لماذا يوجد شخص مؤمن وشخص عاصي مع ان الظروف المحيطة نفسها؟

عنوان السوال:((الله منح ظروفا مناسبة لكل شخص منا وهي بالتاكيد عادلة وان اختلفت وبالتالي يجب ان نصل الى نفس النقطة وهي الجنة)) نص السؤال:في احدى محاضرات الفيزياء قرأت القانون التالي اذا اطلقت جسم من نفس الموقع وبنفس السرعة والاتجاة سوف يصل الى نفس النقطة ((الله منح ظروفا مناسبة لكل شخص منا(الظروف المحيطة النفس العقل النشأة التكوين كل شيئ)وهي بالتاكيد عادلة وان اختلفت وبالتالي يجب ان نصل الى نفس النقطة وهي الجنة)) وانا اتمشى خطر في بالي السوال التالي لماذا الناس(نحن المسلمين الشيعة مثلا)هذا مؤمن وهذا عاصي وهذا منافق الخ حتى وان اختلفت الظروف المحيطة فهي ليست ضرورات حتمية ومما لا شك فية انها لا تتعارض مع عدالة الله اذا ما السبب؟؟ تجد هذا الشخص مؤمن وذلك الشخص عاصي وهم عاشوا ظروفا عادلة واذا كانت النفس(فلماذا تمكن المؤمن من السيطرة على نفسة والتغلب على شهواتة ولم يتمكن العاصي؟) سؤالي عن سبب السبب بل سبب السبب السبب

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : الإرادةُ هيَ التي تُميّزُ الإنسانَ عن بقيّةِ الكائناتِ الطبيعيّةِ، فقولُنا الإنسانُ كائنٌ مُختارٌ هوَ تعبيرٌ آخرُ عن القولِ إنَّ الإنسانَ ليسَ محكوماً بمُعادلاتِ القوانينِ الطبيعيّة، ولا نقصدُ بذلكَ إخراجَ السلوكِ الإنسانيّ عن إطارِ السببيّةِ، وإنّما نقصدُ التمييزَ بينَ السببيّةِ الطبيعيّةِ والسببيّةِ المُتعلّقةِ بالإرادةِ الإنسانيّة، والذي يؤكّدُ ذلكَ هوَ فشلُ كلِّ المحاولاتِ التي أرادَت أن تدمجَ الظاهرةَ الإنسانيّةَ في الظواهرِ الطبيعيّةِ، وعليهِ فقد ميّزَ العُلماءُ بينَ المناهجِ التي تُدرّسُ العلومَ الطبيعيّةَ وبينَ المناهجِ التي تُدرّسُ العلومَ الإنسانيّة، ومِن هُنا يمكنُنا القولُ إنَّ السلوكَ الإنسانيَّ ليسَ محكوماً فقط بالسببيّةِ وإنّما محكومٌ أيضاً بالغائيّة، والإنسانُ بحسبِ الأهدافِ التي يرسمُها لنفسِه يُحدّدُ الوسائلَ والأسبابَ التي تناسبُ تلكَ الأهداف، وقد أشارَ السائلُ في سؤالِه إلى تباينِ الظروفِ بينَ إنسانٍ وآخر، إلّا أنّهُ ركّزَ فقط على جانبِ العدالةِ ولم يلتفِت إلى كونِها منَ الأسبابِ التي يمكنُ أن يبني عليها الإنسانُ اختياراتِه، فالظروفُ وإن تباينَت لا تتعارضُ معَ العدالةِ طالما لم تكُن حتميّةً، إلّا أنّها تُشكّلُ في خاتمةِ المطافِ حوافزَ لخياراتِ الإنسانِ في الحياة، وعليهِ منَ الطبيعيّ أن يكونَ هناكَ اختلافٌ في سلوكيّاتِ البشر، طالما أنَّ البعضَ قد يتأثّرُ بتلكَ الظروفِ والبعضَ الآخرَ لا يتأثّرُ بها. وخلاصةُ هذا الأمرِ أنَّ خياراتِ الإنسانِ محكومةٌ بعدّةِ عواملَ مثلَ الغرائزِ والشهواتِ أو العقلِ والفِطرة، في حينِ لا تُمثّلُ الظروفُ الخارجيّةُ إلّا مُحفّزاتٍ إمّا لجانبِ الغرائزِ وإمّا لجانبِ العقل، ويبقى الإنسانُ هوَ صاحبَ الاختيارِ مِن غيرِ جبرٍ أو إكراه، والنتيجةُ المُتحصّلةُ مِن ذلكَ هوَ تباينُ اختياراتِ البشرِ وبالتالي تباينُ سلوكيّاتِهم في الحياة. وعليهِ فإنَّ القانونَ الفيزيائيَّ الذي أشارَ له السائلُ يمكنُ ترجمتُه بلُغةٍ دينيّةٍ بالقول: كلُّ مَن عملَ صالحاً فإنَّ مصيرَه الجنّة، وهذا ما صرّحَ بهِ القرآنُ الكريم في قولِه تعالى: (مَن عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَو أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤمِنٌ فَلَنُحيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجزِيَنَّهُم أَجرَهُم بِأَحسَنِ مَا كَانُوا يَعمَلُونَ)، أمّا العملُ الصالحُ نفسُه فليسَ محكوماً بهذا القانونِ وإنّما اختياراتُ الإنسانِ هيَ التي تحكمُه، وقد صرّحَ القرآنُ بذلكَ في قولِه تعالى: (مَّن عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفسِهِ ۖ وَمَن أَسَاءَ فَعَلَيهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلعَبِيدِ)، وعليهِ فإنَّ فلسفةَ وجودِ الإنسانِ في الحياةِ قائمةٌ على الابتلاءِ، والابتلاءُ قائمٌ على كونِه مُختاراً، فبعضُهم يختارُ طريقَ الهدايةِ والبعضُ الآخرُ يختارُ طريقَ الضّلال، واختلافُ ذلكَ لا يعودُ فقط لاختلافِ الظروفِ وإنّما يعودُ لرغبةِ الإنسانِ في اتّباعِ هواه أو اتّباعِ عقلِه، وهذا ما صرّحَت بهِ عشراتُ الآياتِ القُرآنيّة، قالَ تعالى: (فَإِن لَّم يَستَجِيبُوا لَكَ فَاعلَم أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهوَاءَهُم ۚ وَمَن أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهدِي القَومَ الظَّالِمِينَ).