لماذا ادرجت الإمامة في الفروع مع العلم بأنها اصل ومنكرها كافر ؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : لا خلاف بين الشيعة في كون الامامة من أصول الدين، وقد بحثها علماء الشيعة في كتبهم العقائدية والكلامية ولم يبحثوها في كتبهم الفقهية، ولذا لا ندري على ماذا اعتمد السائل في قوله إنها أدرجت في الفروع؟ فالإمامة من الأصول التي انفرد بها الشيعة دون غيرهم من المسلمين ولذلك اعتبرت من أصول المذهب، ولا يعني ذلك أن الإمامة أصبحت من الفروع، فكل ما في الأمر أن هذا المصطلح وضع لتمييز بين الأصل العام الذي يشترك فيه جميع المسلمين وبين الأصل الخاص الذي ينفرد به الشيعة عن غيرهم، فالإمامة وإن كانت في منظور الشيعة من أصول الدين إلا انه اعتقاد خاص لا يشاركهم فيه بقية المسلمين، ولذلك لا تعد من هذه الناحية اصلاً عاماً وإنما تعد اصلاً خاص بالشيعة أهل البيت (عليهم السلام)، فلا يمكن أن يصبح الإنسان شيعياً ما لم يتعقد بالإمامة كأصل من أصول الدين، ويبدو أن الدافع لهذا السؤال هو أن البعض قسم الأصول إلى أصول أساسية وأصول فرعية، فهناك أصول تتفرع عن أصل أخر فوقها، فالإمامة كأصل يتفرع من أصل آخر وهو النبوة، والنبوة بدورها تتفرع عن أصل آخر وهو التوحيد، إلا أن اصطلاح الفرع هنا يعد اصطلاح آخر غير الاصطلاح المتعارف والذي قصده السائل. أما التولي والتبري فهو من الواجبات العملية، ولذلك يتم بحثهما في الكتب الفقهية، فالفرق بين الأصل والفرع هو أن الأصل ما يجب الاعتقاد به، بينما الفرع هو ما يجب العمل به، ولذلك حدد الفقهاء الفروع في عشرة وهي: الصلاة، والصوم، والزكاة، والخمس، والحج، والجهاد، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والتولّي والتبرّي.ومن المفيد أن نشير هنا إلى النزاع بين الشيعة والسنة فيما يتعلق بكون الإمامة من الأصول أو الفروع، وقد وقع هذا التباين والاختلاف على المستويين النظري والعملي، فعلى المستوى النظري اختلف الشيعة والسنة في كيفية وجوب الإمامة، وهل هي بالنص أم بالبيعة؟ وعلى المستوى العملي والتطبيق الخارجي وقع الاختلاف في تحديد الائمة والخلفاء الفعليين لرسول الله، فاعتقد اهل السنة بخلافة من حكم بالفعل بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) بينما اعتقد الشيعة باثني عشر امام من أهل البيت قام رسول الله بتحديدهم وتعينهم، فهم بذلك يمثلون أئمة الحق، حتى لو لم يتسن لهم الحكم والخلافة السياسية، ومن الواضح ان انقسام الامة إلى شيعة وسنة يعود في الأساس إلى موضوع الإمامة، كما أن الحروب التي وقعت بين المسلمين كانت بسبب الاختلاف حول من يستحق الإمامة، وقد قال الشهرستاني صاحب الملل والنحل في ذلك: (وأعظم خلاف بين الأُمة، خلافُ الإمامة، إذْ ما سُلَّ سيف في الإسلام على قاعدة دينيّة مثل ما سُلّ على الإمامة في كلّ زمان) (الملل والنحل ج1 ص 24)ويبدو أن النزاع بين كون الإمامة أصل أو فرع يعود إلى تعريف الإمامة بين الطرفين، فمن يرى الإمامة من الشؤون السياسية والاجتماعية لابد أن يرجعها إلى اجتهاد الامة، بينما من يرى الإمامة امتداداً لدور رسول الله لابد أن يرجعها للنص والتعيين، فكما أن الأمة ليس لها الحق في اختيار من هو النبي ليس لها ايضاً الحق في اختيار من يقوم بمهام النبي بعد وفاته، ومن هنا لم يفرق الشيعة بين الإمامة الدينية والسياسية، فالإمام في أمور الدين وهو ذاته الأمام في الأمور السياسية، بينما نجد أهل السنة لهم أئمة في الدين غير ائمتهم في السياسة والخلافة.فكل مذهب من المذاهب الفقهية أو العقائدية، على رأسه إمام يمثل الوسيط لفهم النص الديني، فالقول إن القرآن والسنة يمثلان مرجعاً لكل مسلم، أمر لا يصدقه الواقع، ففي العقائد أنقسم أهل السنة بين الاشعري والحنبلي وغير ذلك، وفي الفقه انقسموا بين الشافعي والمالكي وغيرهم، وبالتالي فإن الرجوع بما عليه أهل السنة من عقائد واحكام إلى القرآن والسنة بشكل مباشر أمر فيه مسامحة، والصحيح أن نسبة ذلك لهؤلاء الائمة أصدق من نسبتها للقرآن والسنة.والغريب أن أهل السنة عندما رفضوا الإمامة، بوصفها وسيطاً معيناً من الله لتحقيق فهم صحيح للدين، لم يلتزموا بهذا الرفض، وأوجدوا من عند أنفسهم أئمة أوكلوا لهم فهم الدين، وتعبدوا بآرائهم، لأن الوسيط الذي يحقق لنا الفهم أمر لا مفر منه، فإما أن يتكفل الله بتعيينه واختياره وإما أن يختار الناس لأنفسهم من يتبعوه، فإن كان هناك احتمال أن الله قد عين لنا أئمة، ألا يكفي هذا الاحتمال لتحريك الأُمّة من أجل البحث عن هذا الإمام؟ فطالما هناك قاعدة تلزم الجاهل بالرجوع إلى العالم، لمعرفة مراد الله، فلا بد أن تكون لفكرة الإمامة من الوضوح بقدر دورها المحوري في عملية الفهم، أما أن تكون بدون محددات واضحة ومعايير منضبطة، فإنها ستؤدي إلى نتائج سلبية، بل قد تكون معوقاً أمام الحركة الطبيعية للأمة، كما أن الكلام عن مستقبل الرسالة ومسارها الطبيعي لا يستقيم إلا بالكلام عن الإمامة، لأن الإمام هو الشخص الذي يتحمل مسؤولية هذه الرسالة من بعد الرسول، وليس من الصحيح أن يوكل هذا الأمر إلى مجموع الأُمّة، والسبب في ذلك يعود إلى عدة أمور: أولاً: لأن الأُمّة بمجموعها غير مؤهلة لتسلم أعباء هذه المهمة، فما زالت حديثة عهد بالكفر، ولم تصل إلى درجة من النضج لكي تستوعب هذه الرسالة التي جعلت للناس كافة.ثانياً: لأن التباين والاختلاف الذي حصل بين الصحابة، والحروب التي دارت بينهم، تؤكد على أن إيكال الأمر لمجمل الأُمّة هو حكم على التجربة بالفشل؛ لأن التنازع والاختلاف يؤثر على البنية الموحدة للدعوة، مما يهدد وجودها ومستقبلها.ثالثاً: إن وجود تيار من المنافقين بين الصحابة، يهدد مستقبل الدعوة، وخاصة أن هذا التيار يمتلك قدرة من التخفي، لا تستطيع الأُمّة معه التميز بين المؤمن والمنافق، حيث قال الله تعالى في حقهم: (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ)، ووجود هذا التيار الذي يمثل جزءاً من مكونات هذا المجتمع، يعتبر عقبة حقيقية أمام أي مشروع مستقبلي للرسالة، فإمكانية تأثير هذا التيار على مصادر القرار والرأي العام، إمكانية كبيرة، خاصة وأن هذا التيار يمثل خطراً في نظر القرآن، ولذلك حذر منه في كثير من الآيات، بل أمر الله نبيه أن يقاتل المنافقين كما أمره بقتال الكفار: (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ).    رابعاً: مستوى التفاوت في درجات العلم والفهم بين الصحابة، يفرض عقلاً أن يتصدر بعضهم موقع القيادة والمسؤولية، كنخبة تمثل مرجعية فكرية وثقافية لبقية الأُمّة، مما يجعل وجود جهة محددة هو الخيار الطبيعي لتحمل أعباء الرسالة، الأمر الذي يرجع بنا من جديد إلى رفض أن يكون مجموع الأُمّة هو المسؤول عن مستقبل الرسالة؛ لأنه أمر لا يتماشى مع الطبيعة البشرية، التي توكل الأمور إلى أهل الاختصاص.  خامساً: إن تسارع بعض الصحابة، للاجتماع في سقيفة بني ساعدة، لتعيين خليفة بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) مباشرة، يؤكد أن الأمر لا يستقيم إلا بتعيين من يتولى أمور الإسلام والمسلمين، ومن هنا يصبح وجود خليفة ضرورة تفرضها طبيعة الرسالة نفسها، لأن مستقبل الرسالة ومسيرة الدعوة، لا بد أن تكون منوطة بشخص محدد، يتحمل أعباء هذه المسيرة.وعليه فإن الحاجة إلى الإمام لا تختصر على الضرورة السياسية فحسب، مع ما تمثله تلك الضرورة من أهمية لنظم أمر المسلمين، وتحديد خياراتهم المستقبلية وضبط رؤيتهم الإستراتيجية، إلا أن الإمام مع ذلك يقوم بالدور المحوري لبيان مضامين هذه الرسالة، وتفهيم الأُمّة وتوعيتها بحقيقة الإسلام، بوصفه المرجعية التي تحقق فهم النص، والجهة الموثوقة لبيان مدلولات الرسالة وتحديد مرادات الله عز وجل، ولذلك لا يمكن الاكتفاء بالنص دون إمام يمثل مرجعية لفهم ذلك النص.والعصمة كشرط في الإمامة تمثل ضرورة عقلية قبل أن تكون ضرورة شرعية، فالعقل يقضي بوجوب اتّباع المعصوم، كما يحكم بقبح تركه واتّباع غيره، وقد تسالم بناء العقلاء على أن المرجعية المعصومة هي الطريق الذي يحقق وحدة الناس، وأن السبب المباشر لتشتت الجهود واختلاف الناس هو تعدد القيادات، وهذا حكم توافق عليه كل العقلاء، فلا يمكن توحيد أي مجموعة من الناس كبيرة أو صغيرة ضمن رؤية واحده وتوجه واحد، إلا إذا كان على رأس هذه المجموعة شخص واحد، يمثل المرجعية الفكرية لهذه المجموعة، ولا يمكن ضمان مسار هذه المجموعة بدون أي انحراف، إلا إذا اتصف هذا القائد بالعصمة.وهكذا الإسلام لا يمكن أن يكون واحداً، إلا إذا كان هناك إمام معصوم يلتزم الناس باتّباعه، كما لا يمكن أن تحقق الأُمّة الاطمئنان في مسيرها، إلا إذا كان على رأسها معصوم. فإذا خُير الإنسان المسلم، بين أن يختار الله له إماماً معصوماً ليتبعه، وبين أن يختار هو لنفسه إماماً من بين عامة الناس، فاختيار الله هو الراجح عند كل عاقل؛ لأن العقل لا يجد سبباً للفرقة بين الناس، إلا تعدد القيادات التي تمثل خيارات مختلفة، يمكن للناس اتّباعها، ولا يمكن أن يتحقق إجماع المسلمين على إمام واحد، إلا إذا كان هذا الإمام معصوماً ومختاراً من قبل الله عز وجل، ومن هنا فإن تفويض الأمر إلى الأُمّة يؤدي بشكل قطعي إلى تعدد الأئمة، وهو السبب المباشر لوجود هذه المذاهب، لأن المذهب بإشارة مباشرة هو إمام له أتباع، وكلما تعددت الأئمة تعددت المذاهب.والذي يؤكد على أن الإمامة أصل من أصول الدين وضرورة إسلامية هو قول رسول الله (ص): ( من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية)، وعليه لا يمكن أن تكون الإمامة خاضعة لاجتهاد الأمة أو خاضعة للظروف التاريخية؛ وذلك لأن رسول الله جعلها شرط في تمام إسلام الإنسان وإيمانه، حيث حكم على من مات ولم يكن له إمام بأنه (مات ميتة جاهلية)، أي مات على غير الإسلام، ومن هنا يكشف هذا الحكم عن عظمة الإمامة في الإسلام وعن أهميتها بالنسبة لإيمان الإنسان المسلم، والعجيب أن اهل السنة تناولوا هذا الأمر في كتبهم الكلامية والعقائدية ولم يتطرقوا له في كتبهم الفقهية.