هل هناكَ دليلٌ قرآنيٌّ أوجبَ الحجابَ على المرأة ؟

من الموقع الفرنسي: هل هناك دليل قرآني أوجب الحجاب على المرأة ؟ وهل اذا واحدة محجبة تعيش في أوربا وجد مهنة لكن لكي تحصل على هذه المهنة طلبوا منها خلع الحجاب هل يحق هل يجوز لها خلع الحجاب كي تجد المهنة وتعمل ؟

الجواب :

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :

نصَّ القرآنُ بشكلٍ واضحٍ وصريحٍ على وجوبِ سترِ المرأةِ لجسمِها وزينتِها، وبالتالي لا يجوزُ لها مُطلقاً الانكشافُ أمامَ الناظرِ الأجنبي، ولم يُجادِل في ذلكَ أحدٌ مِن فُقهاءِ الأمّةِ الإسلاميّةِ بجميعِ طوائفِها ومذاهبِها، ومنَ الآياتِ الدالّةِ على ذلكَ قوله تعالى: (وَقُل لِلمُؤمِنَاتِ يَغضُضنَ مِن أَبصَارِهِنَّ وَيَحفَظنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنهَا ۖ وَليَضرِبنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَو آبَائِهِنَّ أَو آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَو أَبنَائِهِنَّ أَو أَبنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَو إِخوَانِهِنَّ أَو بَنِي إِخوَانِهِنَّ أَو بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَو نِسَائِهِنَّ أَو مَا مَلَكَت أَيمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيرِ أُولِي الإِربَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفلِ الَّذِينَ لَم يَظهَرُوا عَلَىٰ عَورَاتِ النِّسَاءِ ۖ وَلَا يَضرِبنَ بِأَرجُلِهِنَّ لِيُعلَمَ مَا يُخفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ ۚ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ المُؤمِنُونَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ)، والآيةُ نصٌّ صريحٌ على وجوبِ احتجابِ المرأةِ مِن جميعِ الرجالِ ما عدا زوجِها وأبيها وأخيها وابنِها إلى آخرِ ما بيّنَته الآيةُ مِن مُستثنيات.

وكذلكَ منَ الآياتِ التي تؤكّدُ ضرورةَ احتجابِ المرأةِ عن الأجانبِ بشكلٍ مُطلَقٍ هيَ قولهُ تعالى: (وَإِذَا سَأَلتُمُوهُنّ مَتَاعًا فَاسأَلُوهُنّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُم أَطهَرُ لِقُلُوبِكُم وَقُلُوبِهِنّ)، فالآيةُ أوجبَت على مَن يتعاملُ معَ النساءِ أن يكونَ التعاملُ معهنَّ مِن وراءِ حِجاب، وبالتالي لا يجوزُ سؤالهنَّ والتحدّثُ معهنَّ مِن دون أن يكونَ هناكَ ساترٌ يسترهنَّ عن السائل، ومعَ أنَّ كلمةَ الحجابِ في الآيةِ تشملُ الحجابَ الطبيعيَّ مثلَ الجدارِ كما تشملُ أيضاً الحجابَ منَ القماش، إلّا أنَّ البعضَ حاولَ أن يُخصّصَ الحجابَ في الآيةِ بالحجابِ الطبيعي فقط، وإذا سلّمنا بذلكَ فإنَّ القدرَ المُتيقّنَ منَ الآيةِ يكفي في إثباتِ حُرمةِ النظرِ للمرأةِ بشكلٍ مُباشرٍ ومن دونِ حاجبٍ يمنعُ منَ الرؤية.

ومنَ الآياتِ التي تحدّثَت عن الجلبابِ والخمارِ كوصفٍ عمليٍّ لحجابِ المرأة هيَ قولهُ تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء المُؤمِنِينَ يُدنِينَ عَلَيهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدنَى أَن يُعرَفنَ فَلاَ يُؤذَينَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً)، وقوله تعالى: (وَقُل لِّلمُؤمِنَاتِ يَغضُضنَ مِن أَبصَارِهِنَّ وَيَحفَظنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنهَا وَليَضرِبنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ..)، فالآيةُ الأولى تتحدّثُ عن إدناءِ الجلبابِ على الجسمِ بحيثُ لا تبدو معهُ زينةُ المرأة، وتحدّثَت الآيةُ الثانيةُ عن الخمارِ الذي تختمرُ بهِ المرأة، فكلمةُ خِمار في اللغةِ هوَ كلُّ ما يستُر، وسُمّيَت الخمرَةُ خَمراً لأنّها تسترُ العقلَ وتحجبُه، وخمارُ المرأةِ هوَ ما تُغطّي بهِ رأسَها، وخمارُ الرجلِ عمامتُه، وعليهِ لم تقِف الآياتُ عندَ حدودِ الأمرِ الكُلّيّ بضرورةِ الحجابِ وإنّما فصّلَت في بعضِ مناحيهِ مثلَ إدناءِ الجلبابِ والضربِ بالخِمار. 

ومِن ذلكَ يتّضحُ أنَّ حُكمَ الإسلامِ في ما يخصُّ لباسَ المرأةِ هوَ ضرورةُ السترِ لجسمِها وزينتِها مِن كلِّ ناظرٍ أجنبي ولا يجوزُ لها التخلّي عن ذلكَ إلّا في حالةٍ واحدةٍ فقط وهيَ إذا كبرَ سنُّها وأصبحَت منَ القواعدِ منَ النساءِ اللّاتي لا يرجونَ نكاحاً، وهذا صريحُ قولِه تعالى: (وَالقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرجُونَ نِكَاحًا فَلَيسَ عَلَيهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعنَ ثِيَابَهُنَّ غَيرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَن يَستَعفِفنَ خَيرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)، ومعَ أنَّ اللهَ سمحَ للمرأةِ التي لا ترجو نكاحاً بوضعِ ثيابِها إلّا أنّه اشترطَ عليها عدمَ التبرّجِ بزينة، كما نصحَها في آخرِ الآيةِ بضرورةِ الالتزامِ بالعِفّةِ لكونِها خيراً لها. 

وإذا اتّضحَ ذلكَ يتّضحُ أنَّ تركَ المرأةِ الحِجابَ لضرورةِ العملِ لا يجوز، وإذا تعارضَ العملُ معَ الحجابِ وجبَ تركُ العمل، وعلى كلِّ مُكلّفٍ الرجوعُ إلى مرجعِه لأخذِ الفتوى الشرعيّةِ منهُ مُباشرةً.