هل جاء النبي الى مسجدِ الكوفةِ؟

هل توجدُ رواياتٌ تُخبرُ بأنَّ النبيَّ أو الأئمّةَ جاؤوا إلى العراقِ ومسجدِ الكوفةِ تحديداً؟

الجواب :

السلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه،

توجدُ في مسجدِ الكوفةِ المُعظّمِ عدّةُ مقاماتٍ لأهلِ البيتِ (عليهم السلام)، وهيَ: مقامُ النبيِّ الأكرمِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله)، ومقامُ أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السلام)، ومقامُ الإمامِ السجّادِ (عليهِ السلام)، ومقامُ الإمامِ الصادقِ (عليهِ السلام). 

وقد أوردَ قدماءُ المُحدّثينَ الأعمالَ المخصوصةَ منَ الصلاةِ والدعاءِ بهذه المقاماتِ وغيرِها في مسجدِ الكوفة، كالشيخِ المُفيدِ في المزارِ الكبير، وابنِ المشهديّ في المزارِ الكبير، وابنِ طاووسَ الحلّيّ في مصباحِ الزائرِ، والشهيدِ في المَزار، وغيرِهم، وهُم نقلوها عَن أسلافِهم منَ المُحدّثينَ والأكابر. 

وقد جاءَت هذهِ العناوينُ في كلماتِ المُحدّثين، نحوَ: « الصلاةُ والدعاءُ عندَ الأسطوانةِ الثالثةِ ممّا يلي بابَ كندةَ لزينِ العابدين عليٍّ بنِ الحُسين (عليهِ السلام) بعدَ ثلاثِ أساطينَ مِن بابِ كندة »، « الصلاةُ والدعاءُ عندَ بابِ أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السلام) للحاجة »، « صلاةٌ أخرى للحاجةِ في جامعِ الكوفةِ تُصلّي عندَ بابِ أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السلام) »، « الصلاةُ والدّعاء في مُصلّى أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السلام) »، « الصلاةُ والدّعاءُ على دكّةِ الصادقِ (عليهِ السلام) »، ونحوها. فهذهِ الأعمالُ المخصوصةُ بهذه المقاماتِ ممّا توارثَها المُحدّثونَ جيلاً بعدَ جيل، إلى أن وصلَت إلينا. 

أمّا بالنسبةِ لدخولِ أهلِ البيتِ (عليهم السلام) للعراقِ عموماً، ومسجدِ الكوفةِ خصوصاً ـ كما وردَ في نصِّ السؤال ـ فنقولُ: 

أمّا خاتمُ الأنبياءِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله):  

فقد جاءَت رواياتٌ أنَّ النبيَّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) نزلَ ـ أثناءَ مُعجزةِ الإسراءِ والمعراجِ ـ في مسجدِ الكوفة، وصلّى فيه، وهذهِ بعضُ الرواياتِ: 

مِنها: ما رواهُ الشيخُ البُرقيّ في [المحاسنِ ج1 ص56]، والشيخُ الكُلينيّ في [الكافي ج3 ص491]، والشيخُ العيّاشيّ في [التفسيرِ ج2 ص277]، وابنُ قولويهِ القُميّ في [كاملِ الزياراتِ ص72 ب8 ح6]، والشيخُ المفيدُ في [المزارِ ص8]، والشيخُ الطوسيّ في [تهذيبِ الأحكامِ ج3 ص250 + ج6 ص32]، وابنُ المشهدي في [المزارِ الكبير ص123]، وفي [فضلِ الكوفةِ ومساجدِها ص28+29]، بأسانيدِهم عن أبي عبدِ اللهِ الصّادقِ (عليهِ السلام) قالَ: « ما مِن عبدٍ صالحٍ ولا نبيٍّ إلّا وقد صلّى في مسجدِ كوفان، حتّى أنَّ رسولَ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) لمّا أُسريَ بهِ قالَ لهُ جبرئيلُ (عليه السلام): أتدري أينَ أنت؟ مقابلَ مسجدِ كوفان، فقالَ: استأذِن ربّكَ حتّى أهبطَ فأصلّي فيهِ، فاستأذنَ، فأذنَ له، فهبطَ، فصلّى فيهِ ركعتين ». 

ومِنها: ما رواهُ ابنُ قولويه القُمّيّ في [كاملِ الزيارات ص78ـ79 ب8 ح17] بالإسنادِ عن عائشةَ، قالَت: سمعتُ رسولَ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله) يقولُ: « عُرجَ بي إلى السماءِ، وإنّي هبطتُ إلى الأرضِ، فأُهبِطتُ إلى مسجدِ أبي نوحٍ (عليهِ السلام) وأبي إبراهيم، وهوَ مسجدُ الكوفة، فصلّيتُ فيهِ ركعتين ».

ومِنها: ما رواهُ المُحدّثُ محمّدٌ بنُ عليٍّ العلويّ في [فضلِ الكوفةِ وفضلِ أهلِها ص27ـ28 ح1]، وابنُ المشهديّ في [المزارِ الكبير ص126]، وفي [فضلِ الكوفةِ ومساجدِها ص30ـ33] بالإسنادِ عن عبدِ اللهِ بنِ مسعود، قالَ: قالَ رسولُ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله): « يا ابنَ مسعود، لمّا أُسريَ بي إلى السماءِ أراني جبرئيلُ مسجدَ كوفان، فقلتُ: يا جبرائيلُ، ما هذا؟ قالَ: مسجدٌ مباركٌ، كثيرُ الخيرِ، عظيمُ البركة، اختارَه اللهُ لأهلِه، وهوَ يشفعُ لهُم يومَ القيامة ».

وأمّا أميرُ المؤمنينَ (عليهِ السلام): 

فدخولهُ للعراقِ ومسجدِ الكوفةِ غنيٌّ عن البيان؛ إذ استوطنَ الإمامُ (عليهِ السلام) الكوفةَ أيّامَ تسنّمِه زمامَ السّلطةِ، وكانَت صلاتُه في مسجدِها، كلُّ ذلكَ معروفٌ لدى قاطبةِ المُسلمين. 

وأمّا الإمامُ زينُ العابدين (عليهِ السلام): 

فقد جاءَت رواياتٌ وفيرةٌ: أنَّ الإمامَ السجّادَ (عليهِ السلام) جاءَ منَ المدينةِ إلى الكوفة، وصلّى في مسجدِها، وزارَ أميرَ المؤمنين (عليهِ السلام)، وهذهِ بعضُ الروايات: 

مِنها: ما رواهُ ابنُ قولويه في [كاملِ الزّيارات ص70 ب8 ح1] بالإسنادِ عن أبي حمزةَ الثماليّ: « أنَّ عليّاً بنَ الحُسين (عليهِ السلام) أتى مسجدَ الكوفةِ عمداً منَ المدينةِ، فصلّى فيهِ رَكعتين، ثمّ جاءَ حتّى ركبَ راحلتَه وأخذَ الطريق ».

ومِنها: ما رواهُ الشيخُ الصّدوقُ في [الأماليّ ص389]، والشيخُ المفيدُ في [المزارِ الكبير ص362]، وابنُ المشهدي في [المزارِ الكبير ص168] وغيرُهم، عن أبي حمزةَ الثماليّ قالَ: « دخلتُ مسجدَ الكوفةِ، فإذا أنا برجلٍ عندَ الأسطوانةِ السابعةِ قائِماً يُصلّي، يحسنُ ركوعَه وسجودَه، فجئتُ لأنظرَ إليه، فسبقَني إلى السجودِ، فسمعتُه يقولُ في سجودِه: اللهمَّ إن كنتُ قد عصيتُك... ثمَّ انفتلَ وخرجَ مِن بابِ كندة، فتبعتُه حتّى أتى مناخَ الكلبيّينَ فمرَّ بأسودٍ فأمرَه بشيءٍ لَم أفهَمه، فقلتُ: مَن هذا؟ قالَ: هذا عليٌّ بنُ الحُسين، فقلتُ: جعلَني اللهُ فداكَ، ما أقدمكَ هذا الموضعَ؟ فقالَ: الذي رأيتَ ».

ومِنها: ما رواهُ الشيخُ المُفيدُ في [المزارِ الكبير ص139]، والشيخُ الطوسيُّ في [مصباحِ المُتهجّد ص738]، وابنُ المشهديّ في [المزارِ الكبير ص282]، والسيّدُ عبدُ الكريم بنُ طاووسَ في [فرحةِ الغريّ ص70] وغيرُهم، عن جابرٍ بنِ يزيدَ الجُعفيّ قالَ: قالَ أبو جعفرٍ (عليهِ السلام): « مضى أبي عليٌّ بنُ الحُسين إلى قبرِ أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السلام) بالمجازِ ـ وهو ناحيةُ الكوفة ـ، فوقفَ ثمَّ بكى، وقالَ: السلامُ عليكَ يا أميرَ المؤمنين ورحمةُ اللهِ وبركاتُه، السلامُ عليكَ يا أمينَ اللهِ في أرضِه، وحُجّتَه على عبادِه... » وهيَ زيارةُ أمينِ اللهِ المشهورة. 

وأمّا مقامُ الإمامِ الصّادقِ (عليهِ السلام): 

فإنَّ منَ الأمورِ المَعروفةِ والمعلومةِ دخولُ الإمامِ (عليهِ السلام) للعِراق، واستقرارُه في الحيرةِ، ونشرُه العلومَ الإلهيّةَ فيها وفي الكوفةِ، وتخرّجَ كثيرٌ مِن أهلِ العلمِ مِن مدرستِه. وأثناءَ وجودِه في العراقِ زارَ أميرَ المؤمنينَ (عليهِ السلام)، وأرشدَ خاصّةَ الشيعةِ إلى قبرِه الشريف ـ إذ كانَ موضعُه مستوراً عن كثيرٍ منَ الناس ـ، كما زارَ قبرَ سيّدِ الشهداءِ (عليهِ السلام) أيضاً، كما كانَ يُصلّي في مسجدِ الكوفةِ وفي مسجدِ سُهيل ـ المعروفِ بمسجدِ السّهلة ـ. 

وممّا يدلُّ على دخولِه مسجدَ الكوفةِ بالخصوص: ما رواهُ الشيخُ الكُلينيّ في [الكافي ج3 ص493] عن سفيانَ بنِ السّمط أنّه في « أيامِ أبي العبّاسِ [يعني السفّاح] دخلَ أبو عبدِ الله (عليهِ السلام) مِن بابِ الفيل، فتياسرَ حينَ دخلَ منَ البابِ، فصلّى عندَ الأسطوانةِ الرابعةِ وهيَ بحذاءِ الخامسةِ، فقلتُ: أفتلكَ أسطوانةُ إبراهيمَ (عليهِ السلام)؟ فقالَ لي: نعم ». 

والرواياتُ الدالّةُ على وجودِه في الحيرةِ وزيارتِه لأميرِ المؤمنينَ (عليهِ السلام) كثيرةٌ:

مِنها: ما رواهُ الشيخُ الكُلينيّ في [الكافي ج1 ص456]، وابنُ قولويه في [كاملِ الزياراتِ ص82 ب9 ح3]، وعبدُ الكريمِ ابنُ طاووس في [فرحةِ الغري ص92]، بالإسنادِ عن عبدِ اللهِ بنِ سنان، قالَ: أتاني عمرُ بنُ يزيد، فقالَ لي: اركَب، فركبتُ معَه، فمضَينا حتّى نزَلنا منزلَ حفصٍ الكناسيّ، فاستخرجَه فركبَ مَعنا، فمضينا حتّى أتينا الغريّ، فانتهينا إلى قبرٍ، فقالَ: انزلوا، هذا القبرُ قبرُ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام)، فقُلنا له: مِن أينَ عرفتَ هذا؟ قالَ: أتيتُه معَ أبي عبدِ الله (عليهِ السلام) حيثُ كانَ في الحيرةِ غيرَ مرّةٍ، وأخبرَني أنّهُ قبرُه.

مِنها: ما رواهُ الشيخُ الكُلينيّ في [الكافي ج4 ص571]، وابنُ قولويه في [كاملِ الزياراتِ ص83 ب9 ح4]، وعبدُ الكريم ابنُ طاووس في [فرحةِ الغري ص92]، بالإسنادِ عن يزيدَ بنِ عُمر بنِ طلحة، قالَ: قالَ أبو عبدِ الله (عليهِ السلام) - وهوَ بالحيرةِ -: أما تريدُ ما وعدتُك؟ قالَ: قلتُ: بلى - يعني الذهابَ إلى قبرِ أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السلام) -، قالَ: فركبَ... إلى آخرِ الرواية.

مِنها: ما رواهُ الشيخُ الكُلينيّ في [الكافي ج4 ص572]، وابنُ قولويه في [كاملِ الزياراتِ ص83 ب9 ح5]، وعبدُ الكريم ابنُ طاووس في [فرحةِ الغري ص86]، بالإسنادِ عن أبانَ بنِ تغلب ، قالَ : « كنتُ معَ أبي عبدِ الله (عليهِ السلام) فمرَّ بظهرِ الكوفة، فنزلَ وصلّى ركعتين، ثمَّ تقدّمَ قليلاً، فصلّى ركعتين، ثمّ سارَ قليلاً، فنزلَ فصلّى ركعتين، ثمَّ قال: هذا موضعُ قبرِ أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السلام)، قلتُ: جُعلتُ فداكَ، فما الموضعينِ الذينَ صلّيتَ فيهما؟ قالَ: موضعُ رأسِ الحُسينِ (عليهِ السلام) وموضعُ منبرِ القائمِ (عليهِ السلام) ».

مِنها: ما رواهُ ابنُ قولويه في [كاملِ الزياراتِ ص84 ب9 ح7] بالإسنادِ عن صفوانَ بنِ مهران، عن جعفرٍ بنِ مُحمّدٍ (عليهما السلام)، قالَ : سارَ وأنا معَه منَ القادسيّةِ حتّى أشرفَ على النجفِ، فقالَ: « هوَ الجبلُ الذي اعتصمَ بهِ ابنُ جدّي نوح.. إلى آخرِ الرواية ».

والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.