شبهة التشابه بين شخصية كلكامش والنبي موسى (ع)!!

نرجو منَ اللجنةِ المُوقّرةِ الإجابةَ عن التناصِّ الموجودِ في القرآنِ الكريم وكتبِ الأساطيرِ مِن قبيلِ شخصيّةِ كلكامش والنبيّ موسى على نبيّنا وآله وعليهِ السلام وكذلكَ بينَ كريشنا والنبيّ عيسى على نبيّنا وآله وعليهِ السلام.

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : التناصُّ مُصطلحٌ خاصٌّ يُستخدَمُ في ميادينِ الشعرِ والأدب، وكلمةُ تناص في الميزانِ الصرفيّ جاءَت على وزنِ (تفاعل) حيثُ تحملُ هذه الصيغةُ الاشتقاقيّةُ معنى المُشاركةِ والتداخل، وعلى ذلكَ عرّفوا التناصَّ بأنّه تداخلُ نصٍّ لاحقٍ بنصٍّ سابقٍ وامتزاجِهما معَ بعض لينتجنَ نصّاً إبداعيّاً جديداً، وقد يلجأُ الشاعرُ إلى ذلكَ لتحميلِ النصِّ دلالاتٍ مُختلفة تخدمُ الرسالةَ التي يطمحُ إيصالها للمُستمعِ أو القارئ، وقد قسّموا التناصَّ إلى تناصٍّ داخليّ وهوَ تكرارُ الكلماتِ أو الجُملِ في النصِّ الواحد، وإلى تناصٍّ خارجيّ وهوَ استخدامُ جُملٍ أو عباراتٍ استخدمَت في نصوصٍ سابقة، ويتّضحُ مِن ذلكَ أنَّ مُصطلحَ التناصِّ يحملُ معاني الاقتباسِ والتضمينِ والسرقةِ الأدبيّة. ويرى بعضُ الباحثينَ أنَّ دراسةَ التناصِّ في القرآنِ الكريم بوصفِه نصّاً لغويّاً قد يساعدُ على إظهارِ إبداعاتِ القرآنِ الأدبيّة، وبالفعلِ ظهرَت بعضُ تلكَ الدراساتِ، مثل دراسةٍ بعنوانِ (التناصّ في القرآنِ الكريم دراسةٌ تطبيقيّةٌ على السورِ المدنيّة) للدكتورةِ سُعاد كردي كنداوي، والدكتورِ عليّ حُسين حمادي، حيثُ جاءَ في مُلخّصِ الدراسةِ (ويظهرُ التناصُّ الداخليّ في النصِّ القرآنيّ الكريمِ في العلاقاتِ الدلاليّةِ بينَ جُمل، وآياتِ النصّ، فيكونُ دورُ التناصِّ في إظهارِ العلاقةِ الدلاليّةِ بينَ الجُمل، والآياتِ المُكرّرة. أمّا التناصُّ في أكثرَ مِن آية، فيظهرُ في القصصِ القرآنيّةِ المُكرّرة، ولعلَّ مِن أهمِّها: قصّةُ آدم (عليهِ السلام)، وقصّةُ إبراهيم (عليهِ السلام)، وقصّةُ موسى (عليهِ السلام). ففي قصّةِ آدم، يذكرُ أحداثاً، لا يذكرُها في غيرِها منَ السور، مِن ذلكَ تبليغُ الملائكةِ باختيارِ الخليفةِ في الأرض، واعتراضُهم على ذلك، وتعليمُ آدمَ الأسماء، كلُّ ذلكَ ممّا لم يُذكَر في غيرِ البقرة. وكذلكَ امتناعُ إبليس عن السجودِ لآدم، لم يذكُر المعلوماتِ المُتعلّقةَ بامتناعِه في موضعٍ واحد، ففي بعضِ المواضعِ ذكرَ رفضَه، واستكبارَه، وفي موضعٍ آخر يذكرُ أنّه منَ الجنّ، وفي ثالثةٍ يذكرُ ما علّلَ به إبليس لنفسِه حينَ رفضَ السجود. ولعلَّ مجموعَ القصصِ القرآنيّ لهذهِ الحادثةِ هو ما يُعطي صورةً كاملةً للموضوع. أمّا التناصُّ الخارجيّ، فيظهرُ في استعمالِ القرآنِ الكريم كثيراً مِن مفرداتِ اللغاتِ الأخرى، وأكثرُ ما كانَ ذلكَ في أسماءِ الأنبياء، فضلاً عن ذلك، فقَد استعملت مفرداتٌ منَ الحياةِ العامّة، مثلَ أماكنِ العبادةِ، والعملاتِ النقديّة، وغيرِها) إلّا أنَّ بعضَ الباحثينَ عارضوا هذا التوجّهَ، وقد كُتبَت في ذلكَ أطروحةُ دكتوراه تحتَ عنوان (التناصُّ: مفهومُه وخطرُ تطبيقِه على القرآنِ الكريم) للدكتورِ محمّد زبير عبّاس، حيثُ بحثَ الأمرَ بشكلٍ علميٍّ رصين ونفى أيَّ محاولةٍ لإلصاقِ التناصِّ بالقرآنِ الكريم، حيثُ قالَ في بعضِ مُقدّمته: (ومنَ المُدهشِ أنَّ دُعاةَ التناصِّ ما لبثوا أن مالوا إلى تطبيقِه على كلامِ اللهِ تعالى، وقاسوا كلامَ الخالقِ على كلامِ المخلوقِ مِن جهاتِه اللفظيّةِ والمعنويّة، الدلاليّةِ والمضمونيّة، بناءً على أنَّ اللغةَ حيثما وجدَت هيَ أمٌّ واحدةٌ، فقضوا على قداسةِ لغةِ القرآنِ الكريم ومضامينِه، غافلينَ عن كونِه كتاباً له حدودٌ يجبُ مُراعاتها عندَ تفسيرِ نصوصِه إلى يومِ الآخرة، فمنهُم مَن حصرَ دراستَه التحليليّة في تنظيرِ التناصِّ، ومنهُم مَن جعلَ النصوصَ القرآنيّةَ ونصوصَ الكتبِ المُقدّسةِ (المُحرّفةِ حالاً) معملاً إجرائيّاً لتطبيقِ مفاهيمِ التناصِّ طِبقاً لمنازعِ قائلِها. ووصلوا مِن خلالِ تطبيقاتِهم السقيمةِ إلى النتائجِ الفاسدة التي لا تخضعُ لقواعدِ المنهجِ العلميّ السّديد. ولذلكَ وقعَ أصحابُ المُعطياتِ اللغويّةِ (اللسانيّة) النصّيّةِ الحديثةِ في المُغالطاتِ وظنّوا أنَّ كتابَ اللهِ العزيز قد نهلَ مادّتَه اللغويّةَ أو الدلاليّةَ بدرجةٍ كبيرةٍ ممّا سبقَه، فركعوا للتناصِّ بلا قيدٍ ولا حذرٍ أو حيطة، وصارَ التناصُّ مِن حينِه نُقطةَ البحثِ ورمزَ الدراسةِ ورهنَ السؤال، وبالأخصِّ في سياقِ توجيهِه إلى النصِّ القرآني) وقد اشتملَت هذهِ الأطروحةُ على بحثٍ مُفصّلٍ شملَ جميعَ أبعادِ التناصِّ في الدراساتِ الغربيّةِ والعربيّة، ومنَ المُفيدِ جدّاً للمُهتمِّ بهذهِ الدراساتِ الرجوعُ لهذهِ الأطروحةِ المُتميّزة، ومِن حُسنِ الحظِّ يمكنُ تحميلها كاملةً منَ النت.ومنَ المؤسفِ جدّاً أنَّ بعضَ مَن يحملونَ عداواتٍ معَ الدينِ الإسلاميّ الحنيف، عملوا على توظيفِ التناصِّ لمُحاربةِ القرآنِ الكريم، سواءٌ كانوا منَ المُلحدينَ أو مِن بعضِ المُتطرّفينَ المسيحيّينَ الذينَ لا شُغلَ لهم غيرَ مُحاربةِ الإسلام، فمثلاً نجدُ الدكتور رأفت عماري وهوَ طبيبٌ مسيحيّ أردنيّ يعملُ بكلِّ جهدِه للتشكيكِ في القرآنِ الكريم، وقد ألّفَ في ذلكَ كتاباً تحتَ عنوان (كتابُ القرآنِ والتاريخ) وقد حاولَ بطرقٍ غيرِ علميّة ومنهجيّةٍ نسبةَ القرآنِ وما فيهِ مِن قصصٍ إلى الأساطيرِ القديمةِ، وقد ظهرَ حقدُه على القرآنِ والإسلامِ بشكلٍ واضحٍ في بعضِ اللقاءاتِ التلفزيونيّة، حيثُ ظهرَ كثيراً على قناة (الفادي) وهيَ قناةٌ متطرّفةٌ ضدَّ الإسلامِ وتموّلها جهاتٌ مشبوهة، وهيَ نفسُ القناةِ التي تستضيفُ بشكلٍ دائمٍ القسَّ المُتطرّفَ زكريّا قبرص، وهوَ مشهورٌ بكثرةِ اساءتِه للإسلامِ والقرآنِ والنبيّ محمّدٍ (صلّى اللهُ عليهِ وآله)، ممّا اضطرَّ الكنيسةَ الأرثوذكسيّةَ التي ينتمي لها لإصدارِ بيانٍ تتبرّأ منهُ وتنزعُ عنهُ أيَّ صفةٍ كنسيّة.  وما أشارَ إليهِ السائلُ منَ التشابهِ بينَ قصّةِ كلكامش ونبيّ اللهِ موسى (عليهِ السلام) هوَ عينُ ما تكلّمَ به الدكتورُ رأفت عماري في حلقةٍ تلفزيونيّةٍ تحتَ عنوان (سؤالٌ جرئ)، حيثُ يزعمُ أنَّ قصّةَ موسى والخضر هيَ ذاتُها قصّةُ كلكامش في الأسطورةِ المعروفةِ عندَما كانَ يبحثُ عن سرِّ الخلود، والذي يقفُ على هذه الأسطورةِ يرى بُعدَ المشرقينِ بينَها وبينَ ما جاءَ في القرآنِ الكريم، والقصّةُ طويلةٌ وليسَ منَ المُناسبِ ذكرُها هُنا ولمَن أرادَ الوقوفَ عليها يمكنُه الرجوعُ إلى موقعِ ويكبييديا فقد نشرَها كاملةً، والذي يقفُ على القصّةِ الخرافيّةِ سيكونُ مُتيقّناً بنفسِه لعدمِ وجودِ أيّ شكلٍ مِن أشكالِ التشابهِ بينَها وبينَ ما جاءَ في القرآنِ الكريم، ولا يحتاجُ إلى مَن يعينُه على تكذيبِها.   أمّا العلاقةُ بينَ كريشنا في الدياناتِ البرهميّةِ وبينَ النبيّ عيسى (عليهِ السلام) فقد ذكروا وجودَ موضعينِ للتشابهِ، الموضعُ الأوّل: (قالَ الهندوسُ: لقد مجّدَت الملائكةُ ديفاكي والدةَ كريشنا ابنَ الإله، والتي كانَت عذراءَ عندَما حملَت به. وقالَت الملائكةُ يحقُّ للكونِ أن يفاخرَ بابنِ هذهِ الطاهرةِ التي ولدَت ابنَ الإله). وقد جاءَ في القرآنِ الكريمِ قولهُ تعالى: (قَالَتِ المَلَائِكَةُ يَا مَريَمُ إِنَّ اللَّهَ اصطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ العَالَمِينَ ... قَالَتِ المَلَائِكَةُ يَا مَريَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنهُ اسمُهُ المَسِيحُ عِيسَى ابنُ مَريَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ المُقَرَّبِينَ)، ويقولُ تعالى: (فَاتَّخَذَت مِن دُونِهِم حِجَابًا فَأَرسَلنَا إِلَيهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيّاً). ويقولُ تعالى: (قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا (19) قالَت أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَم يَمسَسنِي بَشَرٌ وَلَم أَكُ بَغِيًّا (20) قالَ كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحمَةً مِنَّا وَكانَ أَمراً مَقضِيًّا (21) فَحَمَلَتهُ فَانتَبَذَت بِهِ مَكاناً قَصِيًّا). والثاني: (قالَ الهندوس: بعدَما أرضعَته أمُّه صارَت تبكي وتندبُ حظّها وتتحسّرُ ممّا قد يحدثُ له مِن مآسٍ في حياتِه، فكلّمَها كريشنا وعزّاها). وجاءَ في القرآنِ الكريمِ قوله تعالى: (فَأَجَاءهَا المَخَاضُ إِلَى جِذعِ النَّخلَةِ قَالَت يَا لَيتَنِي مِتُّ قَبلَ هَذَا وَكُنتُ نَسيًا مَّنسِيًّا (23) فَنَادَاهَا مِن تَحتِهَا أَلَّا تَحزَنِي قَد جَعَلَ رَبُّكِ تَحتَكِ سَرِيًّا)وإن كانَ هناكَ تشابهٌ في الجُملةِ إلّا أنّه لا يدلُّ على وجودٍ تناصٍّ بينَ القرآنِ وبينَ ما في الدياناتِ البرهميّةِ أو المسيحيّة، فهناكَ فرقٌ كبيرٌ بينَ فحوى النصوصِ القرآنيّةِ والنصوصِ البرهميّة، فالنصُّ القرآنيُّ يؤسّسُ للتوحيدِ بينَما النصوصُ الأخرى تؤسّسُ للشّركِ عندَما جعلَت كريشنا أو المسيحَ ابناً لله، قالَ تعالى: (ذَلِكَ عِيسَى ابنُ مَريَمَ قَولَ الحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمتَرُونَ. مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ. وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُم فَاعبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُستَقِيمٌ) فقد دلَّت هذهِ الآيةُ على واقعيّةِ قصّةِ سيّدِنا عيسى (عليهِ السلام) وما وقعَ حولَها مِن جدلٍ بينَ مُصدّقٍ لها ولكنّهُ مُحرّفٌ لحقيقتِها وبينَ مُنكِرٍ لها، وقد جاءَ القرآنُ بالقولِ الفصلِ في تفاصيلِ هذهِ القصّة، فكونُ القصّةِ قد حدثَت قبلَ نزولِ القرآنِ لا يعني أنَّ القرآنَ استوحى القصّةَ ممّا نقلهُ الأقدمونَ عنها، وإنّما يدلُّ على أنَّ القرآنَ هوَ المصدرُ الذي ينقلُ القصّةَ كما هيَ مِن دونِ زيادةٍ أو تحريف، وقد أكّدَ القرآنُ ذلكَ في قولِه تعالى: (لَقَد كَانَ فِي قَصَصِهِم عِبرَةٌ لِّأُولِي الأَلبَابِ ۗ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفتَرَىٰ وَلَٰكِن تَصدِيقَ الَّذِي بَينَ يَدَيهِ وَتَفصِيلَ كُلِّ شَيءٍ وَهُدًى وَرَحمَةً لِّقَومٍ يُؤمِنُونَ).