ذُكرَت عدّةُ رواياتٍ في النهي وذمِّ اللعن، فما صحّتها؟ وإذا كاَنت صحيحةً، فلماذا نلعنُ مَن ظلمَ أهلَ البيت (ع)، ولا نلجأ إلى غيرِ اللعن؟

:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : لقد وردَت جُملةٌ منَ الرواياتِ تمنعُ منَ اللعنِ ذُكرَ جملةٌ مِنها في الكافي. مِنها: ما رواهُ الكُليني رحمَه اللهُ عَن أَبِي جَعفَرٍ (عليهِ السلام) قَالَ خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) النَّاسَ فَقَالَ أَ لَا أُخبِرُكُم بِشِرَارِكُم ... قَالَ أَ لَا أُخبِرُكُم بِمَن هُوَ شَرٌّ مِن ذَلِكَ قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ المُتَفَحِّشُ اللَّعَّانُ الَّذِي إِذَا ذُكِرَ عِندَهُ المُؤمِنُونَ لَعَنَهُم وَ إِذَا ذَكَرُوهُ لَعَنُوهُ. (الكافي / كتابُ الكُفرِ والإيمان/ بابُ أصولِ الكفرِ وأركانِه/الحديث 7 ). إنَّ قولَه صلّى اللهُ عليهِ وآله (المُتَفَحِّشُ اللَّعَّانُ الَّذِي إِذَا ذُكِرَ عِندَهُ المُؤمِنُونَ لَعَنَهُم وَإِذَا ذَكَرُوهُ لَعَنُوهُ) حيثُ اعتبرَه صلّى اللهُ عليهِ وآله أنّه (أشرُّ شِرارِ الأمّة). وهوَ خيرُ دليلٍ على تحريمِ اللعنِ والسب. ومِنها: ما رواهُ الكُليني أيضاً (عن سماعةَ قالَ: دخلتُ على أبي عبدِ اللهِ عليهِ السلام فقالَ لي مُبتدِئاً: يا سُماعة ما هذا الذي كانَ بينَك وبينَ جمّالِك؟! إيّاكَ أن تكونَ فحّاشاً أو صخّاباً أو لعّاناً، فقلتُ: واللهِ لقد كانَ ذلكَ إنّه ظلمني، فقالَ: إن كانَ ظلمَك لقد أربيتَ عليه إنَّ هذا ليسَ مِن فِعالي ولا آمرُ بهِ شيعَتي، استغفِر ربّك ولا تعُد، قلتُ: أستغفرُ الله، ولا أعود).                                                    (الكافي كتابُ الإيمانِ والكُفر/بابُ البذاء/ ح 14) نعَم وردَت رواياتٌ في جوازِ لعنِ أهلِ البدع، والضلالةِ، غيرَ أنَّ هذه الروايات قد علّلَت الجوازَ بوجودِ المصلحةِ في اللعن، وهيَ حتّى يرتدعَ المُبتدِع ويعودَ إلى رُشده، او حتّى يتجنّبَ الناسُ بدعتَه، كما نطقَت به جُملةٌ منَ الرواياتِ التي سأذكرُ واحدةً مِنها على سبيلِ الاختصار.  في الكافي (إِذَا رَأَيتُم أَهلَ الرَّيبِ وَالبِدَعِ مِن بَعدِي فَأَظهِرُوا البَرَاءَةَ مِنهُم وَأَكثِرُوا مِن سَبِّهِم وَالقَولَ فِيهِم وَالوَقِيعَةَ وَبَاهِتُوهُم كَيلَا يَطمَعُوا فِي الفَسَادِ فِي الإِسلَامِ وَيَحذَرَهُمُ النَّاسُ وَلَا يَتَعَلَّمُوا مِن بِدَعِهِم).                                                            (الكافي/ ج2/ص 524) فإنَّ قولهُ عليهِ السلام: (كَيلَا يَطمَعُوا فِي الفَسَادِ فِي الإِسلَامِ وَيَحذَرَهُمُ النَّاسُ وَلَا يَتَعَلَّمُوا مِن بِدَعِهِم)، يُفهَمُ مِنه أنَّ مناطَ جوازِ سبّهم هوَ ما ذُكرَ مِن أن لا يطمعوا في الفساد ... إلخ. فهذهِ الغايةُ إذا تحقّقَت بغيرِ اللعنِ بأن تتحقّقَ بالحوارِ الهادئِ المُنبَثِق عن قولِه تباركَ وتعالى:  (ادعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلهُم بِالَّتِي هِيَ أَحسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعلَمُ بِالمُهتَدِينَ)                                                   (النحل/126)  فلا ريبَ أنّه الأفضلُ بل قد يكونُ هوَ المُتعيّن. وعلى هذا فإن كانَ أسلوبُ الحوارِ الهادئِ أجدى نفعاً مِن سبّهم، تعيّنَ لأنّهُ الموافقُ لكتابِ اللهِ تعالى ولسُنّتِه وللعقلِ السليمِ والمنطقِ القويم.الجوابُ: لا شكَّ أنَّ وظيفةَ الإمامِ عليهِ السلام، هيَ المحافظةُ على مصلحةِ الإسلامِ العُليا، وسيرِ الأمّةِ الإسلاميّةِ ككُل، وسلامتِها الفكريّةِ والعقائديّة، هذا هوَ الهدفُ الأسمى الذي يبذلُ الإمامُ مِن أجلِه كلَّ شيء، حتّى وإن اقتضى ذلكَ حياتَه، وهذا ما نراهُ جليّاً في كلماتِ الإمامِ الحُسين عليهِ السلام المشهورِ (إنّي لم أخرُج بطِراً ولا أشِراً ... ولكنّي خرجتُ لطلبِ الإصلاحِ في أمّةِ جدّي).  ومِن هذا القبيلِ ما نقرأه مِن دعاءِ أهلِ الثغورِ المنسوبِ للإمامِ زينِ العابدين عليهِ السلام الذي كانَ يدعو به لنُصرةِ جيوشِ المُسلمينَ حينَما كانَت تواجهُ الخطرَ الصليبيَّ الذي يُهدّدُ أصلَ الإسلامِ وبيضتَه. فالإمامُ يحرصُ كلَّ الحرصِ على بقاءِ عزِّ الإسلامِ وصورتِه ولو بحسبِ الظاهر، ويصرفُ نظرَه الشريفَ عن مشاكلِه ومعاناتِه الشخصيّةِ مِن حُكّامِ زمانِه. فهمُّه الأوحدُ هوَ وجودُ وعزّةُ الإسلام. قالَ الشيخُ المُظفّر رحمَه الله: (وينجلي لنا حرصُ آلِ البيتِ عليهم السلام على بقاءِ عزِّ الإسلام ـ وإن كانَ ذو السلطةِ مِن ألدِّ أعدائِهم ـ في موقفِ الإمامِ زينِ العابدين عليهِ السلام مِن ملوكِ بني أُميّة، وهوَ الموتورُ لهم، والمُنتهكةُ في عهدِهم حُرمتُه وحرمُه، والمحزونُ على ما صنعوا معَ أبيه وأهلِ بيتِه في واقعةِ كربلاء، فإنّه ـ معَ كلِّ ذلك ـ كانَ يدعو في سرِّه لجيوشِ المُسلمينَ بالنصر، وللإسلامِ بالعزِّ، وللمُسلمينَ بالدعةِ والسلامة).       (عقائدُ الإماميّة ص 149)