ما الدور الذي أدّاهُ الإمامُ عليّ (ع) بعدَ وفاةِ النبيّ (ص) ؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : دورُ الإمامِ هوَ القيامُ بما كانَ يقومُ به رسولُ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله) في أيّامِ حياتِه ما عدا الوحيّ والإتيانِ بشريعةٍ غيرِ شريعةِ الإسلام، فالإمامُ بحسبِ المُعتقدِ الشيعيّ هوَ القيادةُ المعصومةُ التي تقودُ المُسلمينَ في أمورِهم الدينيّةِ والسياسيّة، ففي روايةٍ طويلةٍ عن الإمامِ الرّضا (عليهِ السلام) وصفَ فيها دورَ الإمامِ ووظيفتَه جاءَ فيها: (.. هل يعرفونَ قدرَ الإمامةِ، ومحلّها منَ الأمّةِ فيجوّزونَ فيها اختيارَهم، إنَّ الإمامةَ أجلُّ قدراً وأعظمُ شأناً وأعلى مكاناً وأمنعُ جانِباً وأبعدُ غوراً مِن أن يبلغَها الناسُ بعقولِهم، أو ينالوها بآرائِهم أو يقيموا إماماً باختيارِهم ... إنَّ الإمامةَ هيَ منزلةُ الأنبياءِ وإرثُ الأوصياء، إنَّ الإمامةَ خلافةُ اللهِ عَزّ وجَلّ، وخلافةُ الرسولِ ومقامُ أميرِ المؤمنينَ وميراثُ الحسنِ والحُسين. إنَّ الإمامةَ زمامُ الدين، ونظامُ المُسلمين، وصلاحُ الدنيا، وعزُّ المؤمنين. إنَّ الإمامةَ أسُّ الإسلامِ النامي وفرعُه السّامي.. الإمامُ الدالُّ على الهُدى والمنجى منَ الرّدى، بالإمامِ تمامُ الصّلاةِ والزكاةِ والصّيامِ والحجِّ والجهادِ وتوفيرِ الفيءِ والصّدقاتِ وإمضاءِ الحدودِ والأحكام، ومنعِ الثغورِ والأطراف، الإمامُ يُحلُّ حلالَ الله ويحرّمُ حرامَ الله ويقيمُ حدودَ الله ويَذبُّ عن دينِ الله ويدعو إلى سبيلِ ربِّه بالحكمةِ والموعظةِ الحسنة، والحُجّةِ البالغة..)  وغيرُ ذلكَ منَ الرواياتِ التي بيّنَت دورَ الإمامِ بعدَ رسولِ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله) وقد قامَ أميرُ المؤمنينَ (عليهِ السلام) بكلِّ ذلكَ فكانَ هادياً لمَن اهتدى به ومُرشِداً لمَن اقتدى بإمامتِه، وما زالَ شيعتهُ ومُحبّوه ينهلونَ مِن فيضِ علمِه، فوظيفةُ الإمامِ عليّ (عليهِ السلام) ودورهُ بعدَ رسولِ اللهِ منوطٌ باستجابةِ الناسِ وطاعتِهم له، فاللهُ لا يُجبرُ الخلقَ على اتّباعِ رسلِه وأنبيائِه كما لا يجبرُهم على عبادتِه، وعندَما كانَت الأمّةُ حُرّةً في اختيارِ الدّنيا أو الآخرة، اختارَ مُعظمُهم الدّنيا وتركَ الآخرة، فانحرفَ أكثرُهم عن أميرِ المؤمنينَ ولم يثبُت معهُ إلّا القليل، ولذا لم تُتح له الفرصةُ لقيادةِ الأمّةِ اجتماعيّاً وسياسيّاً، فقد كانَ الإمامُ عليّ (عليهِ السلام) يريدُ الدينَ، وكانَ القومُ يريدونَ الدنيا، فالإمامُ يسعى ليذوبَ هوَ ومَن معَه في الإسلام، وكانَ خصومُه يريدونَ أن يذوبَ الإسلامُ فيهم، وما وقعَ في التاريخِ مِن أحداثٍ هوَ مُجرّدُ انعكاسٍ لهذهِ التوجّهاتِ، فعندَما كانَ رسولُ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) بينَهم كانَ وجودُه يمنعُهم مِن تسخيرِ إيمانِهم وإسلامِهم لأجلِ ذواتِهم، وبمُجرّدِ انتقالِه إلى الرفيقِ الأعلى وقبلَ أن يُدفَن، تسارعَ القومُ لتسخيرِ السابقيّةِ والهجرةِ وحتّى القرشيّة مِن أجلِ الاختصامِ السياسيّ في السقيفة، وهكذا أصبحَ الدينُ مطيّةً للمصالحِ السياسيّة، فأرادوا أن يكونَ لهجرتِهم ثمنٌ ولقرشيّتِهم مزيّةٌ ولسابقيّتِهم منزلةٌ، فسُخّرَ الإسلامُ مِن أجلِ توسعةِ النفوذِ وبسطِ الهيمنةِ وامتلاكِ الأموالِ والجواري، ففي خُطبةٍ لأميرِ المؤمنينَ يصفُ حالَ المسلمينَ بعدَ موتِ رسولِ الله وكيفَ أنَّهم عادوا كما كانوا قبلَ الإسلام، ويُحذّرُهم منَ البلايا والفتن التي تجعلُ عاليهم سافلَهم وسافلَهم عاليهم، بقولِه: (ذِمَّتِي بِمَا أَقُولُ رَهِينَةٌ وَ أنا بِهِ زَعِيمٌ إنَّ مَن صَرَّحَت لَهُ اَلعِبَرُ عَمَّا بَينَ يَدَيهِ مِنَ اَلمَثُلاَتِ حَجَزَتهُ اَلتَّقوَى عَن تَقَحُّمِ اَلشُّبُهَاتِ أَلاَ وَإنَّ بَلِيَّتَكُم قَد عَادَت كَهَيئَتِهَا يَومَ بَعَثَ الله نَبِيَّهُ [نَبِيَّكُم] (صلّى اللهُ عليهِ وآله) وَاَلَّذِي بَعَثَهُ بِالحَقِّ لَتُبَلبَلُنَّ بَلبَلَةً وَلَتُغَربَلُنَّ غَربَلَةً وَلَتُسَاطُنَّ سَوطَ اَلقِدرِ حَتَّى يَعُودَ أَسفَلُكُم أَعلاَكُم وَأَعلاَكُم أَسفَلَكُم وَلَيَسبِقَنَّ سَابِقُونَ كانوا قَصَّرُوا وَلَيُقَصِّرَنَّ سَبَّاقُونَ كانوا سَبَقُوا وَالله مَا كَتَمتُ وَشمَةً وَلاَ كَذَبتُ كِذبَةً وَ لَقَد نُبِّئتُ بِهَذَا اَلمَقَامِ وَ هَذَا اليوم أَلاَ وَإنَّ اَلخَطَايَا خَيلٌ شُمُسٌ حُمِلَ عَلَيهَا أهلهَا وَخُلِعَت لُجُمُهَا فَتَقَحَّمَت بِهِم فِي اَلنَّارِ أَلاَ وَإنَّ اَلتَّقوَى مَطَايَا ذُلُلٌ حُمِلَ عَلَيهَا أهلهَا وَأُعطُوا أَزِمَّتَهَا فَأَورَدَتهُمُ اَلجَنَّةَ، حَقٌّ وَبَاطِلٌ وَ لِكُلٍّ أهل فَلَئِن أَمِرَ اَلبَاطِلُ لَقَدِيماً فَعَلَ وَ لَئِن قَلَّ اَلحَقُّ لَرُبَّمَا فَلَرُبَّمَا وَ لَعَلَّ وَ لَقَلَّمَا أَدبَرَ شَي‏ءٌ فَأَقبَلَ).ومعَ ذلكَ كانَ هناكَ القليلُ مِن أولي البصائرِ الذينَ يعرفونَ منزلةَ أميرِ المؤمنينَ وقدرَه مِن أمثالِ سلمانَ وعمّار وأبو ذرٍّ والمقداد، فقد رويَ عن سلمانَ الفارسي قوله: (ألا يا أيّها الناسُ اسمعوا عنّي حديثي ثمَّ اعقلوه عنّي، ألا وإنّي أوتيتُ عِلماً كثيراً، فلو حدّثتُكم بكلِّ ما أعلمُ مِن فضائلِ أميرِ المؤمنينَ عليهِ السلام لقالَت طائفةٌ منكم: هوَ مجنونٌ، وقالت طائفةٌ أخرى: اللهمَّ اغفِر لقاتلِ سلمان - إلى أن قال: - أما والذي نفسُ سلمانَ بيدِه لو وليّتموها عليّاً لأكلتُم مِن فوقِكم ومِن تحتِ أرجلِكم، ولو دعوتُم الطيرَ لأجابَتكم في جوّ السّماء، و لو دعوتُم الحيتانَ منَ البحارِ لأتتكم، ولما عالَ وليُّ الله، ولا طاشَ لكم سهمٌ مِن فرائضِ الله، ولا اختلفَ اثنانِ في حُكمِ الله، ولكن أبيتُم فوليّتموها غيرَه، فأبشروا بالبلاء)، وقالَ أبو ذرٍّ الغفاري وهوَ آخذٌ بحلقةِ بابِ الكعبة: (أيّها النّاسُ! مَن عرفني فقد عرَفني، ومَن لم يعرفني فسأنبئه باسمي: فأنا جندبٌ أبو ذرٍّ الغفاري - إلى أن قالَ: - ألا أيّتُها الأمّةُ المُتحيّرةُ بعدَ نبيّها، لو قدّمتُم مَن قدّمَ الله، وأخّرتُم مَن أخّرَ الله، وجعلتم الولايةُ حيثُ جعلَها اللهُ لما عالَ وليّ الله، ولما ضاعَ فرضٌ مِن فرائضِ الله، ولا اختلفَ اثنانِ في حُكمٍ مِن أحكامِ الله... فذوقوا وبالَ ما كسبتُم). وفي المُحصّلةِ، إنَّ الإمامَ عليّاً (عليهِ السلام) قامَ بدورهِ الديني ووظيفتِه الرساليّة على أكملِ وجه، وتراثُ المُسلمينَ مليءٌ بالعلومِ والمعارفِ التي أفاضَها في هذهِ الأمّة، أمّا دورُه السياسيُّ والاجتماعي فقد كانَ مُعلّقاً بقبولِ الأمّةِ وتقديمها له، إلّا أنَّ الأمّةَ تمرّدَت عليه وحاربَته إلى أن لقيَ اللهَ وهوَ مُضرّجٌ بدمائِه في محرابِ صلاتِه.