هل يقولوا السنة بعدالةِ جميعِ الصحابةِ ؟

السلامُ عليكم .. كيفَ نقولُ أنَّ السنّةَ يقولونَ بعدالةِ جميعِ الصحابةِ وأنّهم في الجنّةِ و غيرِه .. و هذا غلطٌ ، فالسنّةُ يقولونَ أنَّ الصحابيَّ: أصحُّ ما قيلَ في تعريفِ الصّحابيّ ، هوَ ما اختارَه الحافظُ ابنُ حجر رحمَه اللهُ في "الإصابةِ في تمييزِ الصحابة" (1/158) حيثُ قال :" وأصحُّ ما وقفتُ عليهِ مِن ذلكَ أنَّ الصحابيَّ: مَن لقيَ النبيَّ صلّى اللَّهُ عليهِ وسلّم مُؤمِناً به ، وماتَ على الإسلام "انتهى .. فأينَ الغلوّ هُنا .. و بخصوصِ عدالتِهم : ليسَ المقصودُ بعدالةِ الصحابةِ أنّهم معصومونَ منَ الذنوب ، فهذا لم يَقُل بهِ أحدٌ منَ العُلماء ، فقد تقعُ مِن بعضِهم الهفواتُ والزلّات ، الصغائرُ أو الكبائِر ، ولكنَّ المقصودَ بعدالتِهم هوَ تمامُ الثقةِ بأقوالِهم وأخبارِهم ، فلا يتعمّدونَ الكذبَ في شهادتِهم ، ولا في أخبارِهم ، ولا يتعمّدونَ الكذبَ على الرسولِ صلّى اللهُ عليهِ وسلّم. فمَن أذنبَ وتابَ فلِماذا لا نقولُ بعدالتِه.. فحسبَما فهمتُ هُم يقولونَ بعدالةِ مَن ثبتَت توبتُه لو أذنبَ أو ثبتَ أنّه على الإيمان و كلامُهم اعتقدُ أنّه صحيحٌ؟ فأينَ الغلوّ أيضاً

:

الأخُ السائلُ الكريم، السلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه. بالنسبةِ إلى سؤالِكم الذي هوَ (كيفَ نقولُ أنَّ السنّةَ يقولونَ بعدالةِ جميعِ الصحابةِ وأنّهم في الجنّةِ.. وهذا غلطٌ...إلخ). فجوابُه: نعم إنّ السنّةَ يقولونَ بعدالةِ جميعِ الصحابةِ وبلا استثناء وإليكَ كلماتِ أعلامِهم: قالَ ابنُ حجر في فتحِ الباري (3/ 27) وَلَا يُقَال لِرَجُلٍ مِن أَصحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ غَير كَذُوب، يَعنِي أَنَّ هَذِهِ العِبَارَة إِنَّمَا تَحسُنُ فِي مَشكُوكٍ فِي عَدَالَته وَالصَّحَابَة كُلُّهُم عُدُولٌ لَا يَحتَاجُونَ إِلَى تَزكِيَة. وقال أيضاً في نفسِ المصدر (15/ 445) وَقَالَ الكَرمَانِيُّ الشَّكّ مِن الرَّاوِي فِي مُعَاذ بن سَعد أَو سَعد بن مُعَاذ لَا يَقدَح لِأَنَّ الصَّحَابَة كُلّهم عُدُول. وقالَ القاضي عيّاض في إكمالِ المعلم شرحُ صحيحِ مُسلِم (1/ 134) قالَ النووي : أمّا مُرسَل الصحابةِ وهوَ ما رواهُ ابنُ عبّاس وابنُ الزبير وشبهُهما مِن إحداثِ الصحابةِ عن رسولِ الله ( صلّى اللهُ عليهِ وسلّم ) مِمّا لم يسمعوهُ مِنه فحُكمُه حُكمُ المُتّصل ؛ لأنَّ الظاهرَ روايتُهم ذلكَ عن الصحابةِ ، والصحابةُ كُلّهم عدول . وقالَ ابنُ عبدِ البرِّ في التمهيدِ لِما في الموطأ منَ المعاني والأسانيد (22/ 47) ولا فرقَ بينَ أن يُسمّي التابعُ الصاحبَ الذي حدّثَه أو لا يُسمّيه في وجوبِ العملِ بحديثِه لأنَّ الصحابةَ كلّهم عدولٌ مرضيّونَ ثقاتٌ أثبات. وأمّا بالنسبةِ إلى مفهومِ الصحابيّ فهُم مُجمِعونَ على توسيعِ مفهومِ الصُّحبةِ لتشملَ كلَّ مَن رأى رسولَ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله. قالَ البُخاري: (بابُ فضائلِ الصحابةِ البابُ الأوّلُ ما هذا لفظُه (1 - بابُ فَضَائِلِ أَصحَابِ النَّبِىِّ - صلّى اللهُ عليهِ وسلّم - وَمَن صَحِبَ النَّبِىَّ - صلّى اللهُ عليهِ وسلّم - أَو رَآهُ مِنَ المُسلِمِينَ فَهوَ مِن أَصحَابِهِ). وتعقّبَه ابنُ حجرٍ بقولِه: (وهذا الذي ذكرَه البُخاري هوَ الراجحُ إلّا أنّه هل يُشترَطُ في الرائي أن يكونَ بحيثُ يُميّزُ ما رآهُ أو يكتفي بمُجرّدِ حصولِ الرؤية، محلُّ نظرٍ، وعملُ مَن صنّفَ في الصحابةِ يدلُّ على الثاني- وهوَ الاكتفاءُ بمُجرّدِ النظرِ وإن لم يكُن يُميّزُ ما رآه-).                                                                        فتحُ الباري - ابنُ حجر (ج 7/ ص 349 ).  وقالَ ابنُ تيميّة: (وَالصُّحبَةُ اسمُ جِنسٍ تَقَعُ عَلَى مَن صَحِبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَلِيلًا أَو كَثِيرًا لَكِن كُلٌّ مِنهُم لَهُ مِن الصُّحبَةِ بِقَدرِ ذَلِكَ فَمَن صَحِبَهُ سَنَةً أَو شَهرًا أَو يَومًا أَو سَاعَةً أَو رَآهُ مُؤمِنًا فَلَهُ مِن الصُّحبَةِ بِقَدرِ ذَلِكَ).                                                                                       مجموعُ فتاوى ابنِ تيميّة (1/ 390) أقولُ: إنَّ توسيعَهم لمفهومِ الصُّحبةِ إلى الحدِّ الذي يشملُ كلَّ مَن رأى رسولَ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله، هوَ أمرٌ لا يقبلُه العقلُ، والنواميسُ، والعادةُ، معَ أنّه لا دليلَ عليه.وعلى هذا أغلقوا بابَ النقاشِ في عدالتِهم حتّى عدّوا مَن يُناقشُ في عدالتِهم زنديقاً كافراً، فهذا الخطيبُ البغدادي ينقلُ لنا قولَ أبي زرعة قالَ: (وقالَ أبو زُرعَةَ: " إِذَا رَأَيتَ الرَّجُلَ يَنتَقِصُ أَحَدًا مِن أَصحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صلّى اللهُ عليهِ وسلّم -فَاعلَم أَنَّهُ زِندِيقٌ , وَذَلِكَ أَنَّ الرَّسُولَ - صلّى اللهُ عليهِ وسلّم - عِندَنَا حَقٌّ , وَالقُرآنَ حَقٌّ , وَإِنَّمَا أَدَّى إِلَينَا هَذَا القُرآنَ وَالسُّنَنَ أَصحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صلّى اللهُ عليهِ وسلّم - , وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ أَن يُجَرِّحُوا شُهُودَنَا لِيُبطِلُوا الكِتَابَ وَالسُّنَّةَ , وَالجَرحُ بِهِم أَولَى وَهُم زَنَادِقَةٌ).                                                                 الكفايةُ في علمِ الرّواية –الخطيبُ البغدادي (ص: 49)وأمّا نقلُك لكلامِ ابنِ حجر العسقلانيّ فهوَ في فتحِ الباري وليسَ في الإصابةِ وقد ذكرَه بعنوان إشكالٌ على البُخاري في تعريفِه للصّحابي قالَ ما هذا لفظُه: (وَيَرِدُ عَلَى التَّعرِيف مَن صَحِبَهُ أَو رَآهُ مُؤمِنًا بِهِ ثُمَّ اِرتَدَّ بَعد ذَلِكَ وَلَم يَعُد إِلَى الإِسلَام فَإِنَّهُ لَيسَ صَحَابِيًّا اِتِّفَاقًا، فَيَنبَغِي أَن يُزَاد فِيهِ " وَمَاتَ عَلَى ذَلِكَ)                                                                         فتحُ الباري لابنِ حجر (ج10/ص443) والمُشكلةُ الحقيقيّةُ يا عزيزي ليسَ في شرطيّةِ الموتِ على الإسلام، بل الإشكالُ في أمرين. الأمرُ الأوّل: هوَ في توسيعِهم لمفهومِ الصُّحبةِ فهُم مُجمِعونَ على أنَّ معنى الصّحابي هوَ مُطلَقُ مَن رأى النبيَّ صلّى اللهُ عليهِ وآله. الأمرُ الثاني: هوَ في قولِهم بحُجّيّةِ قولِ وفعلِ الصحابي إذا أسندَ القولَ لنفسِه على ما سأسردُ لكَ مِن أقوالِهم. ويُردّ على الأمرِ الأوّل: أنَّ توسعتَهم لمفهومِ الصُّحبةِ غلوٌّ بأعلى درجاتِه، وهوَ ممّا لا يخفى على أحد، إذ كيفَ يمكنُ أن نعتبرَ أنَّ الشخصَ لمُجرّدِ أنّه رأى رسولَ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله، مؤمناً بهِ عادلاً. وهل اتّفقَ لنبيٍّ مِن أنبياءِ اللهِ منذُ آدمَ عليهِ السلام إلى الخاتمِ صلّى اللهُ عليهِ وآله، أنَّ الشخصَ يكتسبُ العدالةَ لمُجرّدِ وقوعِ نظرِه على نبيّه؟؟؟. ألم يُحدّثنا القرآنُ عن كُفرِ وخيانةِ ونفاقِ أزواجِ وأبناءِ جُملةٍ منَ الأنبياءِ عليهم السلام، الذينَ عاشوا معَ الأنبياءِ عشرات السنين؟. وليسَ نظرةً. ألم يكُن بعضُ مَن رأى النبيَّ صلّى اللهُ عليهِ وآله طِفلاً لم يُميّز أمثالَ مُحمّدٍ رحمَه اللهُ بنَ أبي بكر. قالَ ابنُ حجر: (وإنّما ولدَ قبلَ وفاةِ النبيّ صلّى اللهُ عليهِ وسلّم بثلاثةِ أشهرٍ وأيّام كما ثبتَ في أمِّه أسماءَ بنتِ عميس ولدَته في حجّةِ الوداعِ قبلَ أن يدخلوا مكّةَ وذلكَ في أواخرِ ذي القعدةِ سنةَ عشرٍ منَ الهجرة). كيفَ يمكنُ أن نعقلَ أنَّ هذا الطفلَ ذا الثلاثةِ أشهرٍ يكتسبُ العدالةَ وهوَ رضيعٌ !!!. بل كيفَ أمكنَهم إثباتُ أنَّ هذا الرضيعَ قد نظرَ إلى رسولِ الله صلّى اللهُ عليهِ وآله؟. ألم يكُن معَ رسولِ الله صلّى اللهُ عليهِ وآله مُنافقونَ أنبأ القرآنُ عَنهم في آياتٍ كثيرة؟. قالَ تعالى: (وَمِن أَهلِ المَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعلَمُهُم نَحنُ نَعلَمُهُم سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَينِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ") (التوبة/102). فهذا القرآنُ صريحٌ يقولُ بنفاقِ جُملةٍ منَ الذينَ رأوا رسولَ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله، بل هُم بأعلى درجاتِ النفاقِ (مردوا على النفاق) ولذلكَ لن يوفّقوا إلى توبةٍ قط، لصريحِ قولِه تباركَ وتعالى (سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَينِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ"). أيُعقَلُ أن نُكذّبَ قولَ اللهِ تعالى ونُصدّقَ قولَ وعّاظِ السلاطين وعُلماءِ السّوء؟؟؟. هل كانَت هنالكَ خصوصيّةٌ لرسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليه وآله في ذلك؟، وأنَّ الشخصَ بمُجرّدِ أن يراهُ يُصبِحُ عادِلاً. والحالُ أنَّ جميعَ الأدلّةِ التي أقامَها علماءُ العامّةِ على عدالةِ جميعِ الصّحابة، لا تدلُّ إلّا على عدالةِ بعضِهم عندَ نزولِ الآية، أو إلى زمنٍ مُعيّن.                                                              فتحُ الباري - ابنُ حجر (ج 7/ ص 349 ). معَ أنَّ القولَ بعدالةِ جميعِ الصحابةِ يخالفُ القرآنَ الكريم والسنّةَ الصحيحةَ وما هوَ ثابتٌ بالنقلِ التاريخيّ اليقيني. فهنالكَ آياتٌ نزلَت بفسقِ جُملةٍ منَ الصحابة، وهنالكَ رواياتٌ أوردَها البُخاريّ ومُسلِم صريحةٌ بدخولِ أغلبِ الصحابةِ إلى النار. فقد روى البُخاريّ في صحيحِه عَن أَبِى هُرَيرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلّى اللهُ عليهِ وسلّم - قَالَ « بَينَا أَنَا قَائِمٌ إِذَا زُمرَةٌ ، حَتَّى إِذَا عَرَفتُهُم خَرَجَ رَجُلٌ مِن بَينِى وَبَينِهِم فَقَالَ هَلُمَّ . فَقُلتُ أَينَ قَالَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهِ . قُلتُ وَمَا شَأنُهُم قَالَ إِنَّهُمُ ارتَدُّوا بَعدَكَ عَلَى أَدبَارِهِمُ القَهقَرَى . ثُمَّ إِذَا زُمرَةٌ حَتَّى إِذَا عَرَفتُهُم خَرَجَ رَجُلٌ مِن بَينِي وَبَينِهِم فَقَالَ هَلُمَّ . قُلتُ أَينَ قَالَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهِ . قُلتُ مَا شَأنُهُم قَالَ إِنَّهُمُ ارتَدُّوا بَعدَكَ عَلَى أَدبَارِهِمُ القَهقَرَى . فَلاَ أُرَاهُ يَخلُصُ مِنهُم إِلاَّ مِثلُ هَمَلِ النَّعَمِ »                                                                                         صحيحُ البُخاري (21/ 493)       والمقصودُ مِن هملِ النّعم: الإبلُ الضالّة.بل نحنُ نعلمُ علمَ اليقين أنَّ المئاتِ مِنهم قد بدّلوا وغيّروا عدالتَهم بل دينَهم إلى غيرِ الإسلام، أمثالَ ربيعةَ بنِ أميّةَ بنِ خلف الذي بدّلَ دينَه إلى النصرانيّةِ بعدَ أن كانَ يشربُ الخمرَ حالَ كونِه مُسلِماً صحابيّاً!!!.قالَ الحاكم: (أخبرَني أبو عبدِ الله محمّدٌ بنُ عليّ الصنعاني ، بمكّةَ حرسَها اللهُ تعالى ، ثنا إسحاقُ بنُ إبراهيم الدبري ، أنبأ عبدَ الرزّاق ، أنبأ معمّراً ، عن الزهري ، عن زرارةَ بنِ مصعبٍ بنِ عبدِ الرحمنِ بنِ عوف ، عن المسوّرِ بنِ مخرمة ، عن عبدِ الرحمنِ بنِ عوف ، أنّهُ حرسَ ليلةً مع عُمرَ بنِ الخطّابِ رضيَ اللهُ عنه بالمدينة ، فبينَما هُم يمشونَ شبَّ لهُم سراجٌ في بيتٍ فانطلقوا يؤمّونَه حتّى إذا دنوا مِنه إذا بابٌ مجافٌ على قومٍ لهُم فيه أصواتٌ مُرتفِعة ، فقالَ عُمَر رضيَ اللهُ عنه وأخذَ بيدِ عبدِ الرّحمن : أتدري بيتُ مَن هذا ؟ قالَ : لا ، قالَ : هذا بيتُ ربيعةَ بنِ أميّة بنِ خلف وهُم الآنَ شُرَّبٌ فما ترى ؟ فقالَ عبدُ الرحمن : « أرى قد أتينا ما نهى اللهُ عنه ، نهانا اللهُ عزَّ وجل فقال : ( ولا تجسّسوا ) فقد تجسّسنا » فانصرفَ عُمر عَنهم وتركَهم « هذا حديثٌ صحيحُ الإسناد ولم يُخرجاه »                                                                            المُستدرَكُ على الصحيحينِ للحاكِم (19/ 14) فهذا عُمرُ بنُ الخطّابِ قد شهدَ لعبدِ الرّحمنِ بنِ عوف أنَّ جماعةً منَ الصّحابةِ كانوا يشربونَ الخمرَ في دارِ ربيعةَ بنِ أميّةَ بنِ خلف بعدَ رسولِ الله، أيُعقَلُ أنَّ مَن يُناقِشُ في عدالةِ أمثالِ هؤلاء، زنديق؟؟؟. إذَن ما الذي بقيَ منَ الغلوّ؟؟؟. ثمَّ إنَّ ربيعةَ هذا مِن مُسلمةِ عامِ الفتح. قالَ ابنُ حجر في حقِّ ربيعة: (وَهُوَ مِمَّن أَسلَمَ فِي الفَتح وَشَهِدَ مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ حَجَّة الوَدَاع وَحَدَّثَ عَنهُ بَعد مَوته ثُمَّ لَحِقَهُ الخِذلَان فَلَحِقَ فِي خِلَافَة عُمَر بِالرُّومِ وَتَنَصَّرَ بِسَبَبِ شَيء أَغضَبَهُ).                                                                                              فتحُ الباري لابنِ حجر (10/ 443) والتاريخُ ينقلُ لنا أنَّ سببَ تركِه الإسلامَ هوَ عدمُ قُدرةِ هذا الصحابيّ الجليلِ على تركِ شُربِ الخمر!!!. قالَ النسائي: (أخبرَنا زكريّا بنُ يحيى قالَ حدّثنا عبدُ الأعلى بنُ حمّاد قالَ حدّثنا مُعتمرُ بنُ سليمان قالَ حدّثني عبدُ الرزّاقِ عن مُعمّر عن الزهري عن سعيدٍ بنِ المسيّب قالَ غرّبَ عمرُ رضيَ اللهُ تعالى عنه ربيعةَ بنَ أميّة في الخمرِ إلى خيبر فلحقَ بهرَقل فتنصّرَ فقالَ عُمر رضيَ اللهُ تعالى عنه لا أغرّبُ بعدَه مُسلِماً).                                                                                         السّننُ الكُبرى للنسائي (3/ 231) والطامّةُ الكُبرى أنَّ أحمدَ بنَ حنبل يروي عنهُ في مُسندِه كما ذكرَ ذلكَ ابنُ حجر                                                                                             فتحُ الباري لابنِ حجر (10/ 443) وكذلكَ روى عنهُ الطبرانيّ وغيرُه قالَ الطبراني: (حدّثنا محمّدٌ بنُ عبدِ الله الحضرمي ثنا أبو كريب ثنا ابنُ بكير عن محمّدٍ بنِ إسحاق حدّثني يحيى عباد بنُ عبدِ الله الزبير عن أبيه قالَ : كانَ ربيعةُ بنُ أميّة بنِ خلف الجمحي هوَ الذي يصرخُ يومَ عرفةَ تحتَ لبّةِ ناقةِ رسولِ الله صلّى اللهُ عليهِ و سلّم وقالَ له رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلّم : أصرُخ وكانَ صيّتاً أيُّها الناسُ أتدرونَ أيُّ شهرٍ هذا ؟ فصرخَ فقالوا : نعَم الشهرُ الحرام قالَ : فإنَّ اللهَ قد حرّمَ عليكم دماءَكم وأموالَكم إلى أن تلقوا ربَّكم كحُرمةِ شهرِكم هذا ثمَّ قال : أصرخُ هل تدرونَ أيُّ بلدٍ هذا ؟ فصرخَ قالوا : نعم البلدُ الحرام قالَ : فإنَّ دماءَكم وأموالَكم عليكُم حرامٌ على يومٍ تلقونَه كحُرمةِ بلدِكم هذا ثمَّ قال : أصرخُ أيُّ يومٍ هذا ؟ فصرخَ قالوا : نعَم هذا يومٌ حرامٌ وهذا يومُ الحجِّ الأكبر قالَ : فإنَّ اللهَ عزَّ و جل قد حرّمَ عليكم دماءَكم وأموالَكم إلى يومِ تلقونَه كحُرمةِ يومِكم هذا).                                                                                          المُعجَمُ الكبيرُ-الطبراني- (5/ 67) وهذا الحديثُ يرويهِ عبّادٌ عن ربيعةَ وعبّادُ ليسَ منَ الصحابةِ كما هوَ واضحٌ، فيكونُ مصدرُ الحديثِ الصحابيُّ الجليلُ ربيعةُ السكّيرُ الكافِر!!!. (وإن تعجَب فعجبٌ قولُهم) وبعضُهم أسلمَ زمنَ رسولِ الله صلّى اللهُ عليهِ وآله ثمَّ ارتدَّ بعدَ وفاتِه صلّى اللهُ عليهِ وآله وعادَ بظاهرِه إلى الإسلامِ كالأشعثِ بنِ قيس الكندي. قالَ ابنُ حجر: (فَلَو اِرتَدَّ ثُمَّ عَادَ إِلَى الإِسلَام لَكِن لَم يَرَهُ ثَانِيًا بَعد عَوده فَالصَّحِيح أَنَّهُ مَعدُود فِي الصَّحَابَة لِإِطبَاقِ المُحَدِّثِينَ عَلَى عَدّ الأَشعَث بن قَيس وَنَحوه مِمَّن وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ).                                                                                                  لابنِ حجر (10/ 443)ومعَ كلِّ هذا فهُم مُجمِعونَ على عدِّ الأشعثِ منَ الصحابةِ بل مِن أجلّائِهم (لمُعاداتِه عليّاً عليهِ السلام). قالَ الزركليُّ في وصفِ الأشعث: (أخبارُه كثيرةٌ في الفتوحِ الإسلاميّة. وكانَ مِن ذوي الرأي والإقدام، موصوفاً بالهيبة. وهوَ أوّلُ راكبٍ في الإسلامِ مشَت معه الرجالُ يحملونَ الأعمدةَ بينَ يديه ومِن خلفِه. روى لهُ البُخاريّ ومُسلِم تسعةَ أحاديث).                                                                                           الأعلامُ للزّركلي (1/ 332)ويردُ على الأمرِ الثاني: أقصِدُ ( قولَهم بحُجّيّةِ قولِ وفعلِ الصّحابي حتّى وإن أسندَ ذلكَ لنفسِه). أنّهُ عينُ القولِ بعصمتِهم، إذ ما الذي أبقيتموهُ للعِصمةِ إذا كانَ قولُ وفعلُ الصّحابيّ حُجّةً كقولِ وفعلِ رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله؟؟. قالَ في التحرير: (واحتجَّ القاضي في ' الجامعِ الكبير '  في قضاءِ المُغمى عليهِ للصّلاةِ بفعلِ عمّارٍ وغيرِه ، وقالَ : ( فعلُ الصحابةِ إذا خرجَ مخرجَ القُربةِ يقتضي الوجوبَ ، كفعلِه - عليهِ الصلاةُ وأتمُّ  السلام).                          التحبيرُ شرحُ التحرير (3/ 1515) علاءُ الدينِ أبو الحسنِ عليٌّ بنُ سُليمانَ المرداويّ الحنبلي         وفي التقريرِ والتحبير: (( وَيُتَصَوَّرُ كَونُ فِعلِ الصَّحَابِيِّ ) المُخَالِفِ لِلعُمُومِ ( عِندَ الحَنَفِيَّةِ مُخَصِّصًا إذَا عُرِفَ عِلمُهُ ) أَي الصَّحَابِيِّ ( بِالعَامِّ إذ قَالُوا ) أَي الحَنَفِيَّةُ وَوَافَقَهُم الحَنَابِلَةُ ( بِحُجِّيَّتِهِ ) أَي فِعلِ الصَّحَابِيِّ ( حَملًا عَلَى عَمَلِهِ ) الصَّحَابِيِّ ( بِالمُقَارِنِ ) أَي بِالمُخَصَّصِ المُقَارِنِ لِلعَامِّ ( وَهُوَ ) أَي حَملُ فِعلِهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عَلَى العِلمِ بِالمُخَصَّصِ ( أَسهَلُ مِن حَملِهِم ) أَي الحَنَفِيَّةِ ( مَروِيَّهُ ) أَي الصَّحَابِيِّ إذَا فَعَلَ بِخِلَافِهِ ( عَلَى عِلمِهِ بِالنَّاسِخِ ) لِأَنَّ التَّخصِيصَ أَخَفُّ مِن النَّسخِ فَيَتَعَيَّنُ حَيثُ أَمكَنَ وَاَللَّهُ سُبحَانَهُ أَعلَمُ ).                                            التقريرُ والتحبير (2/ 282) ابنُ أميرِ الحاج ، محمّدٌ بنُ محمّد      وخلاصةُ هذا القولِ أنَّ فعلَ الصحابيّ إذا خالفَ الدليلَ العامَّ خُصّصَ الدليلُ.     وقالَ الدكتور ترحيب: (ومِن هذا - وأمثالِه - يظهرُ جليّاً أنَّ فعلَ الصحابيّ لشيءٍ أو قوله به يجعله حُجّةً ، إذ لو لم يكُن حُجّةً كانَ بدعةً - ولا قائلَ بهذا مِن أهلِ العِلمِ والهُدى - ، و إذا لم يكُن قولهُ بدعةً فهوَ موافقٌ للشّرع ، وهذا هوَ المَطلوب).                              حُجّيّةُ قولِ الصحابي عندَ السّلف (ص: 65) د. ترحيب بنُ ربيعان بنِ هادي الدوسري                                                                 قالَ السرخسيُّ: (ولا شكَّ أنَّ ما فيه احتمالُ السماعِ مِن صاحبِ الوحي فهوَ مُقدّمٌ على محضِ الرّأي، فمِن هذا الوجهِ تقديمُ قولِ الصحابيّ على الرأيّ بمنزلةِ تقديمِ خبرِ الواحدِ على القياس، ولئِن كانَ قولُه صادِراً عن الرأي فرأيُهم أقوى مِن رأي غيرِهم، لأنّهم شاهدوا طريقَ رسولِ الله (ص) في بيانِ أحكامِ الحوادثِ وشاهدوا الأحوالَ التي نزلَت فيها النصوصُ والمحالُّ التي تتغيّرُ باعتبارِها الأحكام، فبهذهِ المعاني يترجّحُ رأيُهم على رأي مَن لم يشاهِد شيئاً مِن ذلك                                                                                 أصولُ السرخسيّ (2/ 108)  قالَ زكريا غلام: (قولُ الصحابي مُقدّمٌ على القياسِ وذلكَ لأنَّ الصحابيَّ أدرى ممَّن أتى بعدَه بمسالكِ العلّةِ وطُرقِ القياسِ وكيفيّةِ النظرِ والاعتبار)                                                        أصولُ الفقهِ على منهجِ أهلِ الحديث (ص: 48)    وفي إرشادِ الحول (الفائدةُ الأولى: في قولِ الصحابيّ ، اِعلَم: أنّهم قد اتّفقوا على أنَّ قولَ الصحابيّ في مسائلِ الاجتهادِ ليسَ بحُجّةٍ على صحابيٍّ آخر، وممَّن نقلَ هذا الاتّفاقَ القاضي أبو بكر، والآمديّ، وابنُ الحاجب، وغيرُهم. واختلفوا هل يكونُ حُجّةً على مَن بعدَ الصحابةِ منَ التابعين، ومَن بعدَهم، على أقوالٍ: الثاني: أنّهُ حُجّةٌ شرعيّةٌ، مُقدّمةٌ على القياس، وبهِ قالَ أكثرُ الحنفيّةِ، ونُقلَ عن مالك، وهوَ قديمُ قولي الشافعي)                       إرشادُ الفحولِ إلى تحقيقِ الحقِّ مِن علمِ الأصول- مُحمّدٌ بنُ عليّ بنِ محمّد الشوكاني- (2/ 187) وأمّا قولُكم: (و بخصوصِ عدالتِهم: ليسَ المقصودُ بعدالةِ الصحابةِ أنّهم معصومونَ منَ الذنوب ، فهذا لم يقُل بهِ أحدٌ منَ العُلماء ، فقد تقعُ مِن بعضِهم الهفواتُ والزلّات ، الصغائرُ أو الكبائر ، ولكنَّ المقصودَ بعدالتِهم هوَ تمامُ الثقةِ بأقوالِهم وأخبارِهم ، فلا يتعمّدونَ الكذبَ في شهادتِهم ، ولا في أخبارِهم ، ولا يتعمّدونَ الكذبَ على الرسولِ صلّى اللهُ عليهِ وسلّم). فجوابه: ان هذا تناقض منك، اذ لو كان يقع من الصحابة الهفوات والزلات والصغائر والكبائر كما ذكرتم. فكيف يمكن ان نحكم بوثاقتهم وأنّهم لا يتعمدون الكذب على رسول الله صلى الله عليه واله، في شهاداتهم واخباراتهم؟؟؟. وأمّا قولُكم: (هُم يقولونَ بعدالةِ مَن ثبتَت توبتُه لو أذنبَ أو ثبتَ أنّهُ على الإيمانِ و كلامُهم اعتقدُ أنّه صحيحٌ؟ فأينَ الغلوّ أيضاً).فجوابُه أصبحَ أوضحَ مِن أن يخفى على أمثالِكم، إذ هُم قائلونَ بعدالةِ جميعِ الصحابةِ كما فصّلتُ لكَ أقوالَهم. وفي الختامِ يحسنُ بي التذكيرُ بسيفٍ بنِ عُمر التميمي الذي اخترعَ مائةً وخمسينَ صحابيّاً، فانطلى ذلكَ على عُلماءِ الجمهور. وقد ألّفَ السيّدُ مُرتضى العسكري رحمَه اللهُ كِتاباً بعنوان (خمسونَ ومائة صحابيّ مُختلق). ودُمتَ في حُسنِ رعايةِ اللهِ تباركَ وتعالى.