التناقض بين صلح الحسن (ع) وقتال الإمام الحسين (ع).

الشبهة: إنّ الحسن (عليه السلام) صالح معاوية وسلّمه الحكم في وقت كان يجتمع عنده من الانصار والجيوش ما يمكنه من مقاتلته، وخرج الإمام الحسين (عليه السلام) في قلة من أصحابه على يزيد بن معاوية في وقت كان يمكنه فيه المصالحة والموادعة!!! ولا يخلو أن يكون أحدهما على الحق، فيكون الأخر على خلافه؛ لأنّ القول بأنّ كلاهما كانا على الحق يكون جمعاً بين النقيضين، واجتماع النقيضين محال. وعليه فإذا كان أحدهما على خلاف الحق فسوف تبطل عصمته، وبالتالي تبطل إمامته، لأنّ العصمة من أهم خصائص الإمام عند الشيعة، فلا يكون غير المعصوم إماماً عندهم، وإذا بطلت إمامة أحدٍ ممن يدّعى إمامتهم عند الشيعة سوف يبطل أصل الإمامة عندهم. لأنّ الأئمة عند الشيعة معيّنون منصوص عليهم. وإذا بطل هذا الأصل بطل التشيّع بكامله....

: السيد مهدي الجابري الموسوي

الخطوة الأولى: هذا الإشكال ليس تاماً، بل الثابت أنّ الإمام الحسن (عليه السلام) قد انهار جيشه  بسبب الخيانات التي حصلت من بعض القادة، ووصل الأمر الى التآمر على تسليم الإمام الحسن (عليه السلام) إلى معاوية، وأدرك (عليه السلام) هذه المؤامرة وكان أمامه خياران: إمّا الاستسلام المذل أو الصلح الكريم، فاختار الثاني على الأول...وأمّا الإمام الحسين (عليه السلام) فقد خرج ثائراً برجال قلوبهم كزبر الحديد, وقد حقق بثورته وأنصاره ما أذهل الدنيا من صنوف البطولة والشجاعة والإباء... فشتان بين موقف الإمام الحسن (عليه السلام) وموقف الحسين (عليه السلام).

الخطوة الثانية: إنّ هذا المورد ليس من اجتماع النقيضين، لأنّ صلح الإمام الحسن (عليه السلام) كان أمراً مشروعاً بنص حديث رسول الله (صلى الله عليه واله): إنّ ابني هذا سيّد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين ..... فالحسن كان على الحق في صلحه، كما صالح رسول الله (صلى الله عليه واله) في الحديبية لمصالح معيّنة، ولا يمكن لأحد أن يقول إنّ صلح الحسن (عليه السلام) غير مشروع، بل الصلح يجوز مع المسلم والكافر على السواء وفق شروط معيّنة، وثورة الحسين (عليه السلام). كانت مشروعة أيضا بنص حديث رسول الله (صلى الله عليه واله): (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة).. ولما ورد عن النبي (صلى الله عليه واله) (حسين مني وأنا من حسين).. قال المناوي في "فيض القدير": (حسين مني وأنا منه) قال القاضي: كأنّه بنور الوحي علم ما سيحدث بين الحسين وبين القوم فخصّه بالذكر وبيّن أنّهما كشيء واحد في وجوب المحبة وحرمة التعرّض والمحاربة وأكّد ذلك بقوله (أحب اللّه من أحب حسيناً) (فإنّ محبته محبة الرسول ومحبة الرسول محبة اللّه)1

بل جاء الدليل بلزوم نصرته لمن يدركه، فقد ذكر الشوكاني في "در السحابة في مناقب القرابة والصحابة": (أخرج البغوي وابن السكن والبارودي وابن منده وابن عساكر والطبراني في (الكبير) بإسناد رجاله ثقات عن أم سلمة: إنّ ابني هذا - يعني الحسين - يقتل بأرض من أرض العراق، يقال لها كربلاء، فمن شهد ذلك منكم فلينصره)2 فأين التناقض بين الموقفين وكلاهما حق مشروع؟؟؟؟!!!!  اللهم إلاّ أن يقول الخصم أنّ الحق هو في القتال دائماً دون الصلح مع الطرف الآخر... فهذا لا دليل عليه وإلاّ كان فعل الرسول (صلى الله عليه واله) في الحديبية باطلاً ولا يقول به أحد... فالحرب والسلم لهما ظروفهما وعواملهما والحق والباطل لا يدور مدار الحرب والسلم مطلقاّ بمعزل عن العوامل المحيطة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- فيض القدير 3: 513

2- در السحابة في مناقب القرابة والصحابة: 294