هل النبيُّ (ص) والإمامُ عليّ (ع) خالقا الكونِ بإذنِ اللهِ تعالى؟

هل النبيُّ مُحمّد صلّى اللهُ عليهِ وآله والإمامُ عليّ عليهِ السلام خالقا الكونِ بإذنِ اللهِ تعالى؟ أرجو الردَّ لأنَّ شخصاً اسمُه أمير القُريشي أدخلَ هذا الأمر بأذهانِ الناس؟

الجواب :

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أخي الكريم: 

مِن حيثُ المبدأ فإنَّ رسولَ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله، وكذا أميرُ المؤمنينَ عليٌّ بنُ أبي طالب صلواتُ الله عليه، وسائرُ أئمّةِ الهُدى عليهم السلام، هُم عبادٌ مُكرمون، وهُم مَخلوقون، وليسوا بخالقينَ ولا آلهة.

وقد كثُرَت الآياتُ، وتواترَت الرواياتُ بذلك.

قالَ تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذكُرُوا نِعمَةَ اللَّهِ عَلَيكُم هَل مِن خَالِقٍ غَيرُ اللَّهِ يَرزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤفَكُونَ).    (فاطر/ 4).

وروى الصفّارُ عن اسماعيل بنِ عبدِ العزيز قالَ قالَ لي أبو عبدِ الله عليهِ السلام ضَع لي في المتوضّأ ماءً قالَ فقمتُ فوضعتُ له فدخلَ قالَ فقلتُ في نفسى أنا أقولُ فيه كذا و كذا ويدخلُ المتوضّأ فلم يلبِث أن خرجَ فقال يا اسماعيل بن عبدِ العزيز لا ترفعوا البناءَ فوقَ طاقتِنا فينهدِم اجعلونا عبيداً مخلوقينَ وقولوا فينا ما شِئتم.

   بصائرُ الدرجات (ص 1) محمّدٌ بنُ الحسنِ الصفّار 

وفي الوقتِ الذي ثبتَ أنّهم عبادٌ للهِ تعالى، مخلوقونَ لهُ تباركَ وتعالى، ثبتَ أيضاً أنّهم أفضلُ الخلقِ وأكملُهم وأكرمُهم على اللهِ تعالى.

فقد روى المفيدُ رحمَه الله عن سعدٍ بنِ عبدِ الله، عن أيّوبَ بنِ نوح عن أحمدَ بنِ إسماعيلَ الفرّاء عن رجلٍ قالَ: قلتُ لأبي عبدِ الله عليهِ السلام: قالَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله في أبي ذر: ما أظلَّت الخضراءُ وما أقلّت الغبراءُ أصدقَ لهجةً مِن أبي ذر؟ قالَ: بلى، قلتُ: فأينَ رسولُ الله وأميرُ المؤمنينَ والحسنُ والحُسين عليهم السلام؟ قالَ: فقالَ لي: كم فيكم السنةُ شهراً؟ قلتُ: إثنا عشرَ شهراً، قالَ: كم مِنها حرامٌ؟ قلتُ: أربعةُ أشهر، قالَ: شهرُ رمضانَ مِنها؟ قلتُ: لا، قالَ: إنَّ في شهرِ رمضانَ ليلةٌ العملُ فيها أفضلُ مِن ألفِ شهر إنّا أهلُ بيتٍ لا يقاسُ بِنا أحد

    الاختصاصُ للشيخِ المُفيد (ج3/ص16)

ووردَ في الزيارةِ الجامعةِ الكبيرة: (آتَاكُم اللهُ مَا لَم يُؤتِ أَحَداً مِنَ العَالَمِينَ ، طَأطَأَ كُلُّ شَرِيفٍ لِشَرَفِكُم ، وَبَخَعَ كُلُّ مُتَكَبِّرٍ لِطَاعَتِكُم ، وَخَضَعَ كُلُّ جَبَّارٍ لِفَضلِكُم ، وَذَلَّ كُلُّ شَيءٍ لَكَم ، وَأَشرَقَتِ الأَرضُ بِنُورِكُم ، وَفَازَ الفَائِزُونَ بِوِلاَيَتِكُم).

وروى الشيخُ الطوسي رحمَه اللهُ قالَ: (قالَ أبو الحسنِ (عليٌّ بنُ) أحمد الدلّال القمّي قالَ: اختلفَ جماعةٌ منَ الشيعةِ في أنَّ اللهَ عزَّ وجل فوّضَ إلى الأئمّةِ صلواتُ اللهِ عليهم أن يخلقوا أو يرزقوا؟ فقالَ قومٌ هذا محالٌ لا يجوزُ على اللهِ تعالى، لأنَّ الأجسامَ لا يقدرُ على خلقِها غيرُ اللهِ عزَّ وجل وقالَ آخرون بل اللهُ تعالى أقدرَ الأئمّةَ على ذلكَ وفوّضَه إليهم فخلقوا ورزقوا وتنازعوا في ذلكَ تنازُعاً شديداً.

فقالَ قائلٌ: ما بالُكم لا ترجعونَ إلى أبي جعفرٍ مُحمّدٍ بنِ عُثمان العَمري فتسألونَه عن ذلكَ فيوضِّح لكم الحقَّ فيه، فإنّهُ الطريقُ إلى صاحبِ الأمر عجّلَ اللهُ فرجَه، فرضيَت الجماعةُ بأبي جعفرٍ وسلّمَت وأجابَت إلى قولِه، فكتبوا المسألةَ وأنفذوها إليه، فخرجَ إليهم مِن جهتِه توقيعٌ نُسختُه: " إنَّ اللهَ تعالى هوَ الذي خلقَ الأجسامَ وقسّمَ الأرزاق، لأنّهُ ليسَ بجسمٍ ولا حالّاً في جسم، ليسَ كمثلِه شيءٌ وهوَ السميعُ العليم، وأمّا الأئمّةُ عليهم السلام فإنّهم يسألونَ اللهَ تعالى فيخلقُ ويسألونَه فيرزق، إيجاباً لمسألتِهم وإعظاماً لحقِّهم).

     الغيبةُ الشيخُ الطوسي (ج7/ص13)

ومعنى هذا الحديثِ الأخير أنّهم عليهم السلام إذا سألوا اللهَ تعالى أن يخلقَ لهُم شيئاً، فإنّه تعالى سيخلقُه لهُم استجابةً لسؤالِهم وإعظاماً منهُ تباركَ وتعالى لحقِّهم عليهم السلام، تماماً كما كانَ عيسى بنُ مريم عليهِ السلام الذي كانَ يخلقُ بمسألةٍ منَ اللهِ تعالى.

ومُقتضى هذه الأحاديث أنّهم عليهم السلام قد خصّهم اللهُ تعالى بمنزلةٍ لا يُدانيها مخلوقٌ قط، فكلُّ منزلةٍ نتصوّرُها لعبادِ اللهِ مِن أنبياءَ وملائكة فهيَ دونَ مرتبتِهم عليهم السلام.

وبما أنَّ القرآنَ وهوَ أصدقُ الحديثِ قد صرّحَ لنا أنَّ عيسى بنَ مريم عليهِ السلام قد أحيا الموتى بإذنِ اللهِ تعالى.

قالَ تعالى: (وَإِذ تَخلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيئَةِ الطَّيرِ بِإِذنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيرًا بِإِذنِي وَتُبرِىءُ الأَكمَهَ وَالأَبرَصَ بِإِذنِي وَإِذ تُخرِجُ المَوتَى بِإِذنِي). (المائدة/111)

وكذلكَ إبراهيمُ خليلُ الرّحمن الذي أحيا الطيرَ بعدَ موتهنّ.

قالَ تعالى: (وَإِذ قَالَ إِبرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيفَ تُحيِي المَوتَى قَالَ أَوَلَم تُؤمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطمَئِنَّ قَلبِي قَالَ فَخُذ أَربَعَةً مِّنَ الطَّيرِ فَصُرهُنَّ إِلَيكَ ثُمَّ اجعَل عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنهُنَّ جُزءًا ثُمَّ ادعُهُنَّ يَأتِينَكَ سَعيًا وَاعلَم أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (البقرة /261).

بل إنَّ اللهَ تعالى أحيا لبني إسرائيل القتيلَ الذي تدارؤوا فيه بضربِه ببعضِ البقرةِ الميتة .

قالَ تعالى: (فَقُلنَا اضرِبُوهُ بِبَعضِهَا كَذَلِكَ يُحيِي اللَّهُ المَوتَى وَيُرِيكُم آيَاتِهِ لَعَلَّكُم تَعقِلُونَ).( البقرة/74).

فإن كانَ هذا ثابتاً لمَن هوَ أدونُ مِنهم عليهم السلام وهوَ ثابتٌ يقيناً، فلماذا لا يثبتُ ما هوَ أفضلُ مِن ذلكَ وأعظمُ لمَن هُم أكرمُ الخلقِ على اللهِ تعالى.

وممّا لا بدَّ منَ الإشارةِ إليه أنَّ ثبوتَ الخلقِ والرزقِ لهم عليهم السلام ليسَ بالاستقلالِ عن اللهِ تعالى، بل بإرادتِه تعالى ومشيئتِه تباركَ وتعالى، وهوَ معنى الولايةِ التكوينيّةِ لهم عليهم السلام.

ودمتُم في حفظِ اللهِ وحُسنِ رعايتِه.