خير إخواني علي، وخير أعمامي حمزة

ما صحة هذا الحديث «خير إخواني علي، وخير أعمامي حمزة»؟

الجواب :

السلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه:

يقعُ الكلامُ حولَ هذا الحديثِ في نُقطتين: 

النقطةُ الأولى: طرقُ الحديثِ واعتبارُه: 

هذا الحديثُ رواهُ الشيعةُ وغيرُهم مِن طرقٍ عديدة، وهيَ: 

الطريقُ الأوّل: الشيخُ الصّدوقُ في [الأمالي ص647] عن جعفرٍ الكوفيّ، عن جدِّه، عن جدِّه، عن السكونيّ، عن الصادقِ (عليهِ السلام)، عن آبائِه (عليهم السلام)، عن رسولِ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله).

الطريقُ الثاني: الشيخُ الصّدوقُ في [عيونِ أخبارِ الرّضا ج2 ص66] عن الجعابيّ، عن الرّازيّ، [عن أبيه،] عن الإمامِ الرّضا (عليهِ السلام)، عن آبائِه (عليهم السلام)، عن رسولِ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله).

الطريقُ الثالث: المُحدّثُ فضلُ اللهِ الراونديّ في [النوادرِ ص81] عن الرويانيّ، عن التيميّ، عن الديباجيّ، عن ابنِ الأشعث، عن موسى، عن أبيه، عن أبيهِ الكاظم (عليهِ السلام)، عن آبائِه (عليهم السلام)، عن رسولِ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله). 

والمحدّثُ ابنُ المغازليّ في [مناقبِ عليٍّ ص234] عن أحمدَ العطّار، عن ابنِ السقا، عن ابنِ الأشعث، عن موسى، عن أبيهِ، عن أبيهِ الكاظمِ (عليهِ السلام)، عن آبائِه (عليهم السلام)، عن رسولِ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله).

الطريقُ الرّابع: الحافظ ابنُ عساكر في [تاريخِ دمشق ج42 ص62] عن أبي سعدٍ وأبي عليٍّ، عن أبي نعيمٍ، عن مُخلّد، عن الآدميّ، عن صهيبٍ، عن إسماعيلَ الكوفيّ، عن عمرو، عن عبدِ الرّحمان بنِ عابس، عن أبيه، عن رسولِ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله).

والمُحدّثُ محمّدٌ بنُ سُليمانَ الكوفيّ في [مناقبِ الإمامِ أميرِ المؤمنين ج1 ص340، وفي ص350] عن خضرٍ، عن الحمانيّ، عن عمرو، عن عبدِ الرحمان، عن عمِّه، عن النبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله).

الطريقُ الخامس: المحدّثُ ابنُ مردويه في [مناقبِ عليّ ص100] مُرسلاً عن ابنِ عبّاس قالَ: قالَ رسولُ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله).

الطريقُ السّادس: المحدّثُ الديلميّ في الفردوسِ ـ كما في [كنزِ العُمّال ج11 ص600، والصواعقُ المُحرقة ص124] ـ مُرسلاً عن عائشةَ، عن النبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله).

أقولُ: إنَّ أكثرَ هذه الطرقَ وإن شابَها ضعفٌ مِن جهةِ الإرسالِ أو وجودِ راوٍ مُهملٍ أو ضعيفٍ في إسنادِها، لكنّها تتعاضدُ وتتقوّى ببعضِها البعض، كما أنّها مرويّةٌ مِن طُرقِ الإماميّةِ والزيديّةِ والسنّةِ، وهذا يؤشّرُ لنحوِ وفاقٍ بينَ الفِرقِ على روايتِها، ثمَّ روايةُ خصوصِ مُحدّثي أهلِ السنّةِ لها معَ شدّةِ تحسّسِهم مِن روايةِ مناقبِ آلِ المُصطفى (صلّى اللهُ عليهِ وآله) يُعدُّ عاضداً وشاهداً على اعتبارِها، ثمّ يكفينا في المقامِ أنَّ الطريقَ الأوّلَ مُعتبرٌ على الأقوى. 

النقطةُ الثانية: دلالةُ الحديث: 

الحديثُ رُويَ على وَجهين، أوّلُهما: « خيرُ أعمامي حمزة »، والآخرُ: « أحبُّ أعمامي إليَّ حمزة »، وكِلا الوجهينِ يدلّانِ على أنَّ حمزةَ (عليهِ السلام) أفضلُ أعمامِ النبيّ الأكرمِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله)، هذا إذا كُنّا نحنُ وهذا الحديثُ فقط، أو كنّا نحنُ والأحاديثُ الواردةُ في فضلِ الحمزةِ (عليهِ السلام)، فإنّه وردَت أحاديثُ كثيرةٌ في بيانِ مقامِه الشامخ. 

ولكن، وردَت أحاديثُ كثيرةٌ في مقامِ وعلوِّ رُتبةِ أبي طالبٍ (عليهِ السلام) أيضاً، مِنها: ما رواهُ الشيخُ الطوسيّ في [الأمالي ص305] بإسنادِه عن أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السلام) قالَ: « والذي بعثَ مُحمّداً بالحقِّ نبيّاً، إنّ نورَ أبي طالبٍ يومَ القيامةِ ليُطفئُ أنوارَ الخلقِ إلّا خمسةَ أنوار: نورُ محمّدٍ (صلّى اللهُ عليهِ وآله)، ونوري، ونورُ فاطمة، ونورَي الحسنِ والحُسين، ومِن ولدِه مِنَ الأئمّة؛ لأنَّ نورَه مِن نورِنا الذي خلقَه اللهُ (عزّ وجلّ) مِن قبلِ خلقِ آدمَ بألفي عام ». 

وهذا الحديثُ يدلُّ على أنَّ لأبي طالبٍ (عليهِ السلام) مقاماً شامِخاً جدّاً؛ إذ تظهرُ الكمالاتُ والمقاماتُ الحقيقيّةُ للخلقِ في يومِ القيامة، فانظُر إلى هذهِ الفقرة: « إنَّ نورَ أبي طالبٍ يومَ القيامةِ ليُطفئُ أنوارَ الخلقِ إلّا خمسةَ أنوار.. » ولاحِظ أنّ كلمةَ « الخلقِ » عامٌّ يشملُ جميعَ الخلق، ومِن جُملتِهم الحمزة (عليهِ السلام).

وحينئذٍ، يقعُ التعارضُ بينَ الرواياتِ الواردةِ في فضلِ الحمزة (عليهِ السلام)، وبينَ الرواياتِ الواردةِ في فضلِ أبي طالبٍ (عليهِ السلام)، وهاهُنا ترتبكُ الأفهامُ وتضطربُ النفوس، فإنّهما نجمانِ لا سبيلَ لنيلِهما، والوصولِ لمقامِهما، وفهمِ حقيقةِ مكانتهِما عندَ اللهِ تعالى، وإن كُنّا لا نشكُّ في وجودِ تفاوتٍ في المرتبةِ بينَهما في نفسِ الأمرِ والواقع، إلّا أنَّ ترجيحَ أحدِهما على الآخرِ معَ عدمِ وجودِ دليلٍ مُحكمٍ وقويّ مُشكلٌ، خصوصاً أنّه لم يرِد حديثٌ معصوميٌّ مُعتبَرٌ يُرجّحُ أحدَهما على الآخرِ بالخصوص، فتركُ الكلامِ فيه تفصيلاً وترجيحاً أحوطُ وأحفظُ لرعايةِ الحُرمة، لأنَّ الترجيحَ بينَهما مِن مزالقِ الأقدام، معَ أنّه ليسَ منَ الأمورِ اللازمةِ معرفتُها وتحقيقُها، فالأليَقُ هوَ الاعتقادُ بمقامِهم كما هُم في نفسِ الأمرِ والواقع.

والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.