هل الموجوداتُ ( الملائكةُ ، الجنُّ ، الأشباحُ الخمسةُ " أصحابُ الكساء" ) قبلَ خلقِ الإنسانِ لها كمالٌ باعتبارِ أنّها مخلوقة؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : قد ميّزنا في الإجابةِ السابقةِ بينَ العبادةِ التكوينيّةِ بوصفِها لازماً ذاتيّاً للمخلوقِ، وبينَ العبادةِ التشريعيّةِ التي تتعلّقُ بالإنسانِ بوصفِه مُختاراً، حيثُ قُلنا هُناك: (إذا تحقّقَ الخلقُ، فلا يحتاجُ الأمرُ إلى مرحلةٍ ثانيةٍ ليكونَ المخلوقُ عبداً للهِ على مُستوى التكوين، فالمخلوقُ مُعلّقٌ دوماً بخالقِه، والموجودُ مُحتاجٌ إلى مُوجدِه، بحيثُ يكونُ مُضطرّاً في بقائِه إليه، وتلكَ العُلقةُ الاضطراريّةُ هيَ العبوديّةُ التكوينيّة، فإذا كانَ الإنسانُ قد خلقَه الله، فهوَ إذن لم يوجِد نفسَه، ولا هوَ يمدُّها بطاقةِ البقاءِ، ولذلكَ فإنّهُ موسومٌ بطابعِ (العبوديّةِ الذاتيّة)، النابعةِ مِن كيانِه الطارئِ الذي يملكُه اللهُ بكِلتا يديه، وقد وهبَه إيّاهُ بكاملِ مشيئتِه، وسوفَ يأخذُه منهُ متى أرادَ بكلِّ قوّةٍ وسلطان، وأيُّ عبدٍ أشدُّ عبوديّةً، وأوسعُ رقّاً مِن هذا الذي لا يملكُ خلقَه، ولا يضمنُ لنفسِه البقاء؟! وفي المقابلِ، أيُّ سيّدٍ أقوى سيادةً وأوسعُ سُلطاناً منَ (اللهِ) الذي يُعطي الوجودَ ويضمنُ البقاء، وإن شاءَ منع؟) أمّا العبادةُ في معناها التشريعيّ فتعني تكليفَ مَن له القدرةُ على الفعلِ والترك، والإنسانُ بوصفِه مخلوقاً مُختاراً فبإمكانِه أن يكونَ عبداً للهِ بمحضِ إرادتِه كما بإمكانِه أن يكفرَ ويتمرّد، وقد عبّرَ القرآنُ عن ذلكَ بقولِه تعالى: (وَقُلِ الحَقُّ مِن رَّبِّكُم ۖ فَمَن شَاءَ فَليُؤمِن وَمَن شَاءَ فَليَكفُر)، فالإنسانُ في واقعِ كيانِه عبدٌ للهِ بالضرورةِ أمّا في واقعِ فعلِه فهوَ مختارٌ بينَ الكُفرِ والإيمان، وبذلكَ تُصبحُ العبادةُ على مُستوى التشريعِ هيَ الطريقَ الوحيدَ الذي يُحقّقُ للإنسانِ تكاملَه الرّوحيَّ والمعنويّ، قالَ تعالى: (وَلَو شِئنَا لَرَفَعنَاهُ بِهَا وَلَٰكِنَّهُ أَخلَدَ إِلَى الأَرضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ). وفي صحيفةِ الرّضا عليهِ السلام بالإسنادِ عن آبائِه عليهم السلام قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله: مثلُ المؤمنِ عندَ اللهِ كمثلِ ملكٍ مُقرّب، وإنَّ المؤمنَ عندَ اللهِ عزَّ وجلَّ أعظمُ منَ الملَك، وليسَ شيءٌ أحبُّ إلى اللهِ مِن مؤمنٍ تائبٍ أو مؤمنةٍ تائبة) وإذا اتّضحَ ذلكَ يتّضحُ أنَّ الكمالَ الذي قصدناهُ في الإجابةِ السابقةِ هوَ الكمالُ الذي تُحقّقُه العبادةُ التشريعيّةُ وليسَ العبادةُ كلازمٍ ذاتيٍّ للمخلوق، فالملائكةُ وأنوارُ المعصومينَ في العوالمِ السابقةِ لها كمالٌ تكوينيٌّ بوصفِها مخلوقاتٍ نورانيّة، ففي الكافي عن أبي عبدِ اللهِ عليهِ السلام قالَ: سمعتُه يقول: إنَّ اللهَ خلقنا مِن نورِ عظمتِه، ثمَّ صوّرَ خلقَنا مِن طينةٍ مخزونةٍ مكنونةٍ مِن تحتِ العرش، فأسكنَ ذلكَ النورَ فيه، فكُنّا نحنُ خلقاً وبشراً نورانيّينَ)، وعليهِ هناكَ كمالٌ ومقامٌ ينالهُ المخلوقُ تكويناً وهناكَ كمالٌ ومقامٌ ينالهُ الإنسانُ تشريعاً، وعلى ذلكَ نفهمُ ما للملائكةِ مِن مقامٍ عندَ الله، حيثُ قالَ تعالى: (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحمَٰنُ وَلَدًا ۗ سُبحَانَهُ ۚ بَل عِبَادٌ مُّكرَمُونَ * لَا يَسبِقُونَهُ بِالقَولِ وَهُم بِأَمرِهِ يَعمَلُونَ)، وهيَ بذلكَ مفطورةٌ على العبادةِ ولا يمكنُها مُخالفةُ ذلكَ بخلافِ الإنسان، ففي الحديثِ عن عبدِ اللهِ بنِ سنان، قالَ: سألتُ أبا عبدِ اللهِ جعفراً بنَ مُحمّدٍ الصّادقِ عليهِ السلام فقلتُ: الملائكةُ أفضل أم بنوا آدم؟ فقالَ: قالَ أميرُ المؤمنينَ عليٌّ بنُ أبي طالبٍ عليهِ السلام إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ ركّبَ في الملائكةِ عقلاً بلا شهوةٍ، وركّبَ في البهائمِ شهوةً بلا عقل، وركّبَ في بني آدمَ كلتيهما، فمَن غلبَ عقلُه شهوتَه فهوَ خيرٌ منَ الملائكة، ومَن غلبَ شهوتُه عقلُه فهوَ شرٌّ منَ البهائم).