الفرقُ بينَ الصدرِ والقلبِ والبلاءِ والتمحيص؟

لسلام عليكم ورحمة الله وبركاته للايه ١٥٤ من سورة آل عمران يقول الله تعالى (وليبتلي الله مافي صدوركم وليمحص مافي قلوبكم ) ماالفرق بين الصدر و القلب وماذا يوجد في الصدر وماذا يوجد في القلب ولماذا الله اختار الصدر قبل القلب وماهو البلاء وماهو التمحيص المخصوص بهذه الايه

: السيد رعد المرسومي

السلامُ عليكُم ورحمةُ الله،وردَ في كتابِ مُفرداتِ ألفاظِ القرآنِ للرّاغبِ الأصفهانيّ، (ص477) أنّ الصّدرَ: هو الجارحة. قالَ تعالى : ( رَبِّ اشرَح لِي صَدرِي ) [ طه / 25 ] ، وجمعُه : صُدُورٌ . قالَ : ( وحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ ) [ العادياتُ / 10 ] ، ( ولكِن تَعمَى القُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ) * [ الحجُّ / 46 ] ، ثمَّ استعيرَ لمُقدّمِ الشيءِ كَصَدرِ القناةِ ، وصَدرِ المجلسِ ، والكتابِ، والكلام. وقالَ بعضُ الحُكماء : حيثُما ذكرَ اللَّهُ تعالى القلبَ فإشارةٌ إلى العقلِ والعلمِ نحوِ : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكرى لِمَن كانَ لَه قَلبٌ ) [ ق / 37 ] ، وحيثُما ذُكرَ الصَّدرُ فإشارةٌ إلى ذلك ، وإلى سائرِ القوى منَ الشّهوةِ والهوى والغضبِ ونحوِها ، وقولهُ :( رَبِّ اشرَح لِي صَدرِي ) [ طه / 25 ] ، فسؤالٌ لإصلاحِ قواه ، وكذلكَ قوله :  (ويَشفِ صُدُورَ )  قَومٍ مُؤمِنِينَ [ التوبة / 14 ] ، إشارةٌ إلى اشتفائِهم ، وقولهُ : ( فَإِنَّها لا تَعمَى الأَبصارُ ولكِن تَعمَى القُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ) [ الحجُّ / 46 ] ، أي : العقولُ التي هيَ مُندرسةٌ فيما بينَ سائرِ القوى وليسَت بمُهتدية. وقالَ الراغبُ الأصفهانيّ في مادّةِ (قلب)، (ص ٦٨١): قَلبُ الشيء : تصريفُه وصرفُه عن وجهٍ إلى وجه ، كقلبِ الثّوب ، وقلبِ الإنسان ، أي : صرفه عن طريقتِه . قالَ تعالى : (وإِلَيه تُقلَبُونَ )  [ العنكبوت / 21 ] . والِانقِلابُ : الانصرافُ ، قالَ :  ( انقَلَبتُم )  عَلى أَعقابِكُم ومَن يَنقَلِب عَلى عَقِبَيه [ آلُ عمران / 144 ] ، وقالَ :  ( إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنقَلِبُونَ )  [ الأعراف / 125 ] ، وقالَ : ( أَيَّ مُنقَلَبٍ ) ينقَلِبُونَ [ الشعراء / 227 ] ، وقالَ ( وإِذَا انقَلَبُوا إِلى أَهلِهِمُ انقَلَبُوا فَكِهِينَ )  [ المُطفّفين / 31 ] . وقَلبُ الإِنسان قيلَ : سُمّيَ به لكثرةِ تَقَلُّبِه ، ويعبّرُ بالقلبِ عن المعاني التي تختصُّ به منَ الرّوحِ والعلمِ والشّجاعةِ وغيرِ ذلك ، وقولهُ :  ( وبَلَغَتِ القُلُوبُ)  الحَناجِرَ [ الأحزاب / 10 ] أي : الأرواح . وقالَ :  ( إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكرى لِمَن كانَ لَه قَلبٌ )  [ ق / 37 ] أي علمٌ وفهم ، وكذلكَ : ( وجَعَلنا عَلى قُلُوبِهِم أَكِنَّةً أَن يَفقَهُوه ) [الأنعام / 25 ] ، وقولهُ:  ( وطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِم فَهُم لا يَفقَهُونَ ) [ التوبة / 87 ] ، وقولهُ:(ولِتَطمَئِنَّ بِه قُلُوبُكُم )  [ الأنفال / 10 ] أي : تثبتُ به شجاعتُكم ويزولُ خوفُكم ، وعلى عكسِه :  ( وقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعبَ )  [ الحشر / 2 ] ، وقولهُ :  ( ذلِكُم أَطهَرُ لِقُلُوبِكُم وقُلُوبِهِنَّ )  [ الأحزاب / 53 ] أي : أجلبُ للعفّةِ ، وقولهُ : ( هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ المُؤمِنِينَ )  [ الفتح / 4 ] ، وقولهُ :  ( وقُلُوبُهُم شَتَّى )  [ الحشر / 14 ] أي : مُتفرّقةً ، وقولهُ : ( ولكِن تَعمَى القُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ )  [ الحج / 46 ] قيلَ : العقلُ ، وقيلَ : الرّوح . فأمّا العقلُ فلا يصحُّ عليه ذلكَ ، قالَ : ومجازُه مجازُ قولِه :  ( تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهارُ ) [ البقرة / 25 ] . والأنهارُ لا تجري وإنّما تجري المياهُ التي فيها . وتَقلِيبُ الشيء : تغييرُه مِن حالٍ إلى حالٍ نحو : ( يَومَ تُقَلَّبُ )  وُجُوهُهُم فِي النَّارِ [ الأحزاب / 66 ] وتَقلِيبُ الأمور : تدبيرُها والنّظرُ فيها ، قالَ : ( وقَلَّبُوا )  لَكَ الأُمُورَ [ التوبة / 48 ] . وتَقلِيبُ اللَّهِ القلوبَ والبصائر : صرفَها مِن رأيٍ إلى رأي ، قالَ :  ( ونُقَلِّبُ أَفئِدَتَهُم وأَبصارَهُم )  [ الأنعام / 110 ] ، وتَقلِيبُ اليدِ : عبارةٌ عن النّدم ذكراً لحالِ ما يوجدُ عليهِ النادم . قالَ : * ( فَأَصبَحَ يُقَلِّبُ ) * كَفَّيه [ الكهف/ 42 ] أي : يصفّقُ ندامةً . ووردَ في كتابِ التحقيقِ في كلماتِ القرآنِ الكريم للشّيخِ حسن المصطفوي، (ج ٦/ص ٢٠٨) أنّ الصدرَ والقلبَ كالمشكاةِ والمِصباح .  ( كَمِشكاةٍ فِيها مِصباحٌ )  ، والقلبُ مظهرُ القوّةِ والحياة ، والصدرُ فيها تلكَ القوّة . وعلى هذا قد عبّرَ في قولِه تعالى بقوله :( وَلِيَبتَلِيَ ا للهُ ما فِي صُدُورِكُم وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُم وَا للهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُور ). وأمّا الفرقُ بينَ البلاءِ والتمحيصِ، فإنّ البلاءَ هوَ الاختبار، ولذلكَ قيل: بلوتُ فلاناً: إذا اختبرتُه. [ينظر المُفرداتُ للرّاغب، ص145]. وأمّا التمحيصُ، فهوَ تخليصُ الشيءِ ممّا فيهِ منِ عيبٍ كالفحص. [ينظر المفرداتُ للرّاغب، ص761].ووردَ في كتابِ التحقيقِ للمصطفويّ (ج ٦/ص ٢٠٨) أنّ التمحيصَ هو التخليصُ منَ العيبِ والشوبِ معَ التجلية . وهذا المعنى يناسبُ أصلَ القوّةِ ومركزَها ، ولا معنى لتخليصِ المُحيطِ وتجليتِه معَ وجودِ خلطٍ وشوبٍ في المظروفِ . والمناسبُ بالمُحيط والمظروفُ هوَ الاختبارُ والامتحانُ والابتلاء .والى هذا المعنى يرجعُ قولهُ تعالى  ( بِقَلبٍ سَلِيمٍ ) ، ( بِقَلبٍ مُنِيبٍ )، ( وَقَلبُه ُ مُطمَئِنٌّ بِالإِيمانِ )، ( يَهدِ قَلبَهُ )، ( تَعمَى القُلُوبُ ) . وقد يشتركانِ في انتسابِ بعضِ الأمورِ اليهما ، كانتسابِ الإضاءةِ والحرارةِ إلى المشكاةِ والمصباح ، وذلكَ كالغلِّ والكبرِ وغيرِهما ، ممّا يصحُّ أن يُنسبَ إلى كلٍّ مِنهما ولو باعتبارِ غيرِه ( وَنَزَعنا ما فِي صُدُورِهِم مِن غِلٍّ )، ( إِن فِي صُدُورِهِم إِلَّا كِبرٌ )، ( كَذلِكَ يَطبَعُ ا للهُ عَلى كُلِّ قَلبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ )، ( وَلا تَجعَل فِي قُلُوبِنا غِلاًّ ) . فظهرَ أنّ ما نُسبَ إلى الصّدرِ في القرآنِ الكريم بمناسبةِ الموضوعِ ، كما أنّ ما نسبَ إلى القلبِ بمناسبتِه، وقد لوحظَ لطفُ التعبيرِ وحفظُ خصوصيّاتِ كلٍّ مِنهُما في جميعِ مواردِ استعمالِهما . وهذا التوضيحُ يؤيّدُ كونَ تسميةِ الصّدرِ باعتبارِ وقوعِه في مرحلةٍ متأخّرةٍ عن القلب، فيه يتجلَّى ما في القلبِ ، فكأنّه صادرٌ ومظهرٌ ومجلى عن القلب . ودمتُم سالِمين.