( أرتد ألناس إلا ثلاثه أباذر وسلمان وألمقداد) هل ارتد عمار ابن ياسر !؟

: السيد رعد المرسومي

السلامُ عليكُم ورحمةُ الله،إنَّ مسألةَ ارتدادِ الناسِ بعدَ وفاةِ رسولِ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله) منَ المسائلِ المعروفةِ والثابتةِ التي لا ينكرُها إلّا مُكابرٌ أو مُعانِد، وكذلكَ الحديثُ الذي أشرتُم إليه في منطوقِ السؤالِ يُعدُّ واحداً منَ الأحاديثِ المعروفةِ والمُعتبَرةِ بينَ علماءِ الطائفةِ بالإضافةِ إلى غيرِها منَ الأحاديثِ التي أشارَت إلى ذلكَ، وإليكَ البيان: أوّلاً: في اختيارِ معرفةِ الرّجال ( رجالُ الكشّي )، (ج ١/ص ٨٧) طبعةُ مؤسّسةِ آلِ البيت (ع) لإحياءِ التراث. روى الكشيُّ عن عليٍّ بنِ الحكم ، عن سيفٍ بنِ عُميرة ، عن أبي بكرٍ الحضرمي ، قالَ أبو جعفرٍ عليهِ السلام: ارتدَّ الناسُ : إلّا ثلاثة نفرٍ سلمانٌ وأبو ذرٍّ والمقدادُ قالَ: قلتُ فعمّار ؟ قالَ : قد كانَ جاضَ جيضةً ثمَّ رجع ، ثمَّ قالَ : إن أردتَ الذي لم يشكَّ ولم يدخُله شيءٌ فالمِقدادُ ، فأمّا سلمانٌ فإنّه عرضَ في قلبِه عارضٌ أنَّ عندَ أميرِ المؤمنينَ عليهِ السلام اسمُ اللهِ الأعظم لو تكلّمَ به لأخذَتهم الأرضُ وهوَ هكذا ، فلبّب ووجئَت عنقُه حتّى تركَت كالسّلقةِ ، فمرَّ بهِ أميرُ المؤمنينَ عليهِ السلام فقالَ له: يا أبا عبدِ الله هذا مِن ذاكَ بايع ، فبايعَ ، وأمّا أبو ذرٍّ فأمرَه أميرُ المؤمنينَ عليهِ السلام بالسكوتِ ولم يكُن يأخذُه في اللهِ لومةُ لائمٍ فأبى إلّا أن يتكلّمَ فمرَّ بهِ عثمانُ فأمرَ به ، ثمَّ أنابَ الناسُ بعد فكانَ أوّلَ مَن أنابَ أبو سنانٍ الأنصاري وأبو عمرةَ وشتيرةَ وكانوا سبعةً ، فلم يكُن يعرفُ حقَّ أميرِ المؤمنينَ عليهِ السلام إلّا هؤلاءِ السبعة. وقد وردَت هذهِ الروايةُ في كتابِ الاختصاص، الشيخُ المُفيد، ص ٢٢]. قلتُ: وقد علّقَ الشيخُ ميرداماد الأسترآبادي على إسنادِ الكشيّ قائِلاً: قولهُ رحمَه الله: عليٌّ بنُ الحكم عن سيفٍ بنِ عُميرة. الطريقُ صحيحٌ على التعليقِ لأنَّ طريقَ أبي عمرو الكشيّ إلى عليٍّ بنِ الحكم، صحيحٌ معروف. ثُمَّ أضافَ قائِلاً: وليُعلَم أنَّ روايةَ ارتدادِ الناسِ إلّا القليلُ منهُم بعدَ النبيّ صلّى اللهُ عليهِ وآله غيرُ مُختصّةٍ بطريقِ أصحابِنا رضوانُ اللهِ تعالى عليهم ، بل إنَّ حديثَ إنباءِ رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله أنّه ترتدُّ الصحابةُ وترجعُ القهقرى بعدَه عليهِ وآله السّلام ، عندَ عُلماءِ العامّةِ صحيحٌ ثابتٌ في أصولِهم الستّةِ الصحاحِ وجامعِ أصولِهم ومستدركِهم ومسندِهم ومصابيحِهم ومشكاتِهم وغيرِها مِن كُتبِهم المُعتبرةِ بأسانيدِهم المُتّصلةِ ومسانيدِهم المُعتمدةِ مِن طرقٍ مُتكثّرةٍ ، تحكمُ في القدرِ المُشتركِ بينَها بالتواترِ وفي كثيرٍ مِنها نصوصٌ على أنَّ ذلكَ الارتدادَ إنّما هوَ في الإمامةِ والخلافة ، لا بعبادةِ الأوثانِ والشركِ باللهِ عزَّ وجل. فمِن جُملةِ ذلكَ في صحيحيّ البُخاريّ ومُسلم وغيرِهما عن ابنِ شهابٍ عن سعيدٍ بنِ المسيّبِ أنّه كانَ يحدّثُ أنَّ رسولَ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله قالَ : يردُ عليَّ يومَ القيامةِ رهطٌ مِن أصحابي فيحلّئونَ عن الحوضِ فأقولُ يا ربِّ أصحابي فيقالُ : إنّه لا علمَ لكَ بما أحدثوا بعدَك ، إنّهم ارتدّوا على أدبارِهم القهقرى. عن ابنِ المُسيّبِ أنّه كانَ يُحدّثُ عن أصحابِ النبيّ صلّى اللهُ عليهِ وآله أنَّ النبيَّ صلّى اللهُ عليهِ وآله قالَ : يردُ على الحوضِ رجالٌ مِن أصحابي فيُحلّئونَ عنه فأقولُ : يا ربِّ أصحابي فيقولُ : إنّكَ لا علمَ لكَ بما أحدثوا بعدَك ، إنّهم ارتدّوا على أدبارِهم القهقرى. عن أنسٍ عن النبيّ صلّى اللهُ عليهِ وآله قالَ : ليردنَّ عليَّ ناسٌ مِن أصحابي الحوضَ حتّى إذا عرفتُهم اختلجوا دوني فأقولُ : أصحابي فيقولُ : لا تدري ما أحدثوا بعدَك. أبو حازمٍ عن سهلٍ بنِ سعد قالَ : قالَ النبيُّ صلّى اللهُ عليهِ وآله : إنّي فرطُكم على الحوضِ مَن مرَّ عليَّ شربَ ومَن شربَ لم يظمأ أبداً ، ليردنَّ عليَّ أقوامٌ أعرفُهم ويعرفوني ثمَّ يحالُ بيني وبينَهم . قالَ أبو حازمٍ : فسمعني النعمانُ بنُ أبي عيّاش فقالَ : هكذا سمعتُ مِن سهلٍ فقلتُ : نعم فقالَ : أشهدُ على أبي سعيدٍ الخُدري لسمعتُه وهوَ يزيدُ فيها فأقولُ : إنّهم منّي فيُقالُ : إنّكَ لا تدري ما أحدثوا بعدَك فأقولُ : سُحقاً سُحقاً لمَن غيّرَ بعدي. عن المُغيرةِ قالَ : سمعتُ أبا وائلٍ عن عبدِ اللهِ عن النبيّ صلّى اللهُ عليهِ وآله قالَ : أنا فرطُكم على الحوضِ ، وليرفعنَّ معي رجالٌ مِنكم ثمَّ ليختلجنَّ دوني فأقولُ : يا ربِّ أصحابي فيقالُ : إنّكَ لا تدري ما أحدثوا بعدَك.عن عطاءٍ بنِ يسار عن أبي هُريرةَ عن النبيّ صلّى اللهُ عليهِ وآله قالَ : بينا أنا قائمٌ إذا زمرةٌ حتّى إذا عرفتُهم خرجَ رجلٌ مِن بيني وبينهم فقالَ : هلمَّ فقلتُ : أينَ ؟ قالَ إلى النارِ واللهِ قلتُ : وما شأنُهم ؟ قالَ : إنّهم ارتدّوا على أدبارِهم القهقرى ، ثمَّ إذا زُمرةٌ حتّى إذا عرفتُهم خرجَ رجلٌ مِن بيني وبينهم فقالَ : هلمَّ فقلتُ : أين ؟ قالَ : إلى النارِ والله ، قلتُ : ما شأنُهم ؟ قالَ ، إنّهم ارتدّوا على أدبارِهم القهقرى بعدَك ، فلا أراهُ يخلصُ فيهم إلّا مثلُ هملِ النعم. قلتُ: وفي لسانِ العربِ ، مادّةُ (هملَ): قالَ ابنُ منظور: وفي حديثِ الحوض: فلا يخلصُ فيهم إلّا مثلُ هملِ النعم، الهملُ: ضوالُّ الإبل، واحدُها هاملٌ، أي أنّ الناجي منهُم قليلٌ في قلّةِ النعمِ الضالّة.ثانياً: في مُعجمِ الأحاديثِ المُعتبَرة للشيخِ مُحمّد آصف المُحسني، (ج ١/ص ٥٤٤) نقلَ عن الكشيّ روايةً أخرى عن محمّدٍ بنِ إسماعيل عن الفضلِ بنِ شاذان عن ابنِ أبي عُمير عن إبراهيمَ بنِ عبدِ الحميدِ عن أبي بصيرٍ قالَ : قلتُ لأبي عبدِ اللَّه عليهِ السلام: ارتدَّ الناسُ إلّا ثلاثةً أبو ذرٍّ وسلمانُ والمقداد ؟ قالَ : فقالَ أبو عبدِ اللَّه عليهِ السلام : فأينَ أبو ساسان وأبو عُمرةَ الأنصاري . أقولُ : الظاهرُ المُرادُ منَ الارتدادِ في هذا الحديثِ والحديثِ السابقِ منَ الكشّيّ الارتدادُ عن الإمامةِ دونَ الارتدادِ عن الإسلام . وإن شئتَ فقُل إنّهُ ارتدادٌ عن الإسلامِ‌ الكاملِ دونَ أصلِ الإسلامِ والخروجِ منه ، بحيثُ صاروا كُفّاراً مُخلّدينَ في النار . ثالثاً: في مُعجمِ رجالِ الحديثِ للسيّدِ الخوئي، (ج ١٩/ص ٣٤١) نقلَ روايةَ سديرٍ عن أبي جعفرٍ عليهِ السلام ، قولُه : كانَ الناسُ أهلَ الردّةِ بعدَ النبيّ صلّى اللهُ عليهِ وآله إلّا ثلاثةً ، فقلتُ : ومَن الثلاثةُ ؟ فقالَ : المقدادُ بنُ الأسود ، وأبو ذرٍّ الغفاري ، وسلمانُ الفارسي . وروايةُ زُرارةَ عن أبي جعفرٍ عليهِ السلام ، قولُ عليٍّ بنِ أبي طالبٍ عليهِ السلام : ضاقَت الأرضُ بسبعةٍ ، وبهم تُرزقونَ وبهم تُنصرونَ ، وبهم تُمطرون ، منهم سلمانُ الفارسي والمقدادُ . وصحيحةُ أبي بصيرٍ قالَ : قلتُ لأبي عبدِ الله عليهِ السلام : ارتدَّ الناسُ إلّا ثلاثةً ، أبو ذرٍّ ، وسلمانُ ، والمقدادُ ، قالَ : فقالَ أبو عبدِ اللهِ عليهِ السلام : فأينَ أبو ساسانَ ، وأبو عُمرة الأنصاري ؟ وصحيحتُه الأخرى عن أبي جعفرٍ عليهِ السلام ، قالَ : جاءَ المُهاجرونَ والأنصارُ وغيرُهم بعدَ ذلكَ إلى عليٍّ عليهِ السلام ، فقالوا له : أنتَ واللهِ أميرُ المؤمنين َ، وأنتَ واللهِ أحقُّ الناسِ وأولاهُم بالنبيّ ، هلمَّ يدَك نُبايعُك ، فواللهِ لنموتنَّ قدّامَك ، فقالَ عليٌّ عليهِ السلام : إن كُنتم صادقينَ فاغدوا غداً عليَّ مُحلّقينَ فحلقَ أميرُ المؤمنينَ ، وحلقَ سلمانُ ، وحلقَ مقدادٌ ، وحلقَ أبو ذرٍّ ، ولم يحلِق غيرُهم . وروايةُ النصيبيّ عن أبي عبدِ اللهِ عليهِ السلام ، قولُ فاطمةَ سلامُ اللهِ عليها لسلمانَ : هذهِ ثلاثُ سلالٍ جاءتني بها ثلاثُ وصائفَ ، فسألتهنَّ عن أسمائهنَّ ، فقالَت واحدةٌ : أنا سلمى لسلمانِ ، وقالَت الأخرى : أنا ذرّةٌ لأبي ذر. رابعاً: في كتابِ جواهرِ التاريخِ بابُ (اضّطهادِ العترةِ بعدَ النبيّ ص )، للشيخِ عليٍّ الكورانيّ العاملي، (ج ١/ص ٢٨) علّقَ الشيخُ على هذا الحديثِ قائلاً: وبهذا تستطيعُ أن تُفسِّرَ الحديثَ الصحيحَ عن أهلِ البيت ( عليهم السلام ) : ( ارتدَّ الناس إلّا ثلاثةً)! ففي الكافي : 2 / 244 ، عن حمرانَ بنِ أعين قالَ : قلتُ لأبي جعفرٍ (عليهِ السلام): جعلتُ فداكَ ما أقلَّنَا ، لو اجتمَعنا على شاةٍ ما أفنيناها ! فقالَ : ألا أحدّثُك بأعجبَ مِن ذلكَ ، المهاجرونُ والأنصارُ ذهبوا إلّا - وأشارَ بيدِه - ثلاثةً ! قالَ حمران : فقلتُ : جُعلتُ فداكَ ما حالُ عمّار ؟ قالَ : رحمَ اللهُ عمّاراً أبا اليقظان ، بايعَ وقُتلَ شهيداً ، فقلتُ : في نفسي ما شيءٌ أفضلُ منَ الشهادةِ ! فنظرَ إليَّ فقالَ : لعلّكَ ترى أنّه مثلُ الثلاثةِ ! أيهات أيهات ! ) .انتهى. ودمتُم سالِمين.