاريخ الاسلام (9/581) : (( لوط بن يحيى، أبو مخنف الكوفي الرافضي الإخباري صاحب هاتيك التصانيف يروي عن الصقعب بن زهير ومجالد بن سعيد وجابر بن يزيد الجعفي وطوائف من المجهولين. وعنه علي بن محمد المدائني وعبد الرحمن بن مغراء وغير واحد. قال ابن معين: ليس بثقة. وقال أبو حاتم: متروك الحديث. وقال الدراقطني: أخباري ضعيف. قلت: توفي سنة سبع وخمسين ومائة )) - وقال صلاح الدين محمد بن شاكر أحد تلامذة الحافظ المزي في كتاب فوات الوفيات (3/255) : (( لوط بن يحيى بن مخنف بن سليمان الأزدي، أبو مخنف - بالميم والخاء المعجمة والنون والفاء - وجده مخنف من أصحاب علي بن أبي طالب رضي الله عنه. توفي لوط سنة سبع وخمسين ومائة. وكان راوية أخبارياً صاحب تصانيف، وكان يروي عن جماعة من المجهولين؛ قال أبو حاتم: متروك الحديث، وقال الدراقطني: أخباري ضعيف ))  - ونقل الدكتور راغب في قصة الفتنة (1/13) عن الحافظ انه قال : (( لوط بن يحيى أبو مخنف إخباري تالف لا يوثق به ))  فهو كذاب متروك لا يوثق به ، و الله أعلم .  (1) أبي مخنف لوط بن أبي يحيى، في سير أعلام النبلاء : قال ابن معين : ليس بثقة. وقال ابو حاتم : متروك الحديث. وقال الدارقطني : أخباري ضعيف قال الذهبي: تالف لا يوثق به. (ميزان الاعتدال : 3/419).

: اللجنة العلمية

في البدء علينا أن نعرف أن الشيعة الإمامية لا تعتمد في رواية واقعة الطف وما جرى فيها على رواية أبي مخنف فقط، أو مصدرين أو ثلاثة، بل توجد عندهم مصادر كثيرة تعتمدها في رواية الواقعة، منها ما ورد  عن أئمتهم المعصومين (عليهم السلام)، ومنها ما ورد عن أصحاب الأئمة (عليهم السلام)، ومنها ما ورد عن كبار محدثيهم وعلمائهم، ومنها ما ورد في مصادر غيرهم من كتب أهل السنة وتاريخهم، ومن أراد الاطلاع فعليه مراجعة كتاب (الصحيح من مقتل الحسين عليه السلام) للشيخ الريشهري، حتى يقف على عشرات المصادر والروايات المعتبرة التي يعتمدها الشيعة في رواية واقعة الطف، غير رواية أبي مخنف أو غيره. هذا من جانب.

ومن جانب آخر لا يعتد بالطعن الذي أورده بعض المؤرخين بحق أبي مخنف، لأنه طعن مذهبي، بسبب تشيع الرجل وولاءه لأهل البيت (عليهم السلام)، ولا علاقة له بالرواية والخبر، وإلا فالرجل ممدوح في كتب الإمامية، وقد عدّه الشيخ النجاشي شيخ أصحاب الأخبار ووجههم بالكوفة، وكان يسكن إلى ما يرويه (رجال النجاشي ص 320) .

نعم تنبغي الإشارة هنا بأن المقتل المتداول الآن والمنسوب لأبي مخنف ليس صحيحاً؛ لشهادة المحققين باختفاء مقتل أبي مخنف منذ قرون، ولم يبق منه سوى ما يذكره الطبري وابن الأثير عنه في تاريخهما. 

قال الشيخ محمد السماوي في تقديمه لكتاب مقتل الحسين للخوارزمي ما نصه: 

" فإن المقاتل القديمة المفضلة، كمقتل أبي مخنف، لم يبق منها شيء، إلا ما نقله الطبري والجزري وأمثالها في ضمن كتبهم، فأما أعيانها فلم يبق منها شيء، لأنّ (مقتل أبي مخنف) لم يوجد منذ خمسة أو ستة قرون، وكذلك أمثاله ".

وقد شهد بعض المؤرخين الشيعة، مثل الشيخ آغا بزرك الطهراني، بوجود بعض الموضوعات في الكتاب المتداول اليوم (انظر : الذريعة إلى تصانيف الشيعة ج22 ص 27).