تفسير ((يوم يبعثون))

ما الفرق بين ((يوم يبعثون)) و ((الوقت المعلوم)) في القران الكريم ؟

الجواب :

السلامُ عليكُم ورحمةُ الله،

لا شكَّ بأنَّ هناكَ فرقاً بينَ يومِ البعثِ ويومِ الوقتِ المعلوم، إذ يومُ الوَقتِ المَعلُومِ هوَ المُسمّى فيهِ أجلُ إبليس عندَ اللّهِ تعالى. وأمّا يومُ البعثِ فهوَ يومُ القيامة، وهوَ يومُ الحسابِ منَ اللهِ تعالى للعبادِ بعدَ انقضاءِ الحياةِ الدنيا، فيُثابُ المؤمنونَ بالجنّة، ويُعاقبُ الكافرونَ بالنار. قالَ تعالى: {وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبعَثُ مَن فِي القُبُورِ} [الحج : 7] . وقالَ تعالى: {ثُمَّ إِنَّكُم يَومَ القِيَامَةِ تُبعَثُونَ} [المؤمنون : 16]. وقالَ تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا العِلمَ وَالإِيمَانَ لَقَد لَبِثتُم فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَومِ البَعثِ فَهَذَا يَومُ البَعثِ وَلَكِنَّكُم كُنتُم لَا تَعلَمُونَ} [الروم : 56]. إلى غيرِ ذلكَ منَ الآياتِ التي أشارَت إلى يومِ البعث.

ثُمَّ إنَّ إبليسَ (عليهِ اللعنة) لـمّا طلبَ منَ اللهِ تعالى أن يُأخّرَه إلى يومِ البعثِ بقولِه: (قَالَ رَبِّ فَأَنظِرنِي إِلَى يَومِ يُبعَثُونَ)، فإنّه أرادَ بهذا الطلبِ أن يجدَ لنفسِه فُسحةً في الإغواء، أو نجاةً منَ الموتِ إذ لا موتَ بعدَ أن يجدَ وقتَ البعث. فأجابَه إلى الأوّلِ دونَ الثّاني «قالَ فَإِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ إِلى يَومِ الوَقتِ المَعلُومِ»: المُسمّى فيهِ أجلكَ عندَ اللَّه.

هذا وقد بيّنَت بعضُ الأخبارِ الواردةِ عن أئمّةِ أهلِ البيت (ع) السببَ في تأخيرِه إلى الوقتِ المعلوم، إذ مِنها ما وردَ في كتابِ تفسيرِ العيّاشيّ (2 / 241) عن الحسنِ بنِ عطيّة قالَ: سمعتُ أبا عبدِ اللَّه - عليهِ السّلام - يقولُ : إنَّ إبليسَ عبدَ اللَّهَ في السّماءِ الرّابعةِ في ركعتينِ ستّةَ آلافِ سنةٍ ، وكانَ إنظارُ اللَّهِ إيّاه إلى يومِ الوقتِ المعلوم ممّا سبقَ مِن تلكَ العِبادة.

ولكن معَ ذلكَ فقد اختلفَتِ الأخبارُ في موتِ إبليس (لعنَه اللهُ تعالى)، إذ وردَ في بعضِها أنّه يموتُ بينَ النّفختين، وفي بعضِها الآخرِ أنَّ رسولَ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله) يذبحُه على الصخرةِ ببيتِ المقدس، وفي روايةٍ ثالثةٍ أنَّ القائمَ المُنتظر (عج) يضربُ عنقَه في مسجدِ الكوفة. وفيما يلي بيانُ هذهِ الأخبار:

إذ في كتابِ عللِ الشّرائع (402، ح 2)، بإسنادِه إلى يحيى بنِ أبي العلاء الرّازيّ: عن أبي عبدِ اللَّه - عليهِ السّلام - حديثٌ طويل، يقولُ فيه وقد سُئلَ عن قولِ اللَّه - عزّ وجلّ - لإبليس :« فَإِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ ، إِلى يَومِ الوَقتِ المَعلُومِ » . قالَ - عليهِ السّلام: ويومُ الوقتِ المعلومِ يومَ يُنفخُ في الصّورِ نفخةً واحدة ، فيموتُ إبليسُ ما بينَ النّفخة. 

وفي تفسيرِ عليٍّ بنِ إبراهيم ( 2 / 245 ) : عنه - عليهِ السّلام - قالَ : يومُ الوقتِ المعلومِ يومَ يذبحُه رسولُ اللَّه - صلَّى اللَّهُ عليهِ وآله - على الصّخرةِ الَّتي في بيتِ المقدّس .

وفي تفسيرِ العيّاشي ( 2 / 242، ح 14 ) : عن وهبٍ بنِ جميع ، مولى إسحاقَ بنِ عمّار قالَ : سألتُ أبا عبدِ اللَّه - عليهِ السّلام - عن قولِ إبليس : « فَأَنظِرنِي إِلى يَومِ يُبعَثُونَ ، قالَ فَإِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ ، إِلى يَومِ الوَقتِ المَعلُومِ » . قالَ له وهب : جُعلتُ فداك ، أيُّ يومٍ هو؟ قالَ : يا وهب ، أتحسبُ أنّه يومُ يبعثُ اللَّهُ فيهِ النّاسَ ؟ إنَّ اللَّه أنظرَه إلى يومِ يُبعَثُ فيه قائمُنا، فإذا بعثَ اللَّهُ قائمَنا كانَ في مسجدِ الكوفةِ وجاءَ إبليسُ حتّى يجثو بينَ يديه على رُكبتيه ، فيقولُ : يا ويله ، مَن هذا اليوم . فيأخذُ ناصيتَه فيضربُ عُنقَه ، فذلكَ يومُ الوقتِ المعلوم .

هذا وقد حملَ بعضُ أهلِ العلمِ هذهِ الأخبارَ على التعدّدِ في القتل، بأنّ إبليسَ يقتلُ وقتَ الرّجعة، ثمَّ يُحيى ثمّ يموتُ بالنّفخةِ، بناءً على بعضِ أحاديثِ الرّجعة أنَّ كلَّ نفسٍ تذوقُ موتةً وقتلةً. [ينظر: تفسيرُ كنزِ الدقائق للمشهديّ، ج ٧/ ص ١٢٩].

فإن صحّ مثلُ هذا الحملِ بينَ الأخبارِ فِبها ونعمت، وإلّا فينبغي ردُّ العلمِ بها إلى أهلِها (عليهم السلام).

وأمّا الشقُّ الثاني منَ السؤالِ الخاصِّ بعلاقةِ الوقتِ المعلوم بخروجِ الإمامِ المُنتظر (عج)؟ فلعلَّ مردَّ ذلكَ إلى الروايةِ الثالثة التي أوردناها آنفاً والتي رواها العيّاشيُّ في تفسيرِه ( 2 / 242، ح 14 ): عن وهبٍ بنِ جميع ، مولى إسحاقَ بنِ عمّار قال : سألتُ أبا عبدِ اللَّه - عليهِ السّلام - عن قولِ إبليس : « فَأَنظِرنِي إِلى يَومِ يُبعَثُونَ ، قالَ فَإِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ ، إِلى يَومِ الوَقتِ المَعلُومِ » .

قالَ له وهبٌ : جُعلتُ فداك ، أيُّ يومٍ هو؟ قالَ : يا وهب ، أتحسبُ أنّه يومَ يبعثُ اللَّهُ فيهِ النّاسَ ؟ إنَّ اللَّهَ أنظرَه إلى يومِ يبعثُ فيهِ قائمُنا، فإذا بعثَ اللَّهُ قائمَنا كانَ في مسجدِ الكوفة وجاءَ إبليسُ حتّى يجثو بينَ يديه على رُكبتيه ، فيقولُ : يا ويله ، مَن هذا اليوم . فيأخذُ ناصيتَه فيضربُ عُنقَه ، فذلكَ يومُ الوقتِ المعلوم. ودمتُم سالِمين.