قصّةُ بناءِ مسجدِ جَمكران

الجواب :

السلامُ عليكُم ورحمةُ الله،

الجوابُ: يُعدُّ مسجدُ جَمكَران، منَ المساجدِ ذاتِ الأهميّةِ الكبيرةِ في إيران، وهوَ يقعُ في ضاحيةِ مدينةِ قُم المُقدّسة، التي وردَ اسمُها في المصادرِ التاريخيّةِ القديمةِ للمدينةِ معَ تفاصيلَ عن بناءِ المسجدِ والتّرغيب إليهِ والإتيانِ بركعاتٍ خاصّةٍ بأمرٍ منَ الإمامِ المهدي (ع) بعدَ نصفِ قرنٍ مِن انتهاءِ الغيبةِ الصُّغرى. ويتبوّأ المسجدُ موقعاً بارزاً بينَ الناسِ عموماً، والعلماءِ والزّعماءِ الرّوحيّينَ مِنهم خصوصاً، وقد عمّقَ مِن أهمّيّتِه تسميةُ مدينةِ قُم المُرتبطةِ بـقائمِ آلِ مُحمّد في لسانِ رواياتِ أهلِ البيتِ المُتقدّمة.

وأمّا ما يتعلّقُ بحكايةِ بناءِ المسجد، فنحنُ نوردُ ذلكَ بناءً على ما نقله المُحدّثِ النوريّ (ره)، في كتابه جنة المأوى، نقلاً عن كتاب تاريخ قم للحسن بن محمد القمي (ق4هـ) عن كتاب مؤنس الحزين للشيخ محمد ابن بابويه القمي إذ يقول: إنَّ حسناً بنَ مثلة الجمكراني قالَ: كنتُ ليلةَ الثلاثاءِ السابعَ عشرَ مِن شهرِ رمضان المباركِ سنةَ 393 هـ نائماً في بيتي، فلمّا مضى نصفٌ منَ الليلِ فإذا بجماعةٍ منَ الناسِ على بابِ بيتي فأيقظوني وقالوا: قُم وأجبِ الإمامَ المهديَّ صاحبَ الزمان، فإنّه يدعوك. فجئتُ معَه إلى المكانِ الذي يكونُ الآنَ مسجدَ جمكران، فدعاني الإمامُ (عج) باسمي، وقالَ: اذهَب إلى حسنٍ بنِ مُسلم وقُل له: إنَّ هذهِ أرضٌ شريفةٌ قد اختارَها اللهُ تعالى مِن غيرِها منَ الأراضي وشرّفها.

قالَ حسنٌ بنُ مثلة: قلتُ: يا سيّدي لابدَّ لي في ذلكَ مِن علامةٍ، فإنَّ القومَ لا يقبلونَ ما لا علامةَ ولا حُجّةَ عليه، ولا يصدّقونَ قولي. قالَ: إنّا سنعلمُ هناك، فاذهَب، وبلِّغ رسالتَنا، واذهَب إلى السيّدِ أبي الحسنِ (أحدُ عُلماءِ قُم)، وقُل له: أن يبني في هذهِ الأرضِ مسجداً، و إنَّ في قطيعِ جعفرٍ الكاشاني الرّاعي معزّاً يجبُ أن تشتريه، وتجيءَ به إلى هذا الموضعِ وتذبحَه ، ثمَّ تنفقَ لحمَ المعزِ على المرضى ومَن به علّةٌ شديدةٌ فإنَّ اللهَ يشفي جميعَهم، كما أمرَني الإمامُ (عج) بصلاةٍ خاصّة.

وهناكَ لافتةٌ على باحةٍ مسجدِ جمكران تتحدّثُ عن السيّدِ أبي الحسنِ الذي أوكلَ إليهِ مهامَّ بناءِ المسجد، وعن موقعِ قبرِه في رضائيّةٍ مِن أحياءِ آذر بمدينةِ قُم.

فعندَ الصبحِ جئتُ حتّى بلغتُ المكانَ الذي ذهبتُ إليهِ البارحة، ورأيتُ السلاسلَ والأوتاد، وهوَ حدودُ بناءِ المسجدِ على ما أوصى به الإمامُ (عج) بذلكَ، ثمَّ ذهبتُ إلى السيّدِ أبي الحسن، فلمّا وصلتُ إلى بيتِه، قالَ لي الخادم: إنَّ السيّدَ أبا الحسن ينتظرُك مِن سحَر، أنتَ مِن جمكران؟ قلتُ: نعَم، فدخلتُ وسلّمتُ عليه، فأحسنَ في الجوابِ وأكرمَني، ومكّنَ لي في مجلسِه، وسبقَني قبلَ أن أحدّثَه، وقالَ: يا حسنُ بنُ مثلة إنّي كنتُ نائماً فرأيتُ شخصاً يقولُ لي: إنَّ رجلاً مِن جمكران يُقالُ له حسنُ بنُ مثلة يأتيكَ بالغدوِّ ولتصدّقنَ ما يقول، واعتمِد على قولِه، فإنَّ قولَه قولنا، فلا تردّنَ عليهِ قولَه، فانتبهتُ مِن رقدتِي وكنتُ أنتظرُك الآن.

ثمَّ قصصتُ عليهِ ما حدث، فتوجّهنا نحوَ جمكران، فلمّا قربنا منَ القريةِ رأينا، فدخلَ حسنٌ بنُ مثلة بينَ القطيعِ وكانَ ذلكَ المعزُ خلفَ القطيع، فأقبلَ المعزُ عادياً إلى الحسنِ بنِ مثلة، فأخذَه الحسنُ ليُعطي ثمنَه الرّاعي ويأتي به فأقسمَ جعفرٌ الرّاعي أنيّ ما رأيتُ هذا المعزَ قطّ، ولم يكُن في قطيعي إلّا أنّي رأيتُه، وكلّما أريدُ أن آخذَه لا يمكنُني، والآنَ جاءَ إليكم. فأتوا بالمعزِ كما أمرَ به السيّدُ إلى ذلكَ الموضعِ وذبحوه.

ثمَّ بنى السيّدُ أبو الحسنِ المسجدَ بالجذوعِ، وذهبَ السيّدُ بالسّلاسلِ والأوتادِ وأودعَها في بيتِه، فكانَ يأتي المرضى والمعلولون، ويمسّونَ أبدانهَم بالسّلاسل، فيشفيهم اللهُ تعالى عاجلاً ويصحّون.[ ينظر: نجمُ الثاقب، ص 383 - 388؛ ناصرُ الشریعة، ص 234 -237].

وأمّا مصادرُ الحكايةِ، فالرأيُ المشهورُ في بناءِ مسجدِ جمكران الحاليّ يعودُ إلى ما أوردَه الميرزا حُسين النوري في كتابيهِ النجمُ الثاقب، [ج 2/ص 454] وجنّةُ المأوى المطبوع ضمن بحار الأنوار الأنوار ج53 / ص249.] ودمتُم سالِمين.